الأخبار : الجلسة العادية لم تكن عادية .. بل شهدت نقاش حاد

كشفت جلستا الحكومة الأخيرتان، أن هناك من يحاول تركيب "موتور معطوب" لحكومة جديدة، وذلك بعدما تبين حصول تزوير وتحوير حوّلا الموافقة على اعتماد لمديرية إلى موافقة تشمل كل الإدارات، بحجة أن ذلك "عادة درجت في السابق"
الجلسة العادية لمجلس الوزراء في قصر بعبدا أمس، لم تكن عادية، بل شهدت نقاشاً ساخناً على خلفية ما عدّه بعض الوزراء تزويراً في قرارات المجلس ومحاولات لتكريس المخالفات السابقة لأحكام الدستور والقوانين المرعية الإجراء في مجالات الإنفاق العام. وقد استنزف هذا النقاش أكثر من نصف الوقت المخصص للجلسة، وبدأه الوزير جبران باسيل بمداخلة "قوية" تناولت إقدام الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء، سهيل بوجي، أول من أمس على توزيع جدول بقرارات الجلسة السابقة، ومنها أن المجلس "وافق على اقتراح وزارة المال في شأن الاستمرار بعقد وصرف ودفع الرواتب وملحقاتها وسائر النفقات الدائمة، التي تقضي المصلحة العامة باستمرارها، على أساس الاعتمادات الملحوظة في مشروع موازنة عام 2011، وبالتنسيق مع وزارة المال، بالرغم من تجاوزها تلك المرصودة في قانون موازنة عام 2005".
وقال باسيل إن صدور القرار بالصيغة الواردة أعلاه، ينطوي على تزوير موصوف، فجدول أعمال الجلسة المذكورة لم يتضمن أي بند بهذا المعنى، بل تضمن بنداً محدداً يتعلق بطلب المديرية العامة لأمن الدولة "الموافقة على استعمال اعتمادات بقيمة 790 مليون ليرة ملحوظة في مشروع موازنة عام 2011"، مشيراً إلى أن 4 وزراء اعترضوا على هذا البند (هم إلى باسيل، وزير العمل شربل نحاس، وزير الاتصالات نقولا صحناوي، ووزير الصناعة وريج صابونجيان)، وأن اعتراضاتهم استندت إلى الحرص على المال العام وتفادي تكرار مخالفات الحكومات السابقة التي أنفقت نحو 15 مليار دولار في الفترة بين عامي 2006 و2010 من دون أي إجازة من مجلس النواب.
ثم تحدث وزير العمل، فكرر الموقف الذي أعلنه في الجلسة السابقة، مطالباً بوضع حد نهائي للفوضى القائمة في مجالات إنفاق المال العام والتفلت من أي رقابة أو مساءلة عبر تكريس سبل للإنفاق لا تتوافق مع الأحكام الدستورية القانونية، لافتاً إلى أن الانتقادات الحادة لحكومتي الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري تركزت تحديداً على قيامهما بالإنفاق على أساس مشاريع موازنات غير مقرة، وبالتالي غير موجودة في الواقع القانوني، وهذا ما استدعى سابقاً تأليف لجنة تقصي الحقائق في إطار لجنة المال والموازنة النيابية لمساءلة المسؤولين في شأن هذه المخالفات الموصوفة.
وتطور النقاش في ضوء مداخلة لوزير الصحة علي حسن خليل، أعلن فيها أن مجلس النواب لن يقبل بأن يُنفق المال العام خارج رقابته الدستورية، وهو ما عده الوزراء بمثابة رسالة تنطوي على موقف حاسم من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اشترك سابقاً مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون في اتهام السنيورة بمخالفة الدستور عبر إنفاق نحو 11 مليار دولار (بين عامي 2006 و2009) وفق القاعدة الاثني عشرية.
وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد حاول لدى إثارة الموضوع، تفادي إعادة البحث في بند جرى إقراره، واستند إلى التوضيحات التي قدمها بوجي في شأن "تحوير القرار" عبر إعلانه بصيغة مختلفة عن الصيغة الواردة على جدول أعمال الجلسة السابقة، أي جعله عاماً ويشمل كل الإدارات، إذ قال بوجي إن العادة درجت في السابق على الاستناد إلى طلب وارد من إدارة محددة لتعميم الحل على كل الإدارات بعد إرفاق الطلب برأي صادر عن وزارة المال يتضمن الموافقة على هذا الحل، أي الإنفاق على أساس مشروع موازنة غير مصدّق عليها، على اعتبار أن جميع الإدارات تواجه مشكلة مماثلة في الإنفاق على أساس الاعتمادات الملحوظة في آخر قانون للموازنة العائد لسنة 2005.
إلا أن الوزراء المعترضين لم يقبلوا بهذه التوضيحات؛ لأن رأي وزارة المال لم يطرح للمناقشة على طاولة مجلس الوزراء، فانتهى النقاش إلى مخرج يقضي بعدم نشر القرار المعترض عليه في الجريدة الرسمية ضمن مهلة الـ15 يومياً المنصوص عليها قانوناً، على أن يعاد بحثه في جلسة مقبلة ضمن هذه المهلة، ريثما يجري إيجاد حلول بديلة للإنفاق تنسجم مع الدستور والقوانين، ولا سيما أن هناك اقتراحاً يمكن اعتماده برأي عدد من الوزراء، يقضي بأن تتقدم الحكومة من مجلس النواب بمشروع قانون استثنائي يجيز للحكومة فتح اعتمادات تتجاوز الاعتمادات المفتوحة في قانون موازنة عام 2005، وذلك بانتظار معالجة مشكلة حسابات الدولة المالية للسنوات السابقة والتصديق على قانون موازنة عام 2012.
ولم يقتصر الأمر عند بوجي، على توسيع بند الاعتماد، بل حاول في جلسة الاثنين الماضي أيضاً، تهريب تعيين العميد في الجيش غسان سالم رئيساً لجهاز أمن المطار، وهو أرثوذكسي من الكورة، إذ كشف مصدر وزاري لـ"الأخبار"، أن الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء، اقترب على هامش الجلسة، من وزير الدفاع فايز غصن، وقال له إن ثمة توافقاً على تعيين سالم رئيساً لجهاز أمن المطار، فوقّع غصن على المرسوم، وأكمل الجلسة. لكنه سرعان ما اكتشف أن ما قاله بوجي غير صحيح، إذ لم يكن ثمة توافق على اسم سالم، فما كان من غصن إلا أن سحب المرسوم من بوجي، ووضعه في جيبه، قبل أن يتلفه لاحقاً.
أما المعلومات الرسمية عن جلسة أمس، فلم تشر من قريب ولا من بعيد، إلى النقاشات الساخنة بشأن بند الاعتمادات وتعليقه، واكتفى وزير الإعلام وليد الداعوق بالقول إن رئيس الجمهورية ميشال سليمان افتتح الجلسة بكلمة وصف فيها انطلاقة الحكومة بأنها جيدة، وشدد على ضرورة الاهتمام بالشؤون المعيشية و"لا شيء يوقفنا عن ذلك، لأننا أصبحنا حكومة فاعلة"، وكذلك على مكافحة الغلاء، ومتابعة ملء الشواغر الإدارية "بسرعة ضمن آلية التعيينات المقررة سابقاً". ثم تحدث ميقاتي فأكد ما قاله سليمان.
وذكر الداعوق أبرز مقررات الجلسة، وفي طليعتها "الموافقة على إبرام مذكرة تفاهم بين وزارة الطاقة والمياه ووزارة البترول في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجالات التعاون، معلناً أن الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء ستعقد قبل ظهر الثاني من آب المقبل في قصر بعبدا، ما يعني أن لا جلسة طوال الأسبوع المقبل، وبالتالي فإن البند المعلق يجب أن يكون على جدول أعمال جلسة 2 آب، قبل انقضاء مهلة الـ15 يوماً.
وبذلك تكون الأيام التي تلي عيد الجيش في الأول من آب، على موعد مع ورشة حكومية ونيابية، إذ في اليومين التاليين لجلسة الحكومة، أي في 3 و4 آب ستعقد جلسة تشريعية دعا إليها الرئيس نبيه بري "لدرس مشاريع واقتراحات القوانين المدرجة على جدول الأعمال وإقرارها"، وذلك بعدما تسلمت الأمانة العامة لمجلس النواب، مرسوماً يقضي بفتح عقد استثنائي للمجلس بدأ يوم الاثنين الماضي ويختتم في 17 تشرين الأول المقبل، ويتضمن برنامج أعماله: مشاريع الموازنات العامة ومشاريع القوانين المحالة إلى البرلمان والتي ستحال إليه، سائر مشاريع القوانين والاقتراحات والنصوص التي يقرر مكتب المجلس طرحها على المجلس.
واستعداداً لهذه الورشة، استعجل بري إنجاز مشروع أو اقتراح قانون ترسيم الحدود البحرية لدرسه وإقراره في التشريعية المقبلة، وأكد في لقاء الأربعاء النيابي أن "لبنان مصمم على الدفاع عن حقوقه كاملة، ولن يفرط بذرة تراب واحدة ولا بقطرة ماء من مياهه ولا بأي شيء من ثروته النفطية". وقد أعلن النائب محمد قباني، بعد اللقاء، بدء عمل مشترك بين البرلمان والحكومة، لإنجاز هذا الأمر، عبر "جهد مكثف ومكثف جداً خلال الأيام المقبلة".
كذلك استعجل بري خلال اللقاء درس قانون الانتخابات النيابية وإقراره "وعدم تركه للحظة الأخيرة قبل الانتخابات". وتطرق إلى قانون الإيجارات، داعياً إلى أن تدفع الدولة ثمن حل هذه المسألة، لا أن يكون الحل على حساب المؤجر والمستأجر.

السابق
خير الدين : تصحيح الاجور غير مطروح حاليا ً
التالي
“الوطني الديموقراطي” استنكر التعدي على ال”ام.تي.في”