ميلاد سعيد

بتواضع شديد احتفل نلسون مانديلا بعيد ميلاده الثالث والتسعين. في قريته ووسط افراد اسرته. وبتواضع اشد تذكر العالم ذلك الزعيم التاريخي الذي يمثل احد الرموز العالمية المشرقة الموروثة من القرن العشرين. وكانت مشاركة العرب في ذلك الاحتفال، عبارة عن نص رسالة متخيلة كتبها الصحافي الموريتاني أحمد فال ولد الدين، وهي موجهة الى ثوار تونس ومصر وحدهم، من دون الاشارة الى الحركة الثورية الليبية، او الى اي ثورة مشابهة تشهدها بلدان اخرى في القارة الافريقية او في بقية انحاء العالم العربي.
التهاني بعيد الميلاد العائلي جاءت اولا من اطفال جنوب افريقيا الذين حررهم كفاح مانديلا الاسطوري ضد نظام الفصل العنصري، والذين افتتحوا يومهم الدراسي باغنية خاصة في المناسبة، ثم من زعماء البلد الذي استعاد بفضله هويته الوطنية وهو يمضي اليوم على طريق التحول الى نموذج افريقي وربما عالمي باهر، في تجربته السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتقدمة على بقية بلدان القارة السوداء… التي يواجه معظمها تحديات الانتقال من شريعة الغاب او من الانظمة الدكتاتورية او من الحرب الاهلية الى رحاب الاستقرار والازدهار.
كما وردت اتصالات وبرقيات تهنئة من زعماء دول غربية سبق أن كرّمت مانديلا وحيّت نضاله الطويل الذي خاض معظمه ضدها وضد وكلائها العنصريين البيض الذين حكموا جنوب افريقيا واستعبدوا شعبها طوال اكثر من قرنين من الزمن… لكنها سلمت في النهاية بالهزيمة وبعودة القرار الى اصحابه والارض الى ملاّكها الاصليين، ثم اضطرت الى الانحناء امام ماديبا او «العظيم المبجّل»، عندما رسّخ عظمته في تشكيل لجنة الحقيقة والمصالحة التي ضمنت انتقالا سلميا هادئا للسلطة السياسية والمبادرة الاجتماعية في جنوب افريقيا من الاقلية البيضاء الى الغالبية السوداء، اللتين تتعايشان اليوم في ظل نظام فريد، لم يسبق لأي دولة شهدت مثل هذا الصراع الاهلي الطويل أن توصلت اليه.
من ذلك التعايش جاءت فكرة الرسالة الموريتانية المتخيلة، التي تداولتها معظم الصحف العربية الصادرة في بلدان شمال افريقيا في الايام القليلة الماضية، (ونشرت السفير مقتطفات في عددها الصادر أمس)، والتي جرى التعامل معها باعتبارها حقيقية نظرا لدقتها وبراعتها في التعبير عما يمكن ان يجول في خاطر الزعيم الافريقي، لدى متابعته انباء الثورة التونسية والمصرية…علما بأنه منقطع عن العمل السياسي منذ اكثر من عامين نظرا لوضعه الصحي، وهو تحول منذ سنوات الى مزار يحج اليه الضيوف الاجانب لجنوب افريقيا من اجل مصافحته والتقاط الصور التذكارية معه.
في الرسالة يكتب مانديلا عن كيفية قيادته للعملية الانتقالية من ارث الظلم الى نظام العدل من دون أن يلطّخ وجه جنوب افريقيا بالمزيد من الدماء، وينصح بعدم لوم او عزل رجال النظام السابق في تونس ومصر، بل يوصي بتشجيعهم على الانخراط في الثورة حتى تحييدهم، لان المجتمع سيحاسبهم في النهاية « ولن ينتخب الا من ساهم في ميلاد حريته».
الرسالة مثيرة، لكنها لم تكن هدية مناسبة لزعيم مثل مانديلا، ولا للشعبين التونسي والمصري، او بقية الشعوب العربية التي تناضل ضد انظمة اسوأ من نظام الفصل العنصري… وهي انظمة لم تسقط بعد.

السابق
حبيش : إن معادلة الشعب والجيش والمقاومة هي نظرية فاشلة
التالي
الغزل السوري الإسرائيلي!