لبنان والسياحة الارهابية

لا شك في أن قصة الدراجين الإستونيين السبعة انتهت على خير إذ لا يزالون جميعا على قيد الحياة ولم يتعرضوا للأذى، وهم الآن في أمان في ديارهم وسط أحبائهم.
لقد بات معروفاً أن السبعة وصلوا إلى سوريا، ثم عبروا الحدود البرية إلى لبنان في آذار الماضي حيث خطفوا على دراجاتهم في سهل البقاع وانقطعت أخبارهم طوال أربعة أشهر، قبل الإفراج عنهم هناك الأسبوع المنصرم. لم يتّضح أين احتُجِزوا طوال هذه المدة، إلا أن وزير الخارجية الأستوني قال إن شريط الفيديو الأول من أصل ثلاثة التي بثّها الخاطفون عن الإستونيين جرى تحميله شبكة الإنترنت في دمشق. وتكثر الشائعات عن دفع فدية للإفراج عن الرهائن، لكن أحدا لم يؤكد هذه الشائعات حتى الآن.

لكن الأمور ليست على ما يرام بالنسبة إلى الحقيقة والشفافية. فالحكومة اللبنانية كانت على موعد مع نهاية حزينة لأنها لم تملك ما تقوله إلا كلمات التهنئة لنظيرتها الإستونية وسلسلة من الكليشيهات المبتذلة مثل "لا تعليق، معلومات غير مؤكّدة، غياب الأدلة، من السابق لأوانه الجزم في المسألة" وهكذا دواليك. بصراحة تامة، يستطيع المرء أن يستشف مسار الأحداث الأساسي من طريق المنطق والمعلومات المتوافرة. فنحن نعرف عما جرى للإستونيين أكثر مما وفّرته لنا ضبابية الوزراء وحذر الحكومة في كشف ما جرى. لكن ما لم نعرفه ونريدهم أن يعلمونا به هو هوية الخاطفين والجهة التي وفرت لهم الحماية طوال هذا الوقت. هل كان دافع الخطف سياسيا أم كان مادياً وحسب؟

شاركت حكومات عدّة في المفاوضات التي أسفرت عن الإفراج عن الإستونيين السبعة، بيد أن واحدة على الأقل استقبلتهم في أراضيها ووفّرت حماية للخاطفين بصورة مباشرة أو غير مباشرة. أجل، لا بد أن تكون فدية قد دُفِعت لمجموعة أو تنظيم ما تحت العين الساهرة لحكومة واحدة على الأقل وبمباركة من حكومات عدة وتدخّل منها.

أجل، هذا مثير للشبهات، ويحملوننا على الاعتقاد أن "بعض الأشخاص اعتُقِلوا" في القضية وأن "ثمة تحقيقاً جارياً".

ما نريده من الحكومة اللبنانية، التي حصلت عملية الخطف ثم الإفراج عن المخطوفين في اراضيها، أن تكشف اسم البلد الذي استقبل الخاطفين وأن تحمّل سلطاته مسؤولية تسليم المجرمين الى العدالة. وعلى الحكومة اللبنانية أن تكشف أيضاً الجهة التي قادت عملية الخطف أو غطّتها، وتُقدِّم درساً يقطع الطريق على كل من تسوّل له نفسه تنفيذ عملية مماثلة في المستقبل. وإلا قد يتحوّل الخطف تجارة، كما في العراق عقب سقوط صدام حسين، أو خلال الحرب الأهلية في لبنان.

لقد صار المجرمون والإرهابيون مهرة في استخدام التكنولوجيا، فهم يصوّرون ضحاياهم ويحمّلون أشرطة الفيديو على الإنترنت. وهكذا في السنين العشر الاخيرة، غالباً ما كان الفارق بين نهاية سعيدة وأخرى حزينة في عمليات الخطف يتمثّل في شريط صوتي أو في صورة أو في كليهما معاً. ففي النهايات الحزينة، نسمع أنين الألم والموت بعد قطع رأس الضحية أو بتر أعضائها أو أي من الممارسات الوحشية الأخرى التي أتقنها المجرمون على مر السنين. أما في النهايات السعيدة، فتعلو الهتافات وترتسم الابتسامات على الوجوه وتُلتقَط الصور عن الشرفات أو المنابر. تفصل حقيقة مشوَّشة بين نهاية سعيدة وأخرى حزينة.

هناك دخان كثيف بيننا وبين الحقيقة، إنه واضح للجميع بيد أن المسؤولين يتجاهلونه بوقاحة وغطرسة.

إذا لم يتوخَّ لبنان الحذر، فقد يتحوّل أرضاً خصبة لهذا النوع من السياحة الإرهابية. يجب أن يدرك الرئيس نجيب ميقاتي أنه أمام امتحان ليُظهر للعالم طبيعة الحكومة التي يديرها. فهل يسمح للبنان بأن يصير معقلاً خارجاً على القانون يؤوي الإرهاب الإقليمي والصفقات التي تُمرَّر تحت الطاولة، أم أن حكومته متنبِّهة لكل المخاطر وتستطيع حماية مواطنيها وملايين السيّاح الذين يرغبون في زيارة هذا البلد الجميل والاستمتاع بما يختزنه لكنهم يخشون أن يُستهدَفوا وأن تصير حياتهم رهناً بمن هو مستعدّ للدفع، وبالمبلغ الذي يجب دفعه والجهة التي تطالب بالمال؟

السابق
آبادي:الخطط الاميركية – الاسرائيلية في المنطقة الى تراجع
التالي
الهبر: واجب الحكومة قبل طاولة الحوار يقوم على تسليم سلاح حزب الله للجيش و ترسيم الحدود