جاء زمن “الطاشناق”: الأرمن يحبون الدولة والخدمات

بينما كان الحليف «البرتقالي» يكرّ ويفرّ مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لـ«توطين» رجاله، وزراءً في الحكومة الميقاتية، اعتصم «الطاشناق» بالصمت، لانعدام الحاجة للكلام. لا خوف من «فيتوات» حول الأسماء التي سيقدّمها على «طبق التوزير»، وما سيرسم في برج حمود، المقرّ المركزي للحزب، سيصادق عليه في فردان، لتشهد عليه السراي الحكومي.

لم يطّلع الرأي العام على مكوّنات الذخيرة الطاشناقية، إلا لحظة تلا سهيل بوجي مراسيم ولادة حكومة ميقاتي، وإن كان الحزب قد حسم سلّة الترشيحات التي وضعت على طاولته قبل نحو عشرة أيام من نضوج الطبخة: الصناعي فريج صابونجيان لحقيبة الصناعة والعميد المتقاعد بانوس منجيان وزير دولة.
الحزب الذي نشأ تاريخياً في كنف السلطة اللبنانية، وفي حماها، تمتّع بدفئها، وبخيراتها وخدماتها، يضحك اليوم في سرّه، بعدما تحرر من «عقدة الشراكة القسرية» مع خصومه الأرمن على طاولة مجلس الوزراء. سيضطر هؤلاء للتعايش في تصحّر خدماتيّ، لا سيما وأنّ الشارع الأرمني يفضّل «ملح» الموالاة على «خبز» المعارضة، علماً بأن الطاشناق سبق له وكسر هذا العرف التقليدي وجرّب كأس المعارضة وطعمها المرّ.
وعلى الرغم منذ ذلك، لا تنفش قيادة «الطاشناق» ريشها، وتعرب عن ارتياحها لكلّ الحكومات التي شاركت فيها، حتى حكومة سعد الحريري، ولا تخفي خيبة أملها، من انعدام فرصة قيام حكومة وحدة وطنية موسعة، وإن كانت تعتبر أن تجربة الحكومة الحريرية الأخيرة لم تكن ناجحة، كونها فشلت في تنفيذ العنوان الذي حملته، بسبب الانقسام العمودي الذي شلّها. 
تقييم «الطاشناق» للحكومة، كما يقول الأمين العام هوفيك مخيتاريان، مماثل لتقييم حليفه ميشال عون. هي المرّة الأولى التي يُنصف فيها تمثيل الطوائف المسيحية، ولو أنه من الأفضل أن يكون شاملاً. الانتخابات النيابية المقبلة لن ترحمنا لا سيما وأنّ خصومنا يرصدون كلّ شاردة وواردة ، ولن يوفرّوا كلّ الأسلحة المتاحة للنيل من أهل السلطة. الغلط ممنوع واللعب بالوقت الضائع غير مسموح.
لا يعاني الحزب الأرمني، الأول بين «زملائه»، من أزمة «التناتش» على الجمهور. أرقام الانتخابات المتعاقبة، تشريعياً وبلدياً، تثبت أنه «يمون» على 90% من شارعه الأرمني، على الرغم من الحصار السياسي الذي فرض عليه، نيابياً ووزارياً، ولكنه تمكّن من تخطّي مطب المعارضة، للحفاظ على قواعده، التي ترتبط به لاعتبارات تتخطى الوجود في أحضان السلطة، بحسب قيادته.
يجزم الحزب بأنّ أداءه خاصة في التعيينات الادارية، لن يكون أبداً كيدياً مع الأحزاب الأرمنية الأخرى، حتى ضمن البيت الواحد هناك معايير لا يمكن التساهل فيها والنموذج هو التوزير.
«الطاشناق» فاضل بين أكثر من عشرة أسماء فلشت على طاولته الحزبية. وقع الاختيار على صابونجيان، ومنجيان لاعتبارات عدّة، أبرزها: شكل الحكومة شبه اللون الواحد، الحصص الحكومية، الوزارات التي أسندت إلى «تكتل التغيير «… وأهمها الحسابات الانتخابية.
الوزيران لا يحملان بطاقة حزبية. اختيار الصناعي للصناعة كان أصعب من اسقاط وزارة الدولة على شاغلها. ابراهام دده يان، أبدى عدم رغبته بالتجديد لأسباب خاصة. يكتفي بالمشاركة في اجتماعات كتلة النواب الأرمن، التي تضمّ إلى النواب والوزراء الحاليين، النواب والوزراء السابقين.
الفصل بين الوزارة والنيابة حاضر في الأداء الطاشناقي، وبالتالي ليس من الضروري أن يكون الرجلان مرشحي الحزب في الاستحقاق النيابي المنتظر. ولكن لانتمائهما المناطقي دليل على سعي الطاشناق المبكر لتعزيز أطر التواصل مع بقع جغرافية، تعيبها ثغرات وتسرّبات تذهب لصالح الخصوم. وزير الصناعة من العاصمة، سبق له أن خاض التجربة النيابية، في دائرة بيروت الاولى عن مقعد الأرمن الاورثوذكس. أما الثاني فهو ترعرع في مدينة عنجر، عاصمة الأرمن البقاعية، والتي قامت بكلّ واجبات الضيافة والحفاوة تكريماً للوزير الجديد يوم زيارتها.
في هذين المربّعين، يتسلل الصدأ إلى البلوك «الطاشناقي» الحديديّ، بعدما صُدمت القيادة بالنتائج التي فرزتها انتخابات العام 2009، ليس بفعل تقصير ماكينتها الانتخابية «الذهبية»، وإنما بفعل «التسونامي الاغترابي» الذي حطّ رحله على مدرج «الصناديق الاقتراعية». ولذا لا بدّ من رعاية وزارية مباشرة، وقائية، تحصن الدائرتين بالاحتياطات اللازمة. أما المتن، قلب الخريطة الأرمنية، فلا داعي لمسايرته وزارياً، طالما أن عين القيادة المركزية، ساهرة عليه.
الأحزاب الأرمنية الثلاثة، المتباعدة سياسياً، تجد دوماً مساحة مشتركة تسهّل عليها عملية التلاقي، ضمن اجتماعات دورية تعقد كل شهر، ويعود تاريخها إلى أكثر من خمس سنوات. نجحت هذه اللقاءات في التخفيف من حدّة التشنج، بدليل أن القوى الثلاث تلاقت تنسيقاً خلال الانتخابات البلدية الأخيرة، كما جرت خلال الانتخابات النيابية محاولة لتشكيل لوائح ائتلافية. ومنذ فترة كان الطاشناقيون في ضيافة الهنشاك، يشاركون في احتفال عيد الحزب. العلاقة صارت طبيعية، بمعنى، لا عداوة ولا تحالف.

السابق
حوار..؟!
التالي
بري دعا لجلسة عامة للمجلس النيابي العاشرة والنصف صباح يومي 3 و4 آب