المستقبل يواجه المفـتي… بخجل

يُردّد عدد من مسؤولي تيّار المستقبل الكثير من الانتقاد إلى مفتي الجمهوريّة الشيخ محمد رشيد قباني، من دون أن يُترجم هذا الانتقاد إلى كلام شعبي على أرض الواقع، رغم وجود الكثير من الاحتقان في العلاقة بين الطرفين

لا يزال المسؤولون في تيّار المستقبل لا يعرفون تمام المعرفة كيف رُتّب اللقاء بين مفتي الجمهوريّة الشيخ محمّد رشيد وبين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في العاشر من تموز 2010. منذ ذلك الوقت، بدأت شكوك المستقبليّين تجاه قباني تتزايد. بعضهم رأى حينها أن زيارة قباني لا تتجاوز القيام بواجب اجتماعي هو التعزية بوفاة المرجع الديني السيّد محمّد حسين فضل الله (وهذا هو العنوان الذي أُعطي للقاء من الجانبين). لكنّ جزءاً آخر في تيّار المستقبل وجد أن في اللقاء قطبة مخفيّة لم يفهمها بوضوح حتى اللحظة، خصوصاً أن قباني قام بواجب التعزية مرتين في الضاحية الجنوبيّة عند رحيل فضل الله.

مرّت شهور هادئة. نسي كثيرون كلّ الملفّات التي أثيرت حول المفتي ودار الفتوى. معارضو المفتي يقولون إن الرئيسين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي عملا على إقفال هذا الملف، فيما تُشير بعض مصادر دار الفتوى إلى أن التقرير المالي موجود بين يدي السنيورة منذ أكثر من ستة أشهر وهو لم يُصدره بعد، لأن هذه الملفّات تُشير إلى عدم وجود فساد في دار الفتوى. بقيت العلاقة بين المفتي وتيّار المستقبل تسير بنحو عادي في هذه الأشهر، إلى أن ضغط الرئيس فؤاد السنيورة على المفتي لعقد جلسة للمجلس الشرعي الأعلى، بعد تكليف ميقاتي ترؤس الحكومة. دُعي إلى الاجتماع في العاشر من شباط من العام الجاري. قبل انعقاد الاجتماع، كان البيان قد صيغ بلمسات واضحة للسنيورة وللنائب نهاد المشنوق. علم ميقاتي بوجود بيان قبل حصول الاجتماع. وهذه الثغرة الثانية التي لا يزال يسأل عنها المستقبليّون، إذ كيف عرف ميقاتي بالبيان وعلاقته بالمفتي مقطوعة؟

فمنذ أن بدأت إثارة الملفّات الماليّة لدار الفتوى، انقطعت العلاقات بين المفتي وميقاتي، إذ لم يعد يُجري رئيس الحكومة اتصاله الدوري بقباني كلّ شهر، «وكلما التقى بالمفتي في لقاء عام، بادر ميقاتي إلى إبلاغ المفتي بضرورة اللقاء، وفي مرّة ردّ عليه المفتي بحدّة: كل مرّة تقول هذا الشيء». إذاً، مع انقطاع الاتصال الهاتفي كيف عرف ميقاتي؟ تؤكّد مصادر مطّلعة أن المفتي بادر إلى الاتصال بأحد الأصدقاء المشتركين مع ميقاتي، وهو محامي، وأبلغه بالأمر. دخل المفتي على خطّ البيان وعدّل فيه.

أمّا انكسار الجرّة بين المفتي وتيّار المستقبل، فحصل يوم طلب الرئيس فؤاد السنيورة من المفتي دعوة المجلس الشرعي إلى الانعقاد خلال جلسات الثقة، «لسحب البساط السني من تحت ميقاتي»، لكنّ المفتي لم يدعُ إلى هذه الجلسة بسبب العطلة الصيفيّة للمجلس الشرعي. ثم جاء كلام المفتي عن رفضه لتسييس المحكمة الدوليّة، وتحذيره من الانزلاق إلى فتنة سنيّة ـــــ شيعيّة. وقبل «انكسار هذه الجرّة»، التقى السنيورة والنائبة بهيّة الحريري، كلّ على حدة، مع وفد فلسطيني تحت عنوان تجاوز المشكلة التي نشأت بين الفلسطينيين والمفتي على خلفيّة اجتماع حصل بين الجانبين لبحث ملف أراضي الداعوق، «من دون أن يُجري أي من السنيورة أو الحريري اتصالاً بالمفتي لسماع وجهة نظره، في تجاوز واضح وغير مقبول له» بحسب مصادر معنية بالملف.

بعد ذلك، بدأت جريدة «المستقبل» بتمرير بعض الرسائل ضدّ المفتي، وإلى جانبها بعض الهجوم السياسي من عدد من مسؤولي المستقبل الذين باتوا يُردّدون أن المفتي انضم إلى فريق 8 آذار، فيما يتهمه آخرون برهن دار الفتوى مالياً لهذا الفريق. لكن بعض الواقعيين في تيّار المستقبل يقرأون الأمر من زاوية أُخرى: تتبع دار الفتوى حكماً إلى رئاسة الحكومة، «وللأسف فإن نجيب ميقاتي هو رئيس الحكومة». كذلك يؤكّد أحد المسؤولين في المستقبل أن التواصل مع المفتي مستمر، «وهو مفت لطائفة وليس لحزب ونحن ما زلنا ندعمه في موقعه».

لكن هذا الهجوم السياسي على المفتي لم يتمدّد بعد إلى القواعد الشعبيّة للمستقبل. فلا يُسمع في البقاع أو الشمال أو بيروت انتقاد شعبي يُذكَر للمفتي، بل لا يزال الرجل، ودار الفتوى محافظين على موقعهما.

وبحسب مصادر مطّلعة على العلاقة بين دار الفتوى وتيّار المستقبل، فإن الرئيس سعد الحريري أو أيّ من فريقه السياسي يُخطئ إذا ما قرّر افتعال معركة مع دار الفتوى، لأنه سيخسر هذه المعركة حكماً. وبحسب هذه المصادر، فإن الحريري يخوض اليوم معارك على جميع الجبهات: في الداخل اللبناني، مع الحكومة، ومع ميقاتي، ومع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، ومع حزب الله، ومع الرئيس نبيه برّي، وفي الخارج اللبناني، مع سوريا؛ انطلاقاً من هنا، فإن افتعال معركة جديدة مع مكوّن أساسي في الطائفة السنيّة، سيكون قاتلاً للحريري، خصوصاً أن دار الفتوى قادرة على التأثير بقوة على الرأي العام، انطلاقاً من انتماء غالبيّة أئمة المساجد إلى دار الفتوى والتزامهم بتوجيهات الدار الأسبوعيّة.

وهنا، يلفت البعض إلى أن دار الفتوى تسير بخطى ثابتة على طريق المأسسة، وإحدى أهم المؤسسات التي يجري إنشاؤها هي مؤسسة ستكون مسؤولة عن التواصل بين رجال الدين.
تُضيف المصادر أن الحريري استفاد كثيراً في السنوات الخمس الأخيرة من أئمة المساجد، إن في الانتخابات النيابيّة أو في التحرّكات الشعبيّة. وإذا قرّر اليوم خوض معركة مع هؤلاء فإنه سيخسر هذه المعركة. لذلك، فإن هذه المصادر لا تتوقّع أن تتطوّر «نقزة» الحريري وفريقه من المفتي، كما لا تتوقّع أن تُترجم «الأحقاد والاتهامات التي تُكال له في المجالس الخاصّة» إلى أفعال وأقوال على أرض الواقع.

السابق
عضو كتلة المستقبل رياض رحال أكد أن الحريري يعمل لإنقاذ وأنصح ميقاتي بالاستقالة من حكومة يرأسها نصرالله
التالي
توتال للتنقيب عن النفط؟؟