الصراع السياسي والمصالح يتداخلان مع حسابات المواجهة

ارسلت اسرائيل الاربعاء الماضي الى الامم المتحدة وثائق تحديدها للحدود البحرية والمنطقة التي  تعتبرها من ضمن حقوقها وسيادتها على نحو يتعارض الى درجة كبيرة مع الخط الذي حدده لبنان بحيث يبدو الخلاف في موضوع الحدود البحرية امرا لا مفر منه. الا ان المشكلة وفق ما ظهر الاسبوع الماضي في اول تحد يواجه الحكومة الجديدة بروز الجانب الخلافي الخارجي  مع اسرائيل في ضوء المواقف التي اعلنها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مع بروز جانب اخر يتصل بالصراع الداخلي  بين الافرقاء السياسيين. وهذا التحدي  الذي واجه الحكومة في اول اجتماعاتها وبرز الانقسام اللبناني حوله كما حول الحكومة قويا وعموديا، شكل مفارقة من حيث ان الحكومة حظيت ويمكن ان تحظى بدعم من قوى المعارضة مع بروز موضوع الحدود البحرية على طاولة مجلس الوزراء الاسرائيلي يوم الاحد الماضي في 11 تموز الجاري وزعم  نتنياهو "ان الحدود التي رسمها لبنان لمنطقته الحصرية وعرضها على الامم المتحدة تتعدى على منطقة اسرائيل وتناقض الاتفاق الذي وقعه مع قبرص عام 2007". لكن بدا ان الحكومة لم تلتقط هذا الدعم الذي كان ابرز من عبر عنه رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" سمير جعجع  في حين اطلقت مواقف من اركان في الحكومة ووزراء وشخصيات سياسية لا تخلو من المزايدات الى حد انها بدت  تدرج ما حصل حتى الان حول موضوع الحدود البحرية اللبنانية من ضمن الصراع الداخلي بين قوى 8 آذار و14 اذار في ظل محاولة غير خافية تتجه نحو تحميل الحكومتين السابقتين اي حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وحكومة الرئيس سعد الحريري، المسؤولية عن خلل في هذا الملف.
فهناك حساسيات ومصالح كبيرة في هذا الملف بدأت تظهر معالم مؤشرات الصفقات المحتملة فيها في الصالونات السياسية وعلى نحو سابق لحسم ترسيم الحدود البحرية للبنان. وهناك شقان مهمان احدهما  سياسي، وهو موقف واحد للبنان، من دون مزايدات تساهم فيها التصريحات اليومية من هذا الجانب او ذاك في مواجهة ملف تُحسن اسرائيل اعداده وتتهيأ لحسن توظيفه، والاخر تقني يتصل بقدرة لبنان على اعداد ملفه على نحو جيد يسمح له بالمحافظة على حقوقه الى اقصى قدر ممكن.
فما اتفق عليه حول هذا الملف في السابق كان نتيجة اعداد لجنة شاركت فيها الوزارات المعنية، اي الخارجية النقل والطاقة. وفي الحكومتين السابقتين كان الوزراء تباعا من قوى 8 اذار مع فارق بسيط هو شغل الوزير غازي العريضي وزارة الاشغال في الحكومة السابقة التي كانت قبل في عهدة الوزير محمد الصفدي الذي كان مسؤولا عن الاتفاق الذي وُقِّع مع قبرص. في حين ان وزارة الطاقة شغلها وزير لـ"حزب الله" ثم وزراء "التيار الوطني الحر". ولذلك ترى مصادر سياسية ان ما يجري على هذا الصعيد هومحاولة وزراء تكبير الازمة وتحميل الحكومات السابقة او قوى 14 اذار اياها من اجل الاستثمار السياسي. وتاليا فان المسؤولية عن خلل ما متى وجدت تعد مشتركة ما لم يكن هناك محاولة لرمي الكرة على الاخرين على قاعدة يبدو ان وزراء في الحكومة يعملون على اساسها اي تحميل الحكومات السابقة تركة ايِّ عجز في ادارة الامور،  في حين ان احدا من الافرقاء السياسيين لم يثر الموضوع على طاولة مجلس الوزراء ابان حكومة الوحدة الوطنية السابقة. وفي هذا الاطار فان هناك خيطا رفيعا بين دعم اللبنانيين جميعا، بما فيهم المعارضة، الحق اللبناني في مواجهة اسرائيل وما يجري الاعداد له من صفقات ومصالح  بما يجعل  الحكومة على المحك، اي ادارة صراع او خلاف مع الخارج بدعم او اجماع وطني او الذهاب الى هذه المواجهة في ظل انقسام داخلي.
في الشق المتعلق بالنزاع الحدودي، هناك وجهات نظر تبسيطية للموضوع واخرى اكثر تعقيدا يقول معنيون انها تقدَّم على انها كذلك من اجل تكبير الانتصارات لاحقا. اذ رسم  لبنان حدوده البحرية وارسلها الى الامم المتحدة وفقا لمبادئ قانون البحار على اساس انه خط مبدئي يمكن ان يخضع للتعديل لاعتبارات عدة وقد استخدمت الحكومة اللبنانية اقصى ما يمكن في تفسير هذه المبادئ فضلا عن انها وقعت اتفاقا مع قبرص ترك عمدا وفق ما يقول مسؤولون نحو عشرة اميال يتشارك فيها لبنان مع قبرص واسرائيل لكن من دون ان يلحظ ذلك امام القبارصة  علما ان البرلمان اللبناني لم يقر الاتفاق مع قبرص الذي وقع عام 2007 لاسباب تتعلق بتركيا كما يقال. لكن يقول مسؤولون اخرون ان الاتفاق مع قبرص لحظ انه اتفاق مبدئي قابل للمراجعة. وفي حين  بدا ان المواقف الاسرائيلية  الاخيرة ايقظت فجأة المخاوف اللبنانية  فان الاتفاق بين اسرائيل وقبرص وقع عام 2010 ودخل حيز التنفيذ في 25 شباط 2011 في حين كان لبنان منشغلا بالصراع السياسي على السلطة ومحاولة تصفية حسابات داخلية فغاب عنه الاهتمام في الاشهر الستة الماضية بما كان يحصل على الصعيد الاسرائيلي القبرصي مما يضعه امام تحد بالغ الاهمية في ما يتعلق بمراجعة الاتفاق المعقود مع قبرص ومحاولة سد الثغر التي ظهرت فيه. علما ان لبنان الرسمي شارك عبر ممثلين له في اجتماعات خاصة عقدت في جنيف مع خبراء لمتابعة هذا الموضوع  من المرجح ان يعودوا مجددا الى لبنان الاسبوع المقبل لتقديم المساعدة بحيث لا يمكن ان يكون لبنان قد فوجئ بما يحصل على هذا الصعيد ما لم يكن موهوما بتصرف مختلف  من جانب اسرائيل.  والمشكلة على هذا المستوى ان اسرائيل استفادت من هذه الثغرة من اجل ترسيم حدودها والاتفاق مع قبرص معتبرة ان ما اعتبره لبنان موقتا هو نهائي مما يعني تقاسم " المنطقة الاقتصادية الخالصة " اي المياه الدولية المشتركة بين لبنان وقبرص واسرائيل انطلاقا من نقطة ثلاثية محددة بين الدولتين الاخيرتين. ومن دون الاغراق في تفاصيل تقنية كثيرة، فان لبنان امام نزاع حدودي يزيد من تعقيداته ان اسرائيل لم توقع معاهدة قانون البحار مما يصعد الضغط اللبناني عليها وهي تريد استدراج لبنان الى التفاوض معها في حين لا يمكن اللجوء الى الامم المتحدة من دون موافقتها علما ان مصادر معنية تقول ان الولايات المتحدة توافق لبنان وتعتبر ان اسرائيل تبالغ في تحديد حدودها البحرية.
وتاليا يبرز السؤال: ايهما  الابرز، الصراع الداخلي ام الصراع الخارجي في هذا التحدي؟

 

السابق
أسارتا: دعم حكومة لبنان مهم جدا لنجاح مهمتنا
التالي
حزب الله – حزب المستقبل: علاقة ما زالت ممكنة