تصفية فرع المعلومات!

لم يكن النائب نواف الموسوي وهو يسمّي العقيد وسام الحسن متهما إياه بتسريب أسماء المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري ليكشف سرا، فالعقيد الحسن وسواه من رؤساء الأجهزة الأمنية وعشرات الموظفين وبعض القضاة الذين اطّلعوا على الأسماء، لم يكن بإمكانهم كتمان هذه المعلومة التي تشكل صيدا ثمينا لوسائل الإعلام المتلهفة بعد ست سنوات على بداية التحقيق الدولي لمعرفة هوية المتهمين باغتيال الحريري.

والنائب الموسوي كما قيادات حزب الله الذين اتقنوا فن التسريب كلما دعت حاجتهم إليه يدركون أنّ تركيز الهجوم على المحكمة الدولية من زاوية التسريب، بات مادة لا يمكن الاعتماد عليها لضرب صدقية المحكمة، ولو كانت هذه المادة فاعلة لوجب محاكمة حزب الله في كل ما سرّبه من معلومات حول المحكمة وحول قضايا التجسس التي كانت تجد طريقها إلى مانشتات الصحف الحليفة بعد ساعات على اكتشاف العملاء، ليعود القضاء اللبناني لإصدار الأحكام من دون أن تتمكن أي جهة مستقلّة من الطعن في المحاكمات فقط لأن مضمون التحقيق قد تم تسريبه.

ولا يخفى على أحد أنّ حزب الله أعدّ، نظريا، خطة لتصفية فرع المعلومات، وهو يستعد اليوم لتنفيذ هذه الخطة تحت أنظار الرئيس نجيب ميقاتي، وما كلام الموسوي في الجلسة النيابية إلا لطرح موضوع فرع المعلومات على طاولة مجلس الوزراء استكمالا لتنفيذ الخطة قبل أن يدهم الوقت هذه الحكومة، أو قبل أن تكبر كرة الثلج المتدحرجة والمتجهة بسرعة نحو الحليف ميقاتي، الذي، وإن كان حزب الله يبدي الاستعداد لحمايته، إلا أنه أيضا يريد من خلال حكومته تمرير مشروع تصفية الحالة التي أوجدتها 14 آذار منذ العام 2005.

لماذا فرع المعلومات؟

ربما تجيب عن هذا السؤال الجلسات الأربع التي جمعت الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله باللواء أشرف ريفي والعقيد الحسن في تشرين الأول من العام 2005، والتي كان موضوعها الطلب إلى حزب الله التعاون مع التحقيق الذي أدى إلى خلاصات أولية في قضية خلية الهواتف الخلوية،

أو ربما تجيب ايضا الملابسات التي أحاطت بقيام فرع المعلومات بأخذ إفادة عائلة عبد المجيد غملوش على رغم الممانعة، أو ربما تجيب حالة الغضب التي انتابت الحزب من تجرّؤ فرع المعلومات على تسليم محاضر التحقيق للجنة التحقيق الدولية وعدم وضعه في الأدراج، أو ربما تجيب أيضا وأيضا واقعة رصد فرع المعلومات بعض التفاصيل المهمة التي كانت مادة أوليّة قدمت إلى لجنة التحقيق التي انطلقت منها لاحقا، والتي أصبحت نواة القرار الاتهامي؟

لم يعرف إلى اليوم لماذا لا يسلّط حزب الله الضوء على تلك اللقاءات وما تخللها، ولماذا اكتفى بتظهير مشهد سعد الحريري وهو يتمنّى على السيد حسن نصرالله تسليم الأفراد المشتبه فيهم، بحيث يتم الاتفاق على اعتبارهم مجرّد أفراد، هذا علما أنّ هذا المخرج كان سبق للحزب أن سمعه من بعض المعنيين جدا، وفي العام 2005 تحديدا، ولكنّه يومها فضّل ولا يزال خوض معركة الدفاع عن كل المتهمين وكأن كلا منهم يختصر الحزب وكل قياداته.

وإلى أن يحين أوان نشر تفاصيل القرار الاتهامي، فإنّ ما حصل في تشرين 2005 سيبقى برسم الحزب وبرسم فرع المعلومات، لكنّ الواضح أنّ تلك الفترة أسست لرغبة في الانتقام من هذا الفرع ومن ضبّاطه ومن قيادته، وما ستقوم به حكومة ميقاتي إذا قرّر رئيسها خلع ورقة التوت، سوف يندرج في خانة الانتقام من فرع المعلومات، ولأسباب كثيرة، لكنّ أكثرها وضوحا دور هذا الفرع في كشف الخيوط الأولى لجريمة اغتيال الحريري، والجرائم التي استعمل منفذوها الهاتف الخلوي بدءا من ملف مروان حماده، وانتهاء بملف الياس المر.

وما يعرفه حزب الله جيدا أنّ الوصول إلى هدف تصفية فرع المعلومات سوف يمرّ حكما على رصيد الميقاتي لكي يستنفد منه ما أبقت عبارة مبدئيا فيه ولو متآكلا، فهل سيبتدع الحزب "آلية مبدئية"، لتحويل فرع المعلومات إلى شعبة؟ وهل سيحاول أن يمرّر مشروع قانون في مجلس النواب لكي يعدل في قانون قوى الامن الداخلي، بحيث يضع فرع المعلومات بإمرة وزير الداخلية، أم سيحاول عبر ملء الشغور في مجلس قيادة قوى الأمن أن يحرج اللواء ريفي… ليخرجه؟

السيناريوهات كثيرة لكنّها تبدأ بوضع رئيس الحكومة، في مواجهة صعبة ومكلفة، حيث إنها تملي عليه اتخاذ القرار بـ"تطفيش" الرجل الذي ينال في كل استطلاعات الرأي اعلى درجات التأييد الطرابلسي وتملي عليه أيضا اتخاذ القرار بمعاقبة وسام الحسن وضبّاط الفرع على نجاحهم باختراق شبكة الهاتف المقفلة التي استعملها منفذو اغتيال الحريري. وبالطبع، لن تنقص الرئيس ميقاتي الحصافة لكي يمنع المحظور طرابلسيا، لبنانيا وكذلك، دوليا!

السابق
بين 15 شعبان وشهر رمضان فرصة للوحدة
التالي
فصول مطاردة عماد مغنية