حزب الله مقتنع بصواب قطع التواصل مع الحريري

لم تخب توقعات الدوائر المعنية في "حزب الله"، فالرئيس سعد الحريري، اختار في اطلالته الاعلامية الأخيرة التي أتت بعد طول احتجاب مثير للتساؤلات، ان يمضي في النهج "العدائي" للحزب والفريق السياسي الذي يشكل هو (اي الحزب) حجر الرحى فيه، وشاء ان يبعث الى من يعنيهم الأمر برسائل فحواها ان رهاناته (اي الحريري) التي كانت الدافع الاساسي لدى الآخرين الى اتخاذ قرار اسقاطه وهو في حضرة الرئيس الاميركي باراك اوباما، والرهانات عينها التي أملت على الحزب ان يبلغ الموفدين القطري والتركي رفضه المطلق النسخة الأخيرة من العرض الذي حملاه من الحريري نفسه، ما برحت هي هي، لم تتحول او تتبدل.

وعليه، فإن السؤال المطروح ازاء ذلك هو هل انصرمت نهائيا فرصة اعادة التواصل والاتصال ولو بالحدود الدنيا بين الحزب، وما يمثّله من حجم وحضور على الساحة اللبنانية، والحريري وما يجسده وتياره من وجود في داخل طائفته ومن امتدادات على مستوى الوطن كله.

واستطراداً، هل هذا يعني بشكل او بآخر ان على البلاد والعباد ان ينتظروا المزيد من فصول السجال والنزال المباشر وغير المباشر بين هذين الطرفين الأساسيين على المسرح السياسي؟ مع ان ثمة من لا يزال يرى ان الرئيس الحريري الذي يبدي هذا المنسوب العالي من الاستياء والحدة وهو الخارج قسراً من الحكم والمضطر الى ان يغيب عن عاصمته، قد ترك في نهاية حديثه كوة ولو ضئيلة للتواصل مع الطرف الخصم، فإن الذين هم على تواصل مع دوائر القرار في "حزب الله"، يخرجون بانطباع فحواه ان الحزب الذي عرف عنه انه حريص على ابقاء الابواب والقنوات مفتوحة ولو بالحد الادنى مع اشد خصومه ضراوة، قد غادر هذا التفكير والتوجه في الفترة الأخيرة، وهو يحدد افق مستقبل علاقته مع الحريري شخصياً في الدرجة الاولى ومع تياره في الدرجة الثانية، مع ادراكه سلفاً للاثمان السياسية لقطع من هذا النوع، مع قوة سياسية من هذا الحجم، ولا سيما على المستوى الطائفي والمذهبي.

بالطبع لدى الحزب اكثر من سبب يجعله يسلك هذا المسلك السياسي الصعب، والذي وان يكن لا يبلغ حد اعلان الحرب، فإن له محاذيره. فتجربة العلاقة التي بدأت بين الحزب على اعلى مستوياته والحريري والتي حاول فيها "سيد" الحزب استئناف ما بدأه مع الوالد، اتى حين من الدهر، ليقتنع الحزب بأنها باتت بلا افق، ويستحيل البناء عليها، ولو على المستوى البعيد.

على مستوى العلاقة السياسية وعقد الاتفاقات والصفقات أيضاً، كان للحزب تجربته التي يقول انها تنضح بالمرارات والخيبات منذ عقد اول اتفاق معتبراً في السعودية، أوائل عام 2007، والذي ابرم بين الحريري نفسه وموفدي الحزب وحركة "امل" حسين الخليل والوزير علي حسن خليل، امتداداً حتى الامس القريب وبالتحديد الى عهد "السين – سين"، اي قبل نحو ثمانية اشهر على وجه التحديد. فبعده باتت قيادة الحزب تقيم على قناعة فحواها ان عليها ان تشرع فعلا في ان تتخذ القرار الصعب وتضع نفسها في مرحلة لا علاقة فيها ولا تواصل ولا حوار مع الحريرية انطلاقا من اعتبار جوهري وهو ان الحريري نفسه لم يقتنع في اي لحظة بأمر اساسي وهو العمل على تحصيل واقع سياسي يخلو تماما من الحزب بصفاته المعروفة.

ولأن تجربته مع الحريري كانت (بالنسبة الى الحزب) بهذه المرارة وبهذه الخيبة، لا يكتم الحزب انه اختار طريقاً "مؤذية" فعلاً لكي يوصد ابواب العلاقة ونوافذها نهائياً من الحريري فاختار لحظة دخوله الى البيت الابيض.
وعليه لم يفاجأ الحزب اطلاقا بـ"الرهانات" التي اعلن الحريري تشبثه بها في اطلالته الاعلامية الاخيرة، فهي بالنسبة اليه تعكس فعلاً الرغبات الحقيقية والعميقة التي تجول في خاطر الحريري ولم تبارحه قط، ولم تبدلها كل المحاولات والاتصالات السابقة.
وبناء عليه، فإن السؤال الذي يلقي بنفسه هل وصلت حسابات الحزب الى مرحلة يعتقد فيها جازما بأن في الامكان ان يحل وقت يمكن فيه فعلا ان تدار لعبة سياسية متوازنة في البلاد على صورة تكون فيها الحريرية بما تمثل خارج الحكم وتكون على قطيعة تبلغ حد العداوة مع الحاكمين؟

بالنسبة الى الدوائر المعنية في الحزب الامر يكون طبيعيا عند الذين قدر لهم ان يستمعوا الى الخطوط العريضة لما ادلى به الحريري في اطلالته الاعلامية، فهو من بادر الى اعلان ما يشبه "الحرب" على ثلاثة ارباع القوى في الساحة اللبنانية، ولم "يمدح" سوى زعيم "القوات اللبنانية" سمير جعجع.

وحتى عملية "غزله" العابرة لرئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط كانت غير طبيعية لأن الجميع يدرك ان هذا "التحييد" لجنبلاط ليس هو حقيقة الامر، وجوهر اللعبة، فعلى الأقل فإن الحزب وسواه يعرفون حقيقة مواقف جنبلاط واعتقاداته السياسية العميقة والاسباب التي دفعته الى طلب الاطلالة الاعلامية قبل عشية اطلالة الحريري على المحطة التلفزيونية نفسها، وبمعنى آخر فإن الحزب يرى ان المشكلة الاساسية هي عند الحريري نفسه الذي اختار هو المآل السياسي الذي من حقه ان يعتصم به ويلجأ اليه، ولكن يتوجب عليه ان يكون مستعداً لدفع التكاليف والتبعات السياسية له.

وواقع سياسي يعتمد عليه الحزب في قراءته يستنتج بأن في الامكان الاستغناء عن الحريرية السياسية وهو ان ثمة تحالفاً سياسياً عريضاً ووازناً وله قواعده المتينة والراسخة في البلاد يمكنه ان يملأ الفراغ وهو ائتلاف ذكره النائب جنبلاط في حديثه الأخير على اساس انه يستطيع ملء الفراغ نظرا الى ما يحتضنه من مكونات وشخصيات سياسية".

وعليه، فان الحزب حارس الصمت تجاه مواقف الحريري، لكي يظهر اتساع حجم الاعتراضات والمعترضين على رئيس الوزراء السابق ممن ليسوا محسوبين عليه.
كذلك لا يفوت الحزب نتيجة الرصد الدقيق لعدم تفاعل الشارع السني، بالشكل المتوخى مع القرار الاتهامي، ومع اطلالة الحريري نفسها، فهو بالنسبة اليه عنصر اخر يؤكد ان في الامكان ان يأتي حين من الدهر لا يشعر فيه الشارع بـ"اليتم" السياسي اذا حلت شخصية أخرى في سدة تمثله الأولى في الهرم السياسي للبلاد.

ومما لا ريب فيه ان دوائر الحزب اياها بدأت تأخذ في الاعتبار نتائج عمليات الرصد السياسية التي أجرتها في الفترة الأخيرة واظهرت أكثر ان الحريرية السياسية لم تعد بالضرورة حاجة سعودية وخليجية، وان النظام الرسمي العربي لن يعلن بالضرورة الاستنفار والحداد اذا لم يكن الحريري في رئاسة السلطة الاجرائية في لبنان.

السابق
الحياة: تيار المستقبل: طاولة الحوار تكاذب والحكومة مستوردة من دمشق
التالي
اليونيسكو تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل!