غادر الأستونيون، وسقطت أسطورة الإطفائي المهووس

 منذ أكثر من شهر قال اللواء أشرف ريفي، إنّ منفذي عملية اختطاف الأستونيين السبعة ومن وراءهم وصلوا إلى طريق مسدود، وإنّ وقتا طويلا لن يمرّ قبل إطلاق هؤلاء بفعل اضطرار هؤلاء إلى التسليم بأن هؤلاء ما زالوا أحياء، وبأنّهم موجودون لديهم وبأنّ التفاوض سيؤدّي إلى تحريرهم بعد فشل الخاطفين ومن طلبوا منهم القيام بالعملية بإبقاء أنفسهم خارج التحقيق.

بالأمس بدا أنّ وزير الداخلية مروان شربل قد تعمّد الإشادة بفرع المعلومات لدوره في كشف عملية الاختطاف، وربما هذه الإشادة لم تعجب شركاءه في الحكومة، لكنّها كانت شهادة مجرّدة على فعالية هذا الفرع في كشف جرائم الإرهاب، وكانت، سواء قصد الوزير أم لم يقصد، تحذيرا من التعرض له في ظلّ ما يعدّ من خطط انتقامية.

وصحيح أنّ الجانب الفرنسي هو الذي فاوض الخاطفين ومن وراءهم، لكن الأصح أنّ هذه المفاوضات كانت لتصبح أكثر وأشد تعقيدا وأقلّ فعالية لو لم يتوافر للفرنسيين ما توافر لهم من خلاصات التحقيق المتقدم الذي أدّى إلى اعتقال تسعة من الجناة الذين شاركوا في عملية الخطف. فهل كان يمكن تصوّر حصول تقدّم حقيقي في هذه المفاوضات، لو لم يؤكد التحقيق أنّ قائد مجموعة الاختطاف وائل عبّاس دخل سوريا في اليوم الثاني عبر المعبر الشرعي، وهل كان يمكن ذلك لو لم يقم فرع المعلومات برصد المجموعة الخاطفة التي تمّت حماية قائدها في بيئة حاضنة، في منطقة مجدل عنجر ودفع ثمنها الشهيد راشد صبري ابن مجدل عنجر ومتتبع حركة الجناة لحظة بلحظة.

وهل كان ممكنا لهذه المفاوضات أن تؤدي إلى إطلاق الرهائن لو لم يقم فرع المعلومات بتقصّي المصدر الذي تم منه إرسال الفيديوهات إلى موقع ليبانون فايلز، وتحديد المبنى في العاصمة السورية؟

وهل كان من الممكن، بعد كل هذه الأدلّة الدامغة، أن تسير المفاوضات بطريقة شبيهة لما كان يجري في الثمانينيات، حيث كانت المفاوضات حول خطف الرهائن تجرى مع العواصم الإقليمية وكأنّها مجرد فاعل خير يسعى لتظهير نفسه أمام العالم وكأنه شريك فاعل في محاربة إرهاب الخطف وإيديولوجية الخاطفين؟

مرة جديدة، نجح فرع المعلومات، الذي يخطَّط لتفكيكه، بتوجيه رسالة واضحة، مفادها أنه يشكل دعامة الاستقرار، وأنه، خلال السنوات الخمس الماضية، أدخل إلى لبنان ثقافة إشعار المواطن بأنّ لديه من يحميه، أو على الأقل بأنّ لديه من يستطيع احتواء وتعطيل ديناميات الارهاب ومكافحتها بدءا من تحقيق الاختراق الأول في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، مرورا بالمساهمة في مكافحة فتح الإسلام، وصولا إلى تفكيك الشبكات الإسرائيلية، وليس انتهاء بكشف ملابسات اختطاف الأستونيين السبعة، ومن وسام عيد إلى سمير شحادة فراشد صبري، دفع هذا الفرع أثمانا كان يعرف أنّه سيدفعها، ولكنّه تابع في كل مرة من دون خوف. وتعطي الخلاصات الأولى لعملية الإفراج عن الأستونيين، انطباعا واضحا بأنّ من وقف وراء الخاطفين وسيّرهم وحماهم أراد وضع قوى الأمن الداخلي ومن ورائها الدولة اللبنانية خارج الصورة، ولهذا الأمر سبب واضح وبديهي يتلخص في أنّ قيام فرع المعلومات بالكشف السريع لهوية الجناة ولتحركاتهم ومخابئهم الآمنة لم يكن جائزا أن يكافأ مكافأة تضيف إلى رصيده رصيدا جديدا، ولهذا أيضا أصرّت الجهات المنظمة لعملية الخطف على استبعاد قوى الأمن ورضخ الفرنسيون حرصا على سلامة المخطوفين، لكن من يعود إلى الوراء قليلا يدرك أن الأستونيين عمليا قد أصبحوا أحرارا عندما تم تحديد هوية الخاطفين ومن وراءهم، وبعدها، بالفعل، كانت مسألة وقت كما قال اللواء ريفي، وجاء الإفراج الحتمي عن المخطوفين ليثبت أنّ معادلة الإطفائي المهووس لم يعد بالإمكان تطبيقها، بعد أن قدمت القوى الأمنية الدليل إلى أن من يشعل الحرائق لقبض ثمن إطفائها، لم يستطع هذه المرة التخفي بلباس عصابة مأجورة.
 

السابق
موسى: زيارة ميقاتي الى الجنوب لتأكيد التزامه بال 1701
التالي
حملـة الحريـري على رئيس الحكومة تشـدّ عصبـه الجماهيـري