الغزل السوري الإسرائيلي!

تأكيدا لما انفردت به صحيفة «الشرق الأوسط» الجمعة الماضية، فقد أعلن النظام السوري أول من أمس رسميا اعترافه بالدولة الفلسطينية، كإحدى آخر الدول العربية المعترفة، والدولة رقم 118 على المستوى الدولي. فلماذا اعترف النظام السوري بالدولة الفلسطينية الآن؟

مصدر رفيع يقول: الأسباب واضحة، فهذا غزل سوري إسرائيلي؛ فباعتراف دمشق بالدولة الفلسطينية اليوم تكون، أي دمشق، قد أقرت رسميا بحدود 1967، وبذلك أقرت بأن لإسرائيل الحق في باقي الأراضي المسيطرة عليها. وبالطبع، فإن هذا يعني أن اعتراض دمشق، ومنذ عقود، على اتفاقية كامب ديفيد التي عقدها الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع إسرائيل، وكلفت العرب الكثير من الخلافات العربية – العربية، وبسبب التحريض السوري، قد سقط الآن. فالنظام السوري، وتحت وطأة الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة، يفعل اليوم ما فعله صدام حسين يوم احتل الكويت؛ حيث أعطى صدام إيران كل ما حاربها من أجله طوال ثماني سنوات بجرة قلم. واليوم يبدو أن النظام في دمشق مستعد لفعل الأمر نفسه ليرسل رسائل جادة لإسرائيل!

مسؤول آخر، مطلع على ملف القضية الفلسطينية وسوريا، يرى أن الاعتراف السوري بالدولة الفلسطينية اليوم يعني أن نظام الأسد قد تنازل عن فكرة الوصاية على الشام، أي لبنان وفلسطين، خصوصا أن دمشق كانت تمنع لبنان أيضا من الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ومن الدلالات الأخرى للاعتراف السوري بالدولة الفلسطينية أن نظام الأسد قرر الوقوف مع مشروع محمود عباس، وهو الدولة الفلسطينية، وليس مع رؤية خالد مشعل زعيم حماس، كما أن ذلك يعني أيضا أن نظام الأسد قد تخلى عن فكرة تلازم المسارات في التفاوض، بين السوريين والفلسطينيين مع الإسرائيليين، وهو الأمر الذي قاتل من أجله النظام السوري مطولا، وحتى من خلال إفساد كل خطوة تفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وحتى بشق الصف الفلسطيني، وتعميق انقسامه في إطار معركة الاعتدال والممانعة التي خاضتها دمشق عربيا، والحقيقة أنها كانت معركة بين معسكر العروبة، ومحور إيران، أي سوريا وحزب الله، وحماس.

وهذا يوجب علينا التنبه إلى أن الاعتراف السوري بالدولة الفلسطينية يعني كذلك أن نظام دمشق قد تخلى عن حماسه المفرط لإسقاط مبادرة السلام العربية التي طرحها الملك عبد الله بن عبد العزيز عام 2002، حيث لم يترك مناسبة إلا وطالب بسحبها، وها هي دمشق تقبل بأهم ما فيها، وهي حدود 1967!

كل ما سبق يجب أن يؤخذ في سياق تصريحات ابن خالة الرئيس الأسد رامي مخلوف لصحيفة «نيويورك تايمز» في أول أيام الانتفاضة السورية، حيث قال وقتها أن لا استقرار في إسرائيل ما لم يكن هناك استقرار في سوريا، ناهيك عن تصريحات أخرى من مسؤولين سوريين مع بدء الانتفاضة السورية بأن دمشق جاهزة لعملية السلام.
وعليه، فإن النظام السوري باعترافه بالدولة الفلسطينية كان يغازل إسرائيل للقول: أنا جاهز للسلام. والهدف الرئيسي بالطبع هو البقاء في الحكم، رغم الانتفاضة السورية المستمرة طوال نحو 5 أشهر، ورغم كل الدماء والقمع بحق الشعب السوري!

السابق
ميلاد سعيد
التالي
حان وقت السؤال الصعب !