أميركا تلاحق اللبنانيّين في أفريقيا: أنغولا «ترحّل» شركة تاج الدين

بطلب أميركي، جمّدت أنغولا الأنشطة الاقتصادية لعائلة تاج الدين اللبنانية، بعد أقل من عامين على إدراج اسم أحد أفرادها على لائحة الإرهاب الأميركية، وبعد أشهر على أزمة البنك اللبناني ــ الكندي. فهل خرج عدوان الموساد و«الأف بي آي» السري ضد الجنوبيين إلى العلن؟

 

نجحت المحاولات الإسرائيلية والأميركية مع حكومة دولة أنغولا الأفريقية في تجميد أنشطة آل تاج الدين الاقتصادية على اختلافها، وحظر تعاملاتهم وتصفيتها. القرار ليس هيّناً، بل بحجم دول لأن هذه العائلة تدير إحدى أكبر الكتل المالية اللبنانية في أفريقيا والعالم. فما هو الدافع الكبير للقرار الأنغولي؟
بحسب مصدر قريب من آل تاج الدين، فإن القرار الأنغولي جاء تلبية لطلب من الولايات المتحدة بذريعة أن أفراد العائلة «يدعمون الإرهاب». إلا أن تلك الخطوة لم تكن مفاجئة، بل سبقتها خطوات تمهيدية أخرى قادتها أميركا على أراضيها وفي العالم. فوزارة الخزانة الأميركية كانت قد أدرجت في شهر أيار من عام 2009، اسم أحد أبناء العائلة، رجل الأعمال قاسم تاج الدين، على لائحة «الأمر التنفيذي» الذي يستهدف «الإرهابيين» ومن يقدمون الدعم المالي أو المادي «للمنظمات الإرهابية». وفي شهر كانون الأول من عام 2010، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على عدد من الشركات الناشطة في أفريقيا بسبب التهمة ذاتها. وأبرز تلك الشركات كانت مجموعة «تاجكو» الغامبية التي تملكها العائلة، الى جانب شركات أنغولية مرتبطة بها. قاسم الذي يحمل الجنسية السيراليونية، كان قد اعتقل في بلجيكا مع زوجته على خلفية القرار الأميركي. وقبل ذلك، كان قد خضع للمحاكمة استناداً الى القانون الدولي الذي ينص على «تجميد أرصدة أي إرهابيين مزعومين ومن يدعمهم». كذلك ورد اسم تاج الدين في القرار الأميركي الذي أدى إلى تصفية البنك اللبناني ـــــ الكندي قبل أشهر.
المعني بهذا الإرهاب المزعوم هو حزب الله، برغم أن العائلة كانت قد هاجرت من مسقط رأسها في حناويه (قضاء صور) الى أفريقيا في ثمانينيات القرن الماضي، مثلها مثل سائر الجنوبيين الذين اغتربوا بدافع الفقر المدقع، من دون الانتماء إلى أي جهة حزبية. وبجهدهم الخاص، بدأوا من الصفر وتنقلوا في قطاعات تجارية مختلفة، حتى تطورت مصالحهم وباتوا يمثّلون عصب الاقتصاد الأنغولي ويقبضون على قطاعات المقاولات والبنى التحتية والمواد الغذائية وبعض الزراعات والاتصالات. ووصل حجم وجودهم في هذه القطاعات إلى حد مشاركتهم مع عائلة الرئيس الأنغولي في مؤسسات عدة.
ما التأثير الاقتصادي على الجنوبيين؟
حتى الآن، لبّت أنغولا الطلب الاميركي على نحو جزئي. فأمرت «تاجكو» بفض تعاملاتها وتصريف أعمالها. إلا أنها لم تمنع أفر
اد العائلة من الدخول إليها والخروج منها كأشخاص عاديين. وبحكم العلاقات المتينة التي كانت تربط آل تاج الدين بالنظام الحاكم، توصلوا الى تسوية مفادها بأن تشتري الحكومة الشركات والمصانع الكبرى، على أن تبقي الحال على ما هي عليه لناحية عدم صرف أي موظف لبناني بعد انتقال الإدارة. وعليه، يشير مقربون من «تاجكو» الى أن هذا البند سيجنب مئات العائلات الجنوبية أزمة اقتصادية ستعانيها فيما لو صرف أبناؤها الموظفون في شركات تاج الدين، والذين يعدّون بالمئات ويؤمنون استقراراً مالياً جيداً لعائلاتهم. إلا أن هؤلاء لا يضمنون تمسك الحكومة الأنغولية بذلك البند لوقت طويل، بعد سيطرة الأنغوليين على تلك الشركات والمصالح و«أفرقتها». لذا، يحبس الجنوبيون أنفاسهم خشية تكرار مشهد العودة القسرية من الإمارات العربية المتحدة ومن ساحل العاج والبحرين أخيراً، مع ما يستدعيه من أزمات اقتصادية واجتماعية كبيرة.
من هنا، أكد مقربون من العائلة أن قاسم تاج الدين موجود مع عدد من أشقائه حالياً في أنغولا، في محاولة لتسوية الأمور، أملاً بالتراجع عن القرار. وأشار هؤلاء الى أن المصالح المشتركة والقيمة الاقتصادية لتاجكو في البلاد تجعل موقف الحكومة الأنغولية صعباً، لكونها محرجة بين تنفيذ الأمر الأميركي من جهة، ومراعاتها لمصالحها معهم من جهة أخرى. لكن الموقف برمته، يطرح تساؤلات عن حجم الضغوط الأميركية الممارسة على الرئيس الأنغولي لاتخاذ مثل هذا القرار.
الحدث الاخير كان ذروة الهجمة على تاج الدين التي ساهمت فيها أطراف سياسية لبنانية. وكانت أحداث عدة قد جعلت من أنشطتها مثار جدل. فقد استفاض النائب وليد جنبلاط ما بعد عام 2005 في التحريض على علي تاج الدين، شقيق قاسم تاج الدين، بذريعة «شرائه أراضي شاسعة في جبل لبنان لحساب النظام الإيراني وحزب الله». ثم جاءت حادثة الطائرة الإثيوبية لتسلط الأضواء أكثر عليهم. فالشقيق الأكبر لقاسم، هو حسن الذي أسس لأعمال العائلة في أنغولا، كان من بين الضحايا. من هنا، نسج الكثير من الشائعات عن فرضية تفجير إحدى البوارج الإسرائيلية الطائرة لاسلكياً بعد زرع العبوة بداخلها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وذلك كله، بهدف التخلص من حسن وعدد من رجال الأعمال الجنوبيين الكبار في أفريقيا. لكن هذه الشائعات لم تكن سوى من نسج خيال البعض.
وأكدت مصادر معنية بشؤون الاغتراب اللبناني لـ«الأخبار» أن جزءاً لا بأس به من الضغوط التي يتعرض لها رجال أعمال لبنانيون في أفريقيا ودول الخليج العربي مبنية على معلومات تُصدِرها جهات لبنانية، وترسلها إلى أجهزة استخبارات الدول التي يعمل فيها اللبنانيون. وعادة ما تتضمن هذه المعلومات «أكاذيب بشأن صلات مزعومة لرجال الأعمال هؤلاء بحزب الله».
وذكرت مصادر في وزارة الخارجية اللبنانية لـ«الأخبار» أن السلطات اللبنانية اطلعت على ملف «تاجكو»، وبذلت جهداً كبيراً مع السلطات الأنغولية، لمحاولة حل المشكلة، إلا أنها لم تتمكن من التوصل إلى أي حل.
التمكن من «تاجكو» يشرّع نوافذ القلق من قدرة العدوان الأميركي ـــــ الإسرائيلي على الجنوبيين في بلاد الاغتراب. والشواهد متعددة، ولا سيما في ظل ما ينقل عن حملات تقودها السفارات الأميركية والإسرائيلية في دول غرب أفريقيا تحديداً، لضرب نفوذهم ومصالحهم. ومن مسوغات تلك الحملات، الترويج بأنهم يشكلون خلايا تابعة لحزب الله، هدفها ضرب أهداف غربية في تلك الدول. فيما جرى الترويج بعد تفجيرات 11 أيلول بأن بعض اللبنانيين مرتبطون بتنظيم القاعدة.
ويوماً بعد يوم، يتكشف صدق النيات التي كشف عنها ستيوارت ليفي، مساعد وزير الخزانة لمكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية، عند إدراج اسم قاسم تاج الدين على اللائحة السوداء. الرجل الذي زار لبنان حينها، علق على القرار بـ«أننا سنواصل اتخاذ خطوات لحماية النظام المالي من التهديد الذي يمثله حزب الله ومن يدعمه».
وكان مكتب التحقيق الفيدرالي الأميركي «أف بي آي» قد وضع يده على تحويلات مالية عائدة لرجال أعمال جنوبيين لهم أنشطة تجارية بين أميركا وأفريقيا. واستحدث الجهاز آلية للتحقيق بمصادر كل التحويلات المالية المتوجهة نحو لبنان «خوفاً من أن تكون مندرجة ضمن عمليات التبييض أو الغسل». وكان عدد منهم قد رفعوا دعاوى قضائية على الجهاز أمام القضاء الأميركي بسبب العطل والضرر الذي تكبدوه بعد مصادرة أموالهم واتهامهم بالتبييض والحجز على بضائعهم، ولا سيما السيارات في المرافئ. ومنذ ذلك الحين، لفت هؤلاء الى أن هناك تعميماً جديداً على المصارف في لبنان وأميركا لتبيان مصادر الأموال المحوّلة لتجار السيارات الذين يطلب إليهم إبراز فواتير تظهر مصدرها. حتى إن أقارب المغتربين في أفريقيا الذين يتلقون تحويلات منهم عبر فروع مكاتب تحويل الأموال الأميركية، تحدثوا عن نوع من التحقيق الشخصي الذي يخضعون له قبل تسليمهم المبلغ. ويتضمن بيانات مفصلة عن مصدر الأموال والمرسل والمرسل إليه ومهنتهما وأحوالهما الشخصية ووضعهما الاجتماعي وعدد الأولاد والمدارس التي يتعلمون فيها.
وكانت «الأخبار» قد ذكرت في عددها الرقم 1370 أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي «أف بي آي» يلاحق رجال الأعمال اللبنانيين في دول أميركا وأفريقيا ويضيّق على أنشطتهم المالية والتجارية. وللغاية، تستخدم الإدارة الأميركية والسلطات الإسرائيلية (بينها جهاز الاستخبارات الخارجية ـــــ الموساد) نفوذهما للضغط على حكومات تلك الدول، لشد الخناق على المغتربين الجنوبيين خصوصاً، الذين لديهم مصالح اقتصادية هائلة وعلاقات متينة فيها. وكل ذلك، بهدف «حجب التمويل الذي يحوّله هؤلاء لحزب الله ولسحب البساط من تحت اللبنانيين لمصلحة رجال الأعمال الإسرائيليين الذين يزاحمونهم على ثروات تلك البلاد».

السابق
أبو عصام تركية: حكيم الثعلبية الذي لن يكشف سرّه لشركات الأدوية
التالي
سعر أونصة الذهب يصل لأول مرة في التاريخ الى 1600 دولار