سلمان نزّال معاناتُهُ أَزهَرت شعراً وأدباً

 وُلد سلمان نزال من أبوين مؤمنين كادحين في بلدته صريفا – قضاء صور عام 1937. وكان في المرتبة السادسة بين إخوته، وكان الجنوب يُعاني من الفقر والحرمان. فلا طرقات ولا مدارس ولا مستشفيات وغيرها.
وفي سنة 1946 تولى الزعيم أحمد الأسعد وزارة الأشغال العامة فشرع في شق شبكة طرقات بين معظم قرى الجنوب وفي سنة 1947 وصل إلى صريفا أول معلّم رسمي الذي جمع أبناء البلدة في غرفة واحدة كبيرة ثم صنّفهم من حيث الصفوف حسب مؤهلات التلامذة المعرفية. صاحب السيرة سلمان محمد نزال انتسب إلى المدرسة وعمره عشر سنوات، كأترابه من التلامذة. وبعد أربعة أشهر رقّاه معلمه من الصف الأول الابتدائي إلى الصف الثاني وبقي من الأوائل. وفي آخر العام الدراسي نصح المعلم والد التلميذ سلمان بنقله إلى بيروت حيث سُجّل بعد امتحان في الصف الثالث الابتدائي وراح يُزاحم الأوائل بسهولة فائقة مما أثار إعجاب معلميه ولا سيما مدير المدرسة (مدرسة الإصلاح الإسلامية) المرحوم حسين مروة ومن بعده المرحوم يوسف ياسين وأستاذ اللغة الفرنسية.

مع أحمد الأسعد
وفي صيف 1953 زار صريفا المرحوم أحمد الأسعد فاستقبله أهل البلدة استقبالاً حفيّاً وارتجل والده يومذاك أمام الحشد قائلاً:
في الطيبة هلّ القمر يا أهل عامل عيّدوا
حب ألوفا فينا ومِنْأَيّد البيأيّدو
ثم صعد حائطاً وارتجل كلمة استقبل فيها الضيف الكبير ما أثار إعجاب الضيف والمرافقين وأهل البلدة وسأله المرحوم الأسعد قائلاً (منين جبت هالأقوال الحلوي)؟

الفتى الشاعر
وفي يوم من أيام الصيف نفسه كان سلمان نزال في البرية ويجلس على صخرة واسعة ملساء تطل على السهول والوديان والجبال وينعم بقراءة قصة عنوانها "بعد الغروب" عندما استحوذت عليه سِنّة النوم فغفا والكتاب على صدره وعندما أفاق وجد الشمس على حافة المغيب: نصف من قرصها ما زال ظاهراً والآخر أصبح خلف الأفق مما أثار في نفسه حزناً وكآبة فشعر بجلجلة في فكره وقلبه وأتاه المخاض الشعري لأول مرّة فقال وهو ينشد بصوته الرخيم:
لا تغربي يا شمس مهلاً.. إنه المضنى وحيد
فالقلب فيك مُؤنس وعن الهداية لا يحيد
وعندما نال شهادة البروفيه قرّر خوض ميدان العمل لظروف وأسباب متشعبة.
درّس اللغتين العربية والفرنسية في مدارس عدة في المرحلة الابتدائية ثم أصبح مديراً لمدرسة "العلم والعرفان" في الشياح ثم درس مرحلة البكالوريا في المعهد الليلي العالي ونال شهادتها. وهو يزاول مهنة التدريس.

في برج حمود
وفي تموز من العام 1959 عيّن مفتشاً في مصلحة الكهرباء في بيروت وراح يُقدم إلى والده كل مقبوضاته عن خمسة عشر شهراً، ثم فكر في مشروع فتح مدرسة علمية مجانية تساهم وزارة التربية سنوياً في مساعدتها مادياً وهكذا كان وفتحت المدرسة في برج حمود بما توفر من الابتدائية ولقد نجحت المدرسة نجاحاً كبيراً وبعد سنوات خمس أقدم سلمان نزال على شراء قطعة أرض بالقرب من العقار المستأجر كمدرسة وبعد ذلك ببضعة أعوام تم بناء مدرسة تحت إشراف وزارة التربية مؤلفة من أربع طبقات حسب المواصفات المطلوبة من المراجع الرسمية. والجدير ذكره أن المدرسة والتي أصرَّ الشاعر على افتتاحها في تلك المنطقة وتسميتها في هذا الاسم "الزهراء" جوبهت بمعارضة شديدة من بعض من في نفوسهم مرض الحزبية والطائفية الضيقة ولكنه نجح بمؤازرة أحد الزعماء المتنورين أن ينتزع الموافقة على إنشائها بشق النفس. وفي العام 1969 تأهل سلمان نزال من الآنسة سلوى خليل الحوراني التي أنجبت له في آذار 1972 ولدين توأمين: داني ومازن.

مع الحزب القومي
وعوداً على بدء نذكر بأن شاعرنا كان قد انتسب إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1955 وقام بالكثير من النشاطات الفكرية والعقائدية ولكنه لم يتخلَّ عن صلاة وصوم وما يتعلّق بهما من واجبات. وفي عام 1977 تخلّى عن ممارساته الحزبية لأسباب طارئة داخل الحزب وانصرف كليّاً لمزاولة الواجبات الدينية وخلال ترأسه للجمعية الخيرية لبلدة صريفا (1960 – 1969) كان على تواصل شبه دائم مع سماحة الإمام السيد موسى الصدر وبعد الحرب الأهلية في لبنان (1975) وبعد تغييب الإمام تواصلت العلاقة مع سماحة الإمام المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين ثم مع الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان، وفي نفس الوقت كان يتواصل مع سماحة العلاّمة السيّد محمد حسين فضل الله.

معركة الدكتوراه
بعد سنتين، انتسب نزال إلى معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية وبعد نيله شهادة في الدراسات المعمّقة (دبلوم) في علم الاجتماع التربوي شدّ الرحيل إلى باريس حيث التحق بجامعة السوربون القسم السابع للعلوم الدينية والفلسفية والاجتماعية. وبعد أربع سنوات وبعد منحه إذناً بالطبع رفض الأستاذ المشرف استقباله ومناقشة أطروحته لأن في الأطروحة ما لا يرضى عنها الفرنسيون ولا سيما اليهود منهم. ورفض نزال إلغاء أي طرح أو تعديل ثم نوقشت أطروحته في لبنان تحت إشراف الدكتور محمد شيّا الذي شرّفه بقبوله موضوع الأطروحة حول النجف كمدينة وكمجتمع وقيادة دينية وهي دراسة أنتروبولوجية وأتنولوجية وتربوية وسياسية علاوة على الدراسة الديمغرافية وبعد نيله الدكتوراه عيّن في معهد العلوم الاجتماعية في صيدا أستاذاً محاضراً مدة سبعة أعوام.
بعد نيله الدكتوراه عُيِّن محاضراً في معهد العلوم الاجتماعية (صيدا) وكان يطرح على طلاّبه في صف الدراسات المعمّقة (دبلوم) موضوع الإنسان بين بشريته وإنسانيته ويقدّم دراسة مقارنة بين الفكر المادي والقومي من جهة والفكر الإسلامي من جهة أخرى وهي دراسة لا تنكب عن المنهج العلمي والموضوعي واستمرّ في الجامعة مدّة سبعة أعوام دراسية. وفي العام 2006 استدعاه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان وعيّنه أميناً لمكتبة المجلس ومستشاراً ثقافياً لمركز الدراسات فيه وما زال حتى كتابة هذه النبذات اليسيرة من سيرته الذاتية.

شعر التزام وإيمان
ينصب شعر الدكتور سلمان نزال على كثير من المواضيع. والإنسان عنده هو المركز الأساس في الكون وقد خلف الله (عزّ وعلا حسب إيمانه) كل ما في الوجود الأرضي من إنسان وما دون ليسخرها لخدمته ومنحه ما لم يمنحه لغيره من المخلوقات ليكون شاكراً لأنعمه وآلائه المطلقة وبذلك يكون إنساناً متحرّراً من عبادة الهوى ويأخذ لبشريته ما تستحق بقدر موزون وأطلق النفس في رحاب الإنسانية المستضيئة بنور الله الذي يُبدد كل ظلام وخصوصاً ظلام النفس.
هذه الإنسانية تشكل خلافة الله في أرضه وتكون أمانة في عنق الإنسان حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
نماذج من شعره:
بمناسبة ذكرى تحرير الجنوب اللبناني من الغزاة الصهاينة في 25 أيار 2000
بورك النصر، أي نجم ساطع عمَّ في الكون.. جلّلته الزوابع
فجّر الجرحُ عزَّه.. واجتباه من ذرى المجد.. كل حرٍّ ذائع
فتيةٌ راعهم وجود عدو غاصب حاقد بسود الدوافع
يستلدّ الدما كؤوساً دهاقاً حسبُهُ رجسه من دون وازع
في حمى هم أهله وبنوه بل أسود.. كلّما ندهت مرابع
نزوة العيش طلّقوها ومالوا يُذيقون العدى مُرّ الوقائع

إلى متناسية
تناست ساعة جلّستْ إليّا تُراودني بغمز الطرف هيا
وتسألني انطراحاً في عناق يُعيد الحبَّ خفّاقاً شهيا
تعال بمهجتي إعبَثْ وقلبي ولاعِبْ صدري المحموم غِيّا
فنار الشوق تُحرقُ مُقلتيا وشعري مسبلٌ يدعوك هيّا
وأردافي لها في العشق دورٌ تندّت بالهوى شبعاً وريّا
وسيقاني على نار تقلّتْ بذلٍّ ترتدي صبراً شجيا
فأعتقني وحرّر ما تبقى وإرحم موقفي واقبل عليّا
ويسّر ما تعسّر من أموري وأطْبقْ ناظريك بناظريا
وضُمّني ضَمّة حطِّم ضلوعي فإني بانتظارك يا حبيبي
لأحفظ للهوى ذكراً شهيا

طالبة الشعر
تعطفتني.. لأن أحكي لها شعرا..
وما درت أنها.. تطلب الروح..
والسحرا..
وتطلب الحبّ أنداءً معطرة..
وفجرا..
فشعري يا هذه.. روح..
وأنفاس.. فلا.. ألقى
لها قدرا..
وأنت.. والشعر: صنوان
لواحدة..
أنت الجمال..!
وهذا يسكن العمرا..!

مهداة إلى سماحة الإمام نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى
الشيخ عبد الأمير قبلان
يمَّمْت شطرك روح الحب أفتقد يا كوّة من ضياء الله تتقدُ
سهل الخليقة رحب القلب متسع في بَرْد لجّك ضوء الطهر يبترد
عدلٌ ونبلٌ وتقوى لا يماثلها إلاّ الذي كان في برديك يجتهد
نعم الإمام يسوس الناس في رفق لم تنعقد في حنايا قلبه العُقد
إلاّ المحبّة ضوء الفجر يغمرها والصِّدق والخير في أوصاله خلدوا
فلا الغرور له في روحه فرحٌ إلاّ الهدى والتقى في قلبه نهدوا
ذاك القويُّ بحق في مناقبه ذاك العزيز بنفس ليس تنخمد
ما قيمة العلم إن أودى بصاحبه لغير مثلك أو للنور قد يئدُ
أكرم بمثلك آيات مبصرّةً فيها السماء على الأزمان تقتصد
 

السابق
من ذاكرة السيد حسين شرف الدين الثقافة والحركة الطلابيّة والسياسة
التالي
بيوتات عاملية حملت لواء المعرفة وتوارثتها منذ ما قبل الأربعينات