لعبة “المحبوسة” حبس بلا تهمة!

محبوسة، فرنجية، مغربية، واحد وثلاثون.. تتعدد الأسماء وتبقى الحماسة التي يبديها بعض الشباب لطاولة الزهر (النرد) واحدة. منهم من يعتمد في اختيار نقلات أحجارها على الحنكة والدهاء، وآخرون على الحظ. أيا تكن الخلفية، يبدو أن الحماسة التي تثيرها طاولة الزهر، لا تقل حرارة عن اشتداد الصيف، فتحل ضيفة شرف على معظم طاولات المقاهي، مستقطبة حولها الكثير من المتبارين، في ظاهرة جديدة، على اعتبار أن هذه الهواية كانت في العادة تستقطب المتقدّمين في السن، وبعضهم كان يقول إنها من اختصاص المتقاعدين.

منذ صغرها تهوى باولا الست (20 عاما) لعب طاولة الزهر قبل أن تتقن خفاياها، فكانت تكتفي بتعقّب حركات يد والدها وهو يرمي "الزهر" أو ينقل الاحجار. "طوال طفولتي، كانت تلتئم الاسرة حول هذه اللعبة، ولا سيّما في المساء عندما يتسلل الملل إلى سهراتنا. لذا، كبرت على هذا المشهد المألوف". لا تخجل باولا بهوايتها، على رغم استغراب بعضهم لها، "أكثر ما يزعجني نظرات بعضهم حين نجتمع وأصدقائي على لعب الطاولة في أحد المقاهي".

تعتبر باولا أن في إمكان المرء تعلم الكثير من خلال ممارسته هذه الهواية: "في الدرجة الأولى يطول صبره، يمرّن ذكاءه، يوسع آفاق تصوره، ويصبح محبا للتحديات والمنافسة". كما تلفت إلى أنها لا تتردد في الانتظار ساعات طوالا أمام الطاولة حتى تحقق النتيجة المرضية.

تجيد باولا لعب "المحبوسة" إلا انها تفضل "الفرنجية"، "إعتدت لعبها منذ صغري، ولا سيما انها لعبة جدي المفضلة، فكنت أيضا أراقبه وهو يمارسها مع رفاقه".

من جهته، يهوى جيمي ساسين (27 عاما) جلسات المقاهي صيفا، لطلب النارجيلة ولعب "المحبوسة": "غالبا ما نجتمع حول طاولة الزهر، فتكثر التحديات والرهان بيننا، وكلما طالت الجلسة ارتفعت وتيرة التحديات على مبالغ مالية، إلى حد قد تقودنا إلى خلافات ولا سيما عندما يجبر الخاسر على تسديد المبلغ".

لا شك في أن المنافسة على مبلغ من المال تزيد حماسة المتبارين وروح التحدي بينهم، إلا أن جيمي يرفض مشاركة أحد يراهنه على النقود، فيقول: "تثير طاولة الزهر تحدّي المرء لقدراته، والتركيز على اللعب من أجل الفوز بحفنة من المال يشتت المرء ويفقده تركيزه، كما يفقد طاولة الزهر لذتها".

يرفض جيمي اعتبار طاولة الزهر مجرّد وسيلة لملء الوقت الضائع، ولا سيما أنها، على حد تعبيره، "تحتاج إلى التركيز والتفكير". من هنا، لم يتردد في أن يطلق عليها اسم "اللعبة الذكية".

يدمن… "المحبوسة"

"ماذا لو كنت مدمنا "المحبوسة" وليس لديك طاولة زهر في المنزل؟" سؤال يطرحه وسيم رزق (24 عاما)، موضحا: "لم يكن لدي أدنى فكرة عن طريقة لعب "المحبوسة" نظرا إلى عدم توافر طاولة الزهر في المنزل، إلا أنني في تردّدي مع أصدقائي إلى بعض المطاعم، وجدت أنّها تقدم كخدمة مجانية يمكن الاستمتاع بها".

على رغم أنه تعرف إلى هذه اللعبة أخيرا، باتت لطاولة الزهر محطة يومية في حياة وسيم، فيقول: "صحيح إنها هواية جديدة تسللت إلى حياتي، إلا انها سرعان ما نجحت في حبس أنفاسي، وتعلقت بها، فصرت أضرب معها موعدا يوميا".

وما زاد من تعلق وسيم بطاولة الزهر، تنوّع ألعابها وتعددها: "أشعر وكأن طاولة الزهر رواية كلما غصت بها قادك فضولك إلى قراءة المزيد للتعرّف إلى فصولها ومكامنها".

تمارس تالي طانوس (19 عاما) لعبتها "الفرنجية" المفضلة في حذر وخجل من كلام الناس "الذي لا يرحم على حد تعبيرها"، فتقول: "حبذا لو ينهمك الشباب في لعب الطاولة ألف مرة من التلذذ في النارجيلة أو الثرثرة على غيرهم، ولكن، المؤسف، أنّ مجتمعنا يقيّد الشابة في صورة نمطية يصعب الخروج منها، وكأن طاولة الزهر حكر على الشبان".

حيال الاستغراب الذي يبديه كثيرون، تجد تالي أن الالتقاء بصديقاتها في المنزل للتبارز أفضل حل للتهرب من الانتقادات اللاذعة، "قد تختلف الآراء من بيئة إلى أخرى، ولكن طاولة الزهر تلقى رواجا بين الشابات، ولا سيما أنها تنمّي فيهن روح التحدي لمنافسة الجنس الآخر".

"خدمة مجانية… ولكن!"

من جهته، يؤكّد إميل بربري مالك أحد المقاهي في منطقة البترون، أن الصورة النمطية عن طاولة الزهر تبدلت، "إدمان الشباب طاولة الزهر أمر طبيعي، إلا ان الشابات بدأن يطلبنها ولو بخجل". ويتابع: "ما يثير استغرابي ويضحكني ان معظم زبائن الطاولة شابات لا تتجاوز أعمارهن الثلاثين".

في ضوء إشرافه اليومي على المقهى، يلفت بربري إلى أن "طاولة الزهر تحولت إلى جزء لا ينفصل عن جلسات الشباب، وما يزيد إقبالهم عليها انها خدمة مجانية، ولكن في المقابل تحصّل لنا الكثير من الارباح". ويضيف: "جلسة لعب الطاولة لا تكتمل من من دون طلب النارجيلة وشرب كأس، وما يشعل جلساتها هو التحديات التي يفرضها اللاعبون، وهذا ما يستقطب المزيد من الرواد".

لا ينكر بربري ان معظم رواد المقهى يملكون طاولات زهر، "ولكن اللعب في الأماكن العامة يضفي نكهة خاصة على الاجواء وحماسة لا يمكن توافرهما في المنزل وضمن أفراد العائلة".

لا شك في ان طاولة الزهر تزيد من رواد المقاهي، وتقدّم في معظم الأحيان مجانا. ولكن يبقى السؤال: ماذا لو تحولت المحبوسة حبسا طويلا بلا تهمة أو هوسا وحالا من الإدمان؟ فهل ستبقى رهاناتهم معقولة؟

السابق
Macho…هل أنتَ هو؟
التالي
يوم بيئي لجمعيّة الشبّان المسيحيّة