القوانين العنصرية تترجم سعي اليمين المتطرف لبناء إسرائيل الجديدة على شاكلته

يعجب كل متابع للنقاشات التي دارت في وسائل الإعلام الإسرائيلية حول القوانين العنصرية ـ المستترة والصريحة منها – التي باتت تسن في الكنيست بشكل منتظم، لحجم التشابه بين ما يجري اليوم وما جرى في ألمانيا وإيطاليا قبل الحرب العالمية الثانية. فبوسائل ديموقراطية يجري دفع إسرائيل إلى التخلي حتى عن شكليتها الديموقراطية. وأكبر دليل على ذلك واقع أن القوانين تسن من دون أن يحاول المعارضون في الحلبة السياسية الوقوف ضدها. فقد ترك أمر مجابهتها فقط لمثقفين يساريين في مجالي الإعلام والفكر. أما الباقون، في السياسة، ففي الغالب التزموا الصمت.
لقد فضح بنيامين نتنياهو جانبا من اللعبة بتركيزه على أن قانون المقاطعة، وهو الأخير في سلسة القوانين المقرة، كان بترتيب بين أعضاء كنيست في الليكود وكديما. بل ان رئيسة كتلة كديما في الكنيست، داليا ايتسيك، وهي بالمناسبة من «يساريي حزب العمل» سابقا كانت أحد المبادرين لتقديمه بصيغة أشد من تلك التي أقرت. وفضح صحافيون دور اليسار السياسي الإسرائيلي في تمرير القانون بتغيبهم عن التصويت وإفساح المجال لليمين لتحقيق انتصار سهل.
ومن الجائز أنه لم يكن بوسع المعارضة الحالية في إسرائيل منع إقرار هذا القانون وأمثاله في ظل امتلاك اليمين لأغلبية واضحة في الكنيست. لكن لا يقل أهمية عن ذلك أن هذه المعارضة ليس فقط لم تبذل جهدا كافيا بل انها سهلت تمرير القانون. وهذا يدفع إلى الاعتقاد أن كثيرا من المفاهيم تختلط في إسرائيل. فزعيمة المعارضة الحالية، تسيبي ليفني هي أول من اشترط مثلا اعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة إسرائيل كنوع من التعجيز أمام الفلسطينيين قبل أن يتبنى نتنياهو هذا الشرط.
وبعودة إلى الماضي فإن الصهيونية في جوهرها عنصرية حتى وإن أفلحت في نزع هذه الصفة عنها في الأمم المتحدة بإرادة دولية. وتجلت عنصريتها أساسا في اعتبارها فلسطين أرضا من دون شعب ثم في طرد هذا الشعب وأخيرا في قوننة استلاب هوية وأرض ما تبقى من هذا الشعب في وطنه. ولهذا لم يخطئ أحد وهو يشير إلى الازدواجية في التعاطي الإسرائيلي مع الفلسطيني في مناطق الـ 48 بوصفه مواطنا وعدوا في الوقت نفسه. ومن المؤكد أن جانبا من تعامل الإسرائيلي هذا نبع من اعتبارات واقعية حينا وقانونية حينا آخر. فقد اشترطت الأمم المتحدة في قرار الاعتراف بإسرائيل أن تحفظ للفلسطينيين الباقين ضمن أراضيها كامل حقوقهم وأن لا تميز ضدهم.
لكن إسرائيل حتى تحت حكم اليسار العمالي ظلت تتعامل مع مواطنيها العرب بوصفهم أعداء. وليس أدل على ذلك أن الفلسطينيين في مناطق الـ 48 ظلوا يخضعون للحكم العسكري أكثر من 18 عاما. وأنه حتى بعد إزالة هذا الحكم أبقيت مناطقهم خاضعة لنظام خاص تضعه أجهزة الأمن الإسرائيلية.
وطوال الوقت كانت العنصرية تمارس بشتى أشكالها ضد العرب لكن بطريقة تترك للشك مكانا. غير أن ذلك لم يمنع الجهاز الحزبي والسياسي والأمني والتعليمي من التعامل مع العرب بطريقة دونية. وبلغ الأمر حتى بقادمين جدد من روسيا وأميركا وكل أرجاء الأرض لاعتبار «ابن البلد» غريبا ينبغي عليه تقديم الشكر لمن سمح له بالبقاء ومنحه الفرصة للعيش.
ويشكل هذا المنطلق أساس النظرة العنصرية الراهنة لدى الفاشيين الجدد. فقوة إسرائيل الراهنة لم تعد تترك مجالا للحذر لا من الرأي العام العالمي ولا حتى من القوى العربية المحيطة. وهذا ما يؤمن به أنصار اليمين عموما بوجهه المسمى وسطا وبوجهه اليميني المعتدل والمتطرف على حد سواء.
لقد أقر الكنيست مؤخرا قانونا يسمح لمن يتضرر من الدعوة لمقاطعة بضائع مستوطنات أو مؤسسات أكاديمية للادعاء مدنيا على الداعي أمام المحاكم. ويناقش الكنيست حاليا مجموعة قوانين أخرى بينها مشروع قانون يحذر انتقاد الدولة أو الجيش أو يتعامل مع منظمات حقوقية دولية في غير مصلحة إسرائيل.
لقد بدأ مفكرون وإعلاميون في إسرائيل ينتبهون إلى أن تراكم هذه القوانين ووجهتها لا يحملان إلا معنى واحدا ـ وهو تصفية الديموقراطية ـ ليس فقط في غير مصلحة العرب، التي كانت مشروطة لهم، وإنما أيضا في غير مصلحة اليهود. فالفاشية تبدأ من خلق التماثل بين مصلحة حكومة أو حزب أو جهة أو شريحة اجتماعية والمصلحة العامة. حينها يغدو كل تناقض مع مصلحة تلك الجهة تناقضا مع مصلحة الوطن. والفاشية تعني تكميم أفواه الأقلية وفرض العقوبات عليها إذا صرخت لألمها أو إذا طالبت بإزالة الضيم عنها.
لقد اعتبر يوسي فيرتر أن الحكومة الفعلية اليوم في إسرائيل هي مجلس المستوطنين في الضفة الغربية. وهو مجلس يجمع في صفوفه التطرفين القومي والديني ويعتبر نفسه مالكا لقوة إسرائيل الكاملة. وإذا كان بوسعه أن يدير أحزابا مثل الليكود وإسرائيل بيتنا والمفدال فبمقدوره إدارة حكومة ولو من طرف خفي. هناك من يعتبر أن مشكلة اليمين تكمن في واقع أنه الآن، للمرة الأولى منذ العام 1977، يريد أن يحكم على طريقته وليس أن يستند للمؤسسات التي كانت الصهيونية العمالية قد أنشأتها.
باختصار، إسرائيل الجديدة الأشد تدينا وقومية تريد بناء مؤسساتها على أسس أكثر فاشية من ذي قبل وأكثر عنصرية. وهي تشعر بأنه إذا كانت قد نجحت حتى الآن في دفع العالمين القريب والبعيد لتقبل ما فعلته إسرائيل القديمة فلماذا ستعجز عن تكرار تقبل ما تفعله إسرائيل الجديدة؟ المسألة لم تعد خطوط حمراء. إسرائيل صارت ترفع الراية السوداء، وبعد قليل ستضع عليها الجمجمتين.
السابق
الديموقراطية الإسرائيلية في خطر
التالي
فضل الله: المحكمة الدولية صارت وراء ظهرنا