حطام القطار الأميركي الإسرائيلي

 يأمل الرئيس أوباما صد الكارثة التي ستشهدها الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول المقبل؛ حين تتحرك الدول الأعضاء للضغط من أجل إعلان فلسطين دولة مستقلة.
الأمر الذي يجعل اللوبي الإسرائيلي يعيش اليوم حالة غضب شديد. يشكك النقاد في أن يكون لدى الجمعية العامة الصلاحية للاعتراف بفلسطين كدولة، رغم أن حماية سيادة العضو كان أحد أهداف الأمم المتحدة منذ تأسيسها، ولذلك كانت تلك هي الأولوية التي وضعتها إسرائيل على اعتراف الأمم المتحدة لها، في أعقاب اعتراف الرئيس الأميركي «هاري ترومان» بإسرائيل في 14 أيار 1948، بعد 11 دقيقة من إعلان الجيب الصهيوني المعزول عن نفسه كدولة. لقد رفض ترومان الاعتراف بهذا الجيب المعزول بوصفه «دولة يهودية». وخلال الأيام الأخيرة قبل منح الاعتراف وبالتالي «الشرعية»، كان قد تملك ترومان مخاوف من أن يؤدي الطموح الصهيوني إلى دولة عنصرية أو ثيوقراطية- دينية، رغم ذلك نرى اليوم الرئيس أوباما يشير إلى إسرائيل باعتبارها «دولةً يهودية».
تلك المخاوف قادت الزعيم الصهيوني «حاييم إزرائيل وايزمان» إلى الضغط على ترومان عبر إرساله رسالة مؤلفة من سبع صفحات لطمأنته بأن المستوطنين اليهود لديهم تصور لدولة علمانية تماماً مشابهة لدولتي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا العظمى. أكد ترومان هذا الفهم للدولة عندما لم يعترف بـ«الدولة اليهودية»؛ (وهو وصف قام بشطبه من وثيقة الاعتراف)، لكنه وافق على عبارة «دولة إسرائيل». الكارثة التي تحدث اليوم كان يجب التنبؤ بها عندما كذب «وايزمان» على «ترومان» بشأن النيات الصهيونية. فقد خُدع ترومان كما خُدع كل رئيس للولايات المتحدة منذ ذلك الوقت. كانت هيئة الأركان المشتركة قد حذرت «ترومان» من موضوع (المفاهيم المتعصبة) للنخبة اليهودية الصهيونية التي سعت للاعتراف بإسرائيل كدولة شرعية. حتى في ذلك الوقت، كان قادة الجيش الأميركي قد حذروا من أن هذا الجيب الصهيوني المعزول يسعى «للهيمنة العسكرية والاقتصادية على الشرق الأوسط بأكمله». واختار ترومان المسيحي- الصهيوني، بأن يصدق غير ذلك. كان «ألبرت أينشتاين» قلقاً أيضاً. فقد وصف هو وغيره من اليهود المهتمين الحزب السياسي الصهيوني الذي أنتج «مناحيم بيغين»، و«أرييل شارون» والآن «بنيامين نتنياهو» بأنه (حزب إرهابي) مع علامة بيّنة بأنه حزب فاشي بامتياز.

الكارثة
تحققت منذ ذلك الوقت أسوأ مخاوف «ترومان» باستثناء أن مفاعليها كانت أسوأ بكثير مما توقعه هو أو هيئة الأركان المشتركة. ولأجل إقناع الدول الأخرى بتحمل هذا الجيب المعزول من المتعصبين، أكدت الولايات المتحدة للجيران العرب القريبين أن إسرائيل لا تسعى نحو المزيد من الأراضي. نحن نعلم الآن أن الصهاينة رأوا في الاعتراف بالدولة المستقلة مجرد موطئ قدم مبدئي في المنطقة ينطلقون منه للتوسع وممارسة نفوذ جيوسياسي- خلف واجهة شرعية قدمتها لهم الولايات المتحدة. وزير الخارجية الأميركي آنذاك «جورج مارشال» أكد لـ«ترومان» أنه إذا اعترف بهؤلاء المتطرفين بأنهم دولة شرعية، فإن «مارشال» سيصوت ضده. هذا الجنرال السابق في الحرب العالمية الثانية كان قد توقع نشاطاً في التحركات التي دمرت منذ ذلك الحين الأمن القومي للولايات المتحدة حيث تم إقناعنا نحن الأميركيين ببذل دمائنا وإنفاق أموالنا لدعم الأهداف الصهيونية. تظهر الولايات المتحدة الآن ملامة بسبب تحالفنا مع جيب معزول متعصب دينياً، مسلح نووياً ويمارس في الداخل سياسة تفرقة عنصرية وفي الخارج سياسة توسعية. المجتمع الدبلوماسي للولايات المتحدة حذر ترومان من الاعتراف بدولة إسرائيل، وكذلك فعل المجتمع الاستخباراتي وهيئة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية. أما «كلارك كليفورد»، رئيس الحملة الانتخابية الرئاسية لترومان في عام 1948، فقد أبلغ ترومان أن تمويل حملته الرئاسية المقدم من لوبي إسرائيل سيتوقف إذا ما امتنع عن الاعتراف بإسرائيل.

حليف أم عميل استفزازي؟
وبالانتقال السريع إلى أحداث عام 1967، نجد أن نفس هذه الشبكة العابرة للحدود جهزت المسرح لصراع صمم ليظهر بأنه دفاعي. ومنذ أن تم تقديمه على أنه عمل أسطوري بطولي سمي «حرب الأيام الستة»، فإن عمليات الوكيل الاستفزازية تلك استتبعت ردود أفعال جيوسياسية ما زالت تحصل حتى اليوم. منذ متى جرى التخطيط لمثل هذا العمل التحريضي؟ أقر جنرال في القوات الجوية الإسرائيلية أن مزاعم الهجوم بدأت في أوائل الخمسينيات. بدأ رئيس (يونايتد أرتست)؛ «آرثر كريم»، وزوجه؛ «ماثيلد»، تكوين صداقة إستراتيجية مع السيناتور عن ولاية تكساس «ليندون جونسون»، ومن خلال امتلاك عقار بالقرب من مزرعة «جونسون»، تمكنت «ماثيلد»، وهي عميلة سابقة لمنظمة عسكرية يهودية تدعى «الأرغون»، من إقامة علاقة مع جونسون على حين كان زوجها يرأس اللجنة المالية للحزب «الديمقراطي» الأميركي.
في الليلة التي بدأت فيها حرب الاستيلاء على الأراضي، والتي عُرِفَتْ بحرب «الأيام الستة»، كانت «ماثيلد» تستمتع بتمضية سهرة في البيت الأبيض الذي كان يسكنه وقتئذِ الرئيس «جونسون». لكن هل كان بوسع إسرائيل العيش بسلام مع جيرانها لولا ذلك العدوان الصهيوني؟ لقد أدت إسرائيل ومؤيدوها لعبة مسرحية متقنة لإعادة صياغة هذا الاستفزاز وإظهاره بصورة دفاعية. وتضمنت هذه الخديعة إخفاء حقيقة الهجوم الإسرائيلي على سفينة الأبحاث البحرية الأميركية (ليبرتي- الحرية) الذي أسفر عن مقتل 34 أميركياً وجرح 175 آخرين. في تلك الأيام، كما اليوم، كانت صورة «الإسرائيليين» الأسطوريين تظهرهم باعتبارهم ضحايا عالمٍ معاد لهم. ومنذ ذلك الحين كما اليوم، أي شخص يظهر استمرار هذا النفاق يجازف بأن ينعت بـ«معاداة السامية». هذه الخديعة المتواصلة عبر الأجيال تواصل تقويض الأمن القومي للولايات المتحدة عند كل منعطف. لقد بدأ المكر الصهيوني قبل وقت طويل من تحذير «جورج مارشال» ووزارة الدفاع الأميركية لترومان مما قد يقوم هؤلاء المتعصبون بحرمان الفلسطينيين منه. بهذا الدعم المتواصل خلال ما يزيد على ستة عقود، تظهر الولايات المتحدة الآن مذنبة بالإجماع. وإذا أصبح تصويت الأمم المتحدة على إعلان الدولة الفلسطينية بمنزلة تصادم للقطارين الأميركي والإسرائيلي، وما سينجم عنه من حطام كوارثي، فعلينا ألا نلوم إلا أنفسنا. 

السابق
بهيّة الحريري: خطاب الفتنة
التالي
آخر نكتة