الحركـة فـي وسـط البلـد: مطاعـم ومقـاه بـلا سيـاح

اختلف المشهد المألوف عن صيف وسط بيروت، في العام الجاري. فقد غاب الوجوه العربية والآسيوية والأوروبية، لتتشكل أغلبية رواد المقاهي والمطاعم المنتشرة في محيط ساعة العبد، من اللبنانيين، من المقيمين منهم والمغتربين، وإن سجّل تواجد خجول لسائحين خليجيين وعراقيين وأردنيين، وقلة من الأوروبيين. ففي الأعوام السابقة، كان الكثيرون من اللبنانيين يقصدون وسط البلد بهدف التنزّه، لارتفاع كلفة خدمات الطعام والشراب والسهر فيه، ويتركون الطاولات شاغرة لسائح يحتمل التكاليف المرتفعة… وإن على مضض. لكن، في الموسم السياحي الحالي، تبدّلت تلك المعادلة ليشغل العدد الأكبر من الطاولات الموزعة في شارع المعرض، روادٌ لبنانيون، وقلة من السائحين، تاركين عدداً لافتاً من كراسي المطاعم والمقاهي شاغرة تماماً. وهي حال تنسحب على مختلف نواحي لبنان السياحية، التي تأثرت بانخفاض عدد السائحين في العام الجاري، بنسبة ملحوظة.
حميدية.. بيروت
من مستهل الشارع لجهة ساحة رياض الصلح، وصولاً إلى مطعم «بلاس دو لإتوال» في ساحة النجمة، يتوزع عدد من النادلين بين طاولات المطاعم على الجانبين، يكرر كل منهم عبارات: «تفضلوا»، «يا أهلا وسهلا»، «بتحبوا تقعدوا أستاذ».. جمل تترواح بين الترحيب والالحاح، هدفها اصطياد زبون قبل أن تقوده ساقاه باتجاه مقهى آخر. ويذكّر المشهد المذكور الكثيرين بأسواق سوريا، لا سيما سوق الحميدية، حيث ينادي النادل على زواره بشكل حثيث، حتى يرتادوا مطعمه.
ويبدو أن طريقة الجذب هذه، لا تؤدي إلى نتائجها المتوخاة في وسط بيروت، إذ عندما يُسأل يوسف، وهو نادل في أحد المطاعم، عن «حركة الرواد»، يبادر فوراً إلى الإجابة: «أي حركة؟»، لافتاً إلى انخفاض كبير وغير متوقع في عدد زوار وسط بيروت، «كنا في السنوات الماضية لا نجد لنا موطئ قدم لنقدم الوجبات.. أما هذا العام فكل شيء مختلف، بتنا نرجو الزبون أن يختار أي طاولة يريد، وبعد إصرارنا المتزايد، نجده يختار كوبا من العصير أو فنجانا من القهوة». ويقدّر «تراجع الحركة عن العام الماضي بنسبة ستين في المئة.. علماً بأن العام الماضي سجل حركة متراجعة على السنة التي سبقتها.. وهكذا كل سنة لورا.. لورا».
في المقابل، يقدّر أحمد، وهو نادل في أحد اكبر مقاهي المنطقة، أن نسبة الإشغال في الصيف الجاري لا تتجاوز «الثلاثين في المئة، وهي نسبة صادمة بالنسبة إلى هذه المنطقة». ويشرح الرجل أنه «خلال أيام الأسبوع، يزور المطعم عدد من الشبان الذي ينفثون دخان نراجيلهم طوال ساعات، من دون أن يتناولوا عشاء أو حتى فاكهة، ما يعتبر خسارة بالنسبة إلى المطعم. أما في ليالي الجمعة والسبت والأحد فتزداد حركة الرواد، ولكن لا تمكن مقارنتها بأي شكل من الأشكال بحركة السنوات السابقة».
من جهتها، تعتبر سلمى، وهي شابة لبنانية مغتربة تعيش مع عائلتها في فنزويلا، أن «الأسعار المرتفعة لخدمات المطاعم في وسط بيروت، هي التي تجعل الرواد يتجنبون تناول طعام العشاء فيها، ويفضلون تدخين النرجيلة وربما شرب بعض العصائر». وتؤكد أن «السائح واللبناني، المغترب أو المقيم، على حد سواء، باتوا يخشون من تكاليف باهظة تفرضها عليهم المطاعم بصيغة ما، وذلك مقابل ثمن صحن من الفاكهة، أو الخدمات، أو القيمة المضافة».
وهو ما ينفيه صاحب أحد المطاعم مؤكداً أنه «من الطبيعي أن تكون أسعار مطاعم منطقة بيروت أعلى كلفة من المطاعم من مناطق أخرى، وذلك لسبب بسيط يتمثل بارتفاع أسعار الايجارات، إنما هذا لا يعني أن نحمل الرواد تكاليف خيالية». ويشير الرجل إلى لائحة الأسعار المرفوعة فوق واجهة المطعم الرئيسية، مؤكداً أن «عدداً من المطاعم قاموا بتشويه سمعة هذه المنطقة، لزيادتهم الخيالية لأسعار الأطباق».
العد العكسي
تتجهّز إدارات المطاعم والمقاهي المنتشرة هنا، لموسم رمضاني تأمل أن يعود عليها بالكسب الماديّ المفتقد سياحياً. ينتظرون رواداً يؤمّون مطاعمهم مع موعد الافطار، ويطيلون البقاء ليلاً برفقة النراجيل، في سهرات تمتد حتى ساعات الفجر الأولى، تنتهي مع وجبة السحور. بالنسبة إليهم، يشكّل رمضان فرصة أخيرة للتعويض على الحركة الاقتصادية المتراجعة.. إلا أن تجربة العام الماضي أثبتت أن حلول رمضان في موسم الصيف، ينهي إجازة المصطافين سريعاً، إذ يفضلون العودة إلى ديارهم لقضاء الشهر بين عائلاتهم، ليعود قسم منهم في أيام العيد. لذلك، يبدو طلال، وهو مدير أحد المطاعم، متشائماً حين يقول ان فريق العمل «يتحضر لشهر قاس، سنشهد فيه انخفاضاً مريعاً في حركة الاقبال على المطاعم، وكل ما نتوقعه فعلا هو جمع من العائلات اللنبانية التي تزور وسط بيروت للتنزه». ويخشى طلال أن «المطعم الذي يديره، يعيش حالة عد عكسيّ بانتظار بداية شهر رمضان، إذ ربما تضطر الإدارة إلى تقليص عدد الموظفين، للتخفيف من التكاليف الباهظة التي يتكبدها المطعم من دون أن يسجل مدخولاً كافياً لسدادها». ويشرح طلال أن «الثورات العربية أثرت بشكل مباشر على الموسم السياحي في لبنان، لا سيما الأوضاع الأمنية في سوريا، إذ كان الكثير من المصطافين يزورون لبنان عبر البر، من الحدود السورية اللبنانية، وفي حال اختاروا زيارته عبر الجو، فإنهم على الأقل كانوا يشعرون بالراحة النفسية لوجود منفذ بري مفتوح، يلجأون إليه في حال طرأت أي مسألة أمنية – سياسية في لبنان. أما باضطراب الأوضاع في سوريا فإن السائح الذي يزور لبنان سيشعر بأنه محاصر ولا مفرّ!».
السابق
الأزمة الاأيديولوجية للرأسمالية الغربية
التالي
قندهار السورية!