السفير: فضيحة الأستونيين: العيد لفرنسا … والدولة شاهد ما شفش حاجة

فجأة ومن دون مقدمات أو سابق إنذار، تم الافراج عن الاستونيين السبعة، بعد نحو أربعة اشهر من اختطافهم من منطقة زحلة، وهي نهاية اكتنفها الكثير من الغموض وعلامات الاستفهام وخاصة، حول الدور الذي لعبته المخابرات الفرنسية في اتمام هذه العملية بمعزل عن الدولة اللبنانية واجهزتها الامنية المعنية.

إلا أن ذلك لا ينفي أن الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي تلقفت بارتياح خبر الافراج عن الأستونيين، فيما كانت تخطو، أمس، اولى خطواتها التنفيذية عبر إقرار دفعة اولى من التعيينات شملت تجديد ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لست سنوات، وتعيين العميد وليد سليمان رئيسا للاركان في الجيش اللبناني خلفا للواء شوقي المصري، والدكتور انطوان شقير مديرا عاما للقصر الجمهوري خلفا للسفير المتقاعد ناجي أبي عاصي.
وإذا كانت اجواء الجلسة الاولى لمجلس الوزراء قد عكست نقاشا هادئا وسلسا لبنود جدول الاعمال، وخاصة حيال البند المتعلق بالثروة النفطية حيث برز إجماع على إيلاء هذا الأمر أولوية على كافة الصعد وصولا الى تحضير ملف محصن بكل ما يثبت حدود لبنان البحرية ويثبت حقه في ثروته الغازية والنفطية، الا انّ التعيينات المحدودة التي أقرها مجلس الوزراء تطلبت ما يشبه العملية القيصرية لتوليدها، في ظل التعقيدات التي احاطت بهذا الموضوع جراء الطرح المستجد من قبل فريق النائب ميشال عون إزاء موقع المديرية العامة للأمن العام والمطالبة بإسناده لشخصية مارونية، وهو الامر الذي قابله النائب وليد جنبلاط بالدعوة الى المداورة في المراكز، ولكن هذا الأمر لم يلق قبولا باستثناء «حزب الله» وحركة «امل» اللذين ردا على الرفض بالاصرار على ابقاء هذا المنصب للطائفة الشيعية كما كان معمولا في عهد الرئيس اميل لحود وكذلك منذ بداية عهد الرئيس الحالي ميشال سليمان.

وكانت سبقت جلسة مجلس الوزراء مشاورات مكثفة، خاصة بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط وقيادة «حزب الله»، وأثمرت تفاهما على ضرورة عدم تأجيل ملف التعيينات المدرجة في جدول الأعمال (حاكمية مصرف لبنان ورئاسة الأركان في الجيش ومدير عام القصر الجمهوري)، وتمسك ميقاتي بوجهة نظرته الداعية الى أن تأخذ التعيينات طريقها وخاصة التمديد لحاكم مصرف لبنان، اذ ان انعقاد الجلسة من دون اتمام هذا الامر قد يعطي صورة سلبية عن الحكومة في مستهل انطلاقتها.

وفي ما بدا ان ميقاتي نجح في اقناع حلفائه بوجهة نظره، برز في المقابل إصرار النائب جنبلاط على ضرورة حسم تعيين رئيس الاركان الذي يشكل احد اهم المراكز الدرزية في الدولة، وتمت الاستجابة له، ولمطلب تعيين مدير عام القصر الجمهوري.
ومع حسم الدفعة الثلاثية الأولى من التعيينات، اكدت مصادر وزارية لـ«السفير» ان التوافق قد تم على تعيين مدير عام الامن العام من دون أي تعديل في مذهب من سيتولى الموقع، وذلك في أول جلسة يعقدها مجلس الوزراء الاثنين المقبل.
إطلاق الاستونيين فضيحة أم إنجاز؟

وبالعودة الى ملف الاستونيين، فإن اولى الملاحظات حوله هي تزامن تحريرهم مع ذكرى العيد الوطني لفرنسا في 14 تموز، وثانيتها هي انكفاء الاجهزة الامنية اللبنانية التي قال وزير الداخلية مروان شربل انها شاركت من بعيد في عملية الافراج عنهم «حتى لا تتعرقل الامور». وثالثتها، ان العملية بدت انها تمت تسللا من دون ان تتوضح تفاصيلها، لا بالنسبة الى اسباب الخطف، ولا بالنسبة الى الجهة الخاطفة وهويتها ولا الى مكان الاحتــجاز، اكان فــي لبنان ام خارجه.
وحسب معلومات رسمية فان جميع مواقع الدولة فوجئت صباحا بالخبر، فلا رئيس الجمهورية ميشال سليمان ولا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ولا وزير الدفاع فايز غصن ولا وزير الداخلية مروان شربل، كانوا على بيّنة مسبقة بمجريات العملية، حتى أن كلام شربل الصباحي كان واضحا بأننا لسنا على علم بما حصل، قبل أن «يمجد» ظهرا بإنجاز فرع المعلومات، فيما تبين أن قائد الجيش العماد جان قهوجي كان يتباحث مع مديرية المخابرات في الساعات الأخيرة، بتحديد الساعة الصفر لتنفيذ عملية إطلاق سراح الأستونيين السبعة، في ضوء تحديد مكان احتجازهم، وبالتالي فـــان ما فعـله الفرنسيون يطرح السؤال: هل نسقوا مع احد الاجهزة الامنية اللبنانية من دون ابلاغ بعــض المعــنيين سياسيا بهــذا الملــف؟ وذلــك يؤكــد أن التنــسـيق الرســمــي الفــرنسي مع الدولة اللبنانية عبر مؤسساتها المعنية كان مفقوداً، وان تذرع الفرنسيون «بوجود شرط متبادل بين الفرنسيين والخاطفين على أن تبقى العملية سراً تفاوضاً وإفراجاً».

وحسب المعلومات تصرف الفرنسيون في الصباح على أساس أنها «عمليتهم» فيما كانت الصدمة تغمر وجوه معظم الوسط العسكري والأمني اللبناني، ولم يتردد مسؤول أوروبي كبير في بيروت في القول صباحا «هذا إنجاز مخابراتي فرنسي بامتياز»، مضيفا أنه تم تحرير الأستونيين السبعة بعد جهود مضنية للمخابرات الفرنسية، في ضوء تفويض حصلت عليه فرنسا من وزير الخارجية الأستوني اورماس الذي كان قد طلب في زياراته السابقة مساعدة أوروبية في البحث عنهم فقدمت فرنسا خدماتها «وخصوصا أن لها جهازا امنيا قويا جدا في لبنان» على حد تعبير المسؤول الأوروبي نهارا

غير أن الكلام الفرنسي تبدل بعد الظهر، وهو ما بدا جليا في احتفال قصر الصنوبر بالعيد الوطني الفرنسي، حيث كان السفير الفرنسي يشيد بالتعاون الأمني اللبناني وبالتنسيق بين استونيا ولبنان وبأدوار أوروبية، حتى كاد يقول أن دور بلاده كان مجرد صندوق بريد مهمته نقل الأستونيين من سهل الطيبة الى بيروت!
وتشير المعلومات الرسمية الى أن الفرنسيين «أعطوا التزاماً بعدم الكشف عن مجريات التفاوض وعن هوية الخاطفين، وأيضاً التزم الخاطفون بعدم الكشف عن تفاصيل ما جرى، مع إلزام الأستونيين بعدم الإدلاء بأي معلومات جوهرية تتصل بعملية الافراج، من دون إغفال أن تكون الدولة الأستونية شريكة في العملية، بدليل زيارات وزير خارجيتها المتكررة إلى بيروت في إطار صرف الانظار عن حقيقة ما يحصل في الغرف المغلقة».

وتؤكد المعلومات «قيام الفرنسيين بمفردهم بالعملية وحصرها بهم وإبعاد الأجهزة الأمنية اللبنانية، بما فيها فرع المعلومات، الذي عمم لاحقا معلومات مفادها أنه كان ينوي مداهمة موكب الخاطفين اثناء توجههم للافراج عن الاستونيين السبعة، علما أن ماكينة اعلامية وسياسية حاولت الترويج ان الافراج تم في بلدة عرسال ومن ثم في سهل الطيبة قرب بريتال، بما لكل من المكانين من رمزية سياسية وطائفية واضحة.. فيما كان جهاز أمني لبناني يسرب أن الخاطفين يتمتعون بغطاء سياسي، في محاولة لتبرير قيام الفرنسيين بمفردهم بهذه العملية «.

ولا تغفل المعلومات الرسمية جانبين أساسيين في عملية الافراج، الأول، إيجابي يتمثل بأن هذه العملية التي شغلت لبنان على مدار نحو أربعة أشهر انتهت بالافراج عن المخطوفين سالمين. والثاني، سلبي كون عملية الافراج تمت عبر انتهاك الســيادة الوطنية.
وتفيد المعلومات أن مجرد القول بأن جهازا أمنيا ما كان على علم بالعملية وشريكاً فيها، هدفه ابعاد تهمة خرق السيادة الوطنية، وهو أمر لا يمكن القبول به، «لأن الجميع يعلم بأنه لم يكن هناك حضور للقوى الأمنية اللبنانية خلال الافراج عن المخطوفين».

وتشير المعلومات إلى أن «ما حصل على صعيد الأستونيين السبعة يفتح الباب واسعاً أمام تكهنات كثيرة أبرزها ما الذي يمنع قيام جهاز أمني غير لبناني بتنفيذ عملية أمنية على الأراضي اللبنانية تؤدي إلى خطف لبنانيين من دون علم أي جهة رسمية لبنانية، وهل ما حصل هو تشريع لاستهداف كوادر في المقاومة أو غيرها بعمليات أمنية سرية مماثلة، لأن لبنان على ما يبدو أصبح مستباحاً إلى هذه الدرجة من التسيب من دون اتخاذ أي إجراء يعيد الاعتبار لهيبة الدولة اللبنانية».

وتضيف المعلومات «ما حصل هو انتهاك فاضح للسيادة اللبنانية، وما جرى يمكن تشبيهه بما فعله الأميركيون في باكستان حين قتلوا اسامة بن لادن وأخذوا جثته من دون علم الدولة الباكستانية ورموها في البحر، وكذلك فعل الفرنسيون على الأرض اللبنانية ولكن بفارق ان للأميركيين قواعد عسكرية في باكستان وأفغانستان وليس للفرنسيين أية قاعدة عسكرية في لبنان».

وتسأل مصادر رسمية «هل المفاوضات التي أجراها الجانب الفرنسي كانت بالتنسيق مع الدولة اللبنانية أو أقله كانت على علم بها، وهل تم دفع فدية للخاطفين، وما هي قيمتها وهل الاتفاق الذي أنجزه الخاطفون مع الفرنسيين سيحميهم من الملاحقة القانونية، وهل الاتفاق بين الفرنسيين والخاطفين بمعزل عن الدولة يحمي الخاطفين من الملاحقة بضمانة الفرنسيين علماً ان الخطف تم على الأرض اللبنانية»؟.

وختمت المصادر الرسمية بالتساؤل عما اذا كان هناك رابط بين حركة السفيرين الأميركي والفرنسي الأخيرة في سوريا وبين عملية الافراج عن الاستونيين السبعة، التي أظهرت الفرنسيين ومن شارك معهم (قال وزير خارجية استونيا ان الألمـــان والأتراك شاركوا مع الفرنسيين في العملية)، وكأنهم يتحركون عمليا في العمق الأمني السوري وليس فقط اللبناني، ثم لمصلحة من تضع فرنسا نفسها في موقع القادر على عقد الصفقات الملتبسة وبحرية تامة؟

ووصل الأستونيون إلى مطار بيروت في سيارتي رانج وسط تدابير أمنية مشددة، يرافقهم وزير الخارجية الأستوني أورماس بايت ووزير الخارجية اللبناني عدنان منصور، وتوجهوا إلى الطائرة عبر صالون الشرف الرئيسي متوجهين إلى بلادهم من دون الإدلاء بأي تصريح.

السابق
النهار: الحرية للأستونيين والهدايا في المفاوضات السرية عنوانان لشريطي تسجيل أدّيا إلى إنجاز الصفقة
التالي
الاخبار: توافق على التعيينات على أن تُستكـمل الاثنين