بعدما صارت الحكومة حكومته والدولة قريباً دولته هل بات “حزب الله” مع حل لسلاحه؟

 هل لا يزال في الامكان جمع الزعماء اللبنانيين حول طاولة للحوار والتوصل الى اتفاق على مواضيع مثيرة للخلاف، أم يكفي جمعهم حول الطاولة وإن لم يتم التوصل الى اتفاق على اي موضوع، بحيث يكون ذلك مجرد ابقاء التواصل قائماً في ما بينهم، وحسن العلاقات الشخصية يحول دون توتير العلاقات السياسية؟
لقد نجح الرئيس نبيه بري عام 2006 في جعل اجتماعات هيئة الحوار تسفر عن قرارات اتخذت بالاجماع ولكنها ظلت بدون تنفيذ لأن "حزب الله" الذي كان قد وافق على انشاء المحكمة الخاصة بلبنان عاد وغيَّر رأيه بحجة أنه تبين له بعد وقت أنها مسيَّسة وتستهدف سلاحه، وقرار إزالة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات لم تساعد سوريا السلطة اللبنانية على تنفيذه لانها تعتبر هذا السلاح ورقة ضاغطة في يدها عند اجراء مفاوضات مع اسرائيل أو عند مواجهة مشكلات مع لبنان. واذا كان مطلوباً من سوريا التدخل لمساعدة لبنان على ازالة هذا السلاح، فان على السلطة اللبنانية ان تطلب ذلك رسمياً كي يكون تدخلها شرعياً ولا اعتراض عليه، خصوصا اذا اضطرت الى ادخال قوة من الجيش السوري الى الاراضي اللبنانية للقيام بذلك، ولا ساعدت سوريا لبنان على تنفيذ قرار آخر اتخذ بالاجماع ايضا وهو تحديد الحدود بين البلدين، وقد وضعت عبارة "تحديد" بدل "ترسيم" علها تساعد على تحقيق ذلك. وهكذا ظلت قرارات هيئة الحوار التي انعقدت برئاسة الرئيس بري واتخذت بالاجماع من دون تنفيذ.
وعندما استؤنفت اجتماعات هيئة الحوار الوطني في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس ميشال سليمان ظلت تدور في حلقة مفرغة حول موضوع الاستراتيجية الدفاعية توصلا الى حل لمشكلة سلاح "حزب الله" في اطارها. وبعد توصل الاجتماعات الى تصور لهذه الاستراتيجية من خلال مشاريع اقتراحات تم التقدم بها وتشكلت لجنة للنظر فيها، امتنع "حزب الله" عن التقدم بأي اقتراح واتخذ وزراء 8 آذار في حكومة الرئيس سعد الحريري من ملف شهود الزور، ذريعة لتعطيل اجتماعات مجلس الوزراء وتالياً لتعطيل اجتماعات هيئة الحوار ايضا باعلان العماد ميشال عون انه لا يرى داعياً لهذه الاجتماعات اذا لم يبت مجلس الوزراء موضوع ملف شهود الزور، وتبنى "حزب الله" هذا الموقف في ما بعد.
واذا كانت قوى 8 آذار باتت ترى ان لها مصلحة في العودة الى اجتماعات هيئة الحوار بعدما انتقلت اليها الاكثرية وتمكنت من تشكيل حكومة منها، فإن قوى 14 آذار التي صارت أقلية، ولم تعد مشاركة في الحكومة، ترفض العودة الى اجتماعات هيئة الحوار الا اذا كان لهذه الاجتماعات جدول أعمال متفق عليه كي يكون للحوار نتائج، وان يكون سلاح "حزب الله" في رأس هذا الجدول لان هذا السلاح اذا ظل مشكلة لا حل لها فلن يتحقق العبور الى الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل اراضيها، ولا تكون سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها. دولة تستطيع التزام تنفيذ القرار 1701 الذي يؤدي تنفيذه ليس الى قيام هذه الدولة بل الى تحقق الامن والاستقرار الدائمين والثابتين في لبنان.
وترى قوى 14 آذار ايضا انه اذا لم يتم التوصل الى حل لمشكلة سلاح "حزب الله"، فإن الامن والاستقرار سيظلان معرضين للاهتزاز، وستظل الفئة اللبنانية التي تحمل هذا السلاح غالبة والفئة التي لا تحمله مغلوبة عند البحث في اي موضوع مهم سواء في مجلس الوزراء أم في مجلس النواب، حتى اذا صدر عن اي منهما موقف لا يرضي الفئة المسلحة هددت بالنزول الى الشارع اذا لم يتم الرجوع عنه.
والسؤال المطروح: هل بات "حزب الله" مستعدا لان يجعل سلاحه موضوع بحث في هيئة الحوار كي توافق قوى 14 آذار على حضورها، وبعد أن تضمن ان البحث في هذا الموضوع لن يعود الى الدوران في الحلقة المفرغة كما في السابق؟ وهل يوافق الحزب على وضع سلاحه في تصرف الدولة أو الجيش بعدما صارت الحكومة حكومته تمهيداً لان تصبح الدولة دولته من خلال اعادة تكوين السلطة والادارات فيها ولا سيما منها الامنية والعسكرية؟ علماً ان هذا الوضع لم يكن قائماً مع الحكومات السابقة والادارات السابقة… وعندها لا يعود بقاء السلاح في يد "حزب الله" ذريعة لقوى 14 آذار تجعلها تعترض على بقائه وتهدد بمقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة سنة 2013 اذا ظل هذا السلاح خارج الدولة، ولا حتى المشاركة في أي حكومة يكون "حزب الله" مشاركاً فيها للإفادة من خدمات الدولة ويرفض أن يشاركه أحد في سلطته خارج الدولة.
لكن الرئيس سليمان يرى في العودة الى اجتماعات هيئة الحوار ضرورة تقتضيها دقة المرحلة التي تواجهها دول المنطقة، ووجوب الحرص على الوحدة الداخلية ورصّ الصفوف وتوحيد الكلمة من أجل مواجهة شتى الاحتمالات، وتجنيب لبنان الانزلاق نحو الاخطار التي نعرف كيف تبدأ ولا احد يعرف كيف تنتهي.
لقد كان الرئيس الراحل شارل حلو يقول عن الحوار: "إن عقل الانسان لا يمكن ان يعمل بكل طاقته إلا بالمشاركة مع عقل آخر".
 

السابق
حملـة الحريـري على رئيس الحكومة تشـدّ عصبـه الجماهيـري
التالي
الإجراءات العسكرية والأمنية والسلامة العامّة