لماذا فشلت الفزاعة الأميركية؟

 رحلة السفيرين الأميركي والفرنسي إلى مدينة حماه المتمردة على النظام صارت فصلا مهما في الدراما السياسية السورية. الحكومة اعتقدت أنها الفرصة المناسبة لضبط المعارضة بالجرم المشهود، ففتحت الطريق لموكب السفيرين رغم كثرة الحواجز العسكرية من العاصمة حتى حماه.
وانطلقت بعدها وسائل الإعلام الرسمية تعلن أن السفير الأميركي فورد ذهب ليعطي التعليمات ويشرف على نشاط المؤامرة. لكن المتظاهرين لم يبالوا كثيرا، واستقبلوا زوارهم الدبلوماسيين الغربيين لأول مرة بالورود وأغصان الزيتون وليس بالأحجار وحرق الأعلام. يعلمون أن النظام في دمشق يخاف من التدخل الدولي، على غرار ليبيا، لأنه سينزع الشرعية عن النظام ويعطيها للمحتجين. وسيأتي بقوة أكبر من قوة النظام وشبيحته، وقادر على كسر شوكة الحكم وربما إسقاطه. ومن أجل وصم ملايين المحتجين السوريين بالعمالة للغرب صارت حكاية زيارة السفيرين والعلاقة المشبوهة مع الغرب هي محور استراتيجية الدعاية الرسمية. لم تجد أذنا صاغية، لم يحتج أحد في سوريا أو العالم العربي، لم تحرق أعلام أو صور، وفشلت وسيلة التخوين وفزاعة أميركا. بل النتيجة الشعبية عكسية؛ استنكار مستمر، لماذا لم يتدخل الغرب بعد؟
وسبقتها محاولة حكومة معمر القذافي التي سعت لإقناع عموم الشعب الليبي والعربي بأنها تتعرض لهجمة صليبية تريد الاستيلاء على النفط، واستعمار ليبيا، وعندما لم تجد استنكارا من أحد لجأت أخيرا للزعم بأن قوات التحالف تقوم أيضا بعمليات تنصير مسلمي ليبيا، وحتى هذه لم يصغ إليها أحد. النتيجة أن الشعب يطلب من قوات التحالف زيادة القصف وليس وقفه!
كما أن الرئيس اليمني، المحاصر هو الآخر بربيع الاحتجاجات، سبق أن ردد في خطبه بأن هناك مؤامرة أميركية بإقصائه من الحكم، طبعا لم يصدقه أحد، بل استمرت المعارضة تلتقي السفير الأميركي في بيته ضمن نشاطها في البحث عن مخرج سلمي.
هناك الكثير من الصور المغروسة في الذهن لتخويف سكان الشرق الأوسط، «القاعدة» وإسرائيل والغرب. ولأنها نجحت في الماضي لا يعني اليوم أنها تصلح للتخويف أو حشد الرأي العام، وخلال الأشهر الخمسة الماضية فشل تخويف الناس بالحديث عن مؤامرة لكسر المقاومة أو بناء نظام عالمي جديد أو تمكين إسرائيل من كل فلسطين، ولم يفلح في استجداء تعاطف أحد من العرب.
ما الذي حدث؟ في الماضي كان يكفي الاستشهاد بتصريح أميركي لتحريك الجماهير في خدمة النظام، كما عاشت أنظمة بدعوى مواجهة إسرائيل والذب عن البلاد من التآمر الغربي، لكن منذ بداية الثورة لم تعد هذه الموسيقى تطرب أحدا، صارت أسطوانة مشروخة.
لكن أيضا لا بد من القول إن الغرب ليس بريئا تماما بل متورط بشكل ما، ليس هو المدبر ولا المنظم ولا المشرف، بل الداعم بشكل أو بآخر. فله علاقة سواء بالتأييد أو ربما حتى الدعم. فالحكومة الأميركية قامت علانية بمنح مساعدات للنشاطات الشبابية، والترويج للديمقراطية، والدعم السياسي، وأحيانا اللوجستي، مثل تقديم خدمات لكسر الحظر الإلكتروني الذي تمارسه الأنظمة ضد المحتجين. لكن أستبعد أن الحكومة الأميركية تريد حقا إسقاط النظام المصري أو حتى السوري، فأقصى أمانيها تعديل سلوك هذه الأنظمة بما ينسجم مع مصالحها، خاصة أن تجربتها في العراق أظهرت أن الثقافة المحلية ليست جاهزة بعد للحل الديمقراطي الكامل على الطريقة الغربية. وهو اختبار ستظهر الأيام المقبلة مدى صحته في مجتمعات ثارت مثل تونس ومصر.
إنما تخويف الشعوب بإسرائيل والغرب لم يعد يجدي نفعا، فغالبية المتظاهرين، في سوريا مثلا، يعانون من تاريخ طويل من القمع، وهذه ثورة ضد الظلم، وليست مع أميركا أو فرنسا، وتعبر عن غالبية السوريين، وهي في الوقت نفسه تنسجم مع تطلعات الغرب الذي ينظر للنظام السوري كمخرب إقليمي. لذا لن ينفع كثيرا تخويف الناس الذين يرون أن التغيير مهما كان خلفه يظل مغامرة أفضل
 

السابق
لقاء خاص مع الكوادر: نصر الله يركّز على التنظيم الداخلي
التالي
بهيّة الحريري: خطاب الفتنة