قرار أيلول المرتقب لن يغيّر حقيقة الاحتلال

بعد أن راهن العرب والفلسطينيون طويلاً على خيار السلام والمفاوضات، وبعد أن استنفدوا جميع الاحتمالات، والمبادرات والوعود، وأشكال التفاوض التي لا تفضي إلى حلول بل إلى أزمات، او مفاوضات تلي مفاوضات، بعد ذلك كله كان لا بد من خيار يجنبهم حرج اعلان فشل مساعي السلام ، خاصة وانهم لا يملكون خياراً آخر.

من حق الفلسطينيين أن يتوجهوا للأمم المتحدة، للحصول على اعتراف دولي يقر بحقهم في إقامة دولتهم، في حدود 67، رغم انهم يصطدمون سلفاً بالموقف الأميركي، الملتزم بالموقف الإسرائيلي، والداعي إلى الاستمرار في متاهة المفاوضات، التي لم تعد الرعاية الأميركية، عملياً تقدم لها أكثر من النصح بالالتزام بالشروط الإسرائيلية، رغم الموقف الشفوي للرئيس الأميركي الذي يتحدث عن دولة فلسطينية وحلول لم تعد الولايات المتحدة قادرة على تقريبها.

واللجنة الرباعية، التي استخدمت كآلية، ومظلة دولية أوسع لمتابعة الحل السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هي الأخرى، تطالب الفلسطينيين بالالتزام بشروط الرباعية، التي تبدأ بالاعتراف المسبق بإسرائيل، وعزل قوى المعارضة الفلسطينية، باعتبارها معادية للدولة الصهيونية، فالفلسطينيون، بعد أن يأسوا من الموقف الإسرائيلي، وعقم المفاوضات، وفشل الرعاية الأميركية في تقريب الحل، يتوجهون للجمعية العامة لاستصدار قرار، يدعم حقهم في إقامة دولتهم، في مساحة تقل عن نصف ما منحهم إياه قرار التقسيم رقم 181، وهذا سيعطيهم قرار دولي اضافي يعزز مطالبهم المشروعة ولكنه لن يقيم لهم دولة، ما دامت الآلية التي تخدم تنفيذ هذا القرار وهي مجلس الأمن محكومة بالفيتو الأميركي، والرفض الإسرائيلي، المعطل لمفعول هذا القرار.

الذهاب للأمم المتحدة يعني أن العرب لم ييأسو بعد من الحل السلمي، ولهذا يذهبون إلى الأمم المتحدة، رغم إن طريقها نف سالكة ، فقرار دولي لا ينفذ، ينتهي إلى قرار في الأدراج رغم قوته المعنوية.

العالم ليس جاهزاً بعد لمواجهة إسرائيل واجبارها على قبول قرارات الشرعية الدولية، والغرب يريد حلاً بدون ضغوط على إسرائيل، وإسرائيل تعمل على فرض شروطها، بوقائع استيطانية، وكتل بشرية يهودية تزرعها في الأرض المحتلة، وحصار على الفلسطينيين لغلق باب الأمل في إقامة دولة فلسطينية على أي جزء من ارض فلسطين والغرب يزود إسرائيل بآلة التفوق العسكري، ويمول جزءاً كبيراً من مشاريعها الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة تحت زعم انه يشجعها على السلام، بينما عملياً يقوم بدعم وتثبيت الاحتلال.

وهناك من يجادل ان صدور قرار من الامم المتحدة، سيعنى الانتقال من صيغة شعب تحت الاحتلال، الى صيغة دولة تحت الاحتلال، ليصبح الصراع بين دولتين؛ ونقول الم يكن الصراع بين مصر واسرائيل صراعاً بين دولتين، والصراع بين اسرائيل التي تحتل اراضي سورية ايضاً بين دولتين، وكذلك لبنان، ثم ان الصراع كان في الاساس بين اسرائيل والاردن، فالضفة عندما احتلت كانت جزءاً من اراضيه، ومع ذلك، لم يبادر المجتمع الدولي لفرض إرادته بإنهاء الاحتلال، بل زاد مساهمته في تمويل اسرائيل وتسليحها والتعاون معها.

والقرار بالتأكيد، يقوي مشروعية مطالب الفلسطينيين بإقامة دولتهم ، لكنه لا يغير من طبيعة الموقف، او شكل الصراع، وقد يوهم الفلسطينيين انهم حققوا انتصاراً ما، يعفيهم من اعلان فشل تحقيق السلام من خلال المفاوضات.

ربما يكون لهذا القرار معنى، لو انه عزز بخيار المقاومة من اجل اقامة الدولة لكن فصائل المقاومة، تقبل اقامة الدولة مرحلياً دون الالتزام، بالاعتراف بدولة اسرائيل او المشاركة في التفاوض، لتجنب التنازل عن الحق التاريخي في فلسطين مما يعزز موقف اسرائيل الرافض للدولة الفلسطينية، والمعطل لجهود السلام، ويبرر تفهم دول الغرب لموقف اسرائيل المتشدد من السلام.

لا يمكن حل القضية الفلسطينية سلمياً بدون برنامج وطني فلسطيني لا لبس ولا انقسام فيه، يلتزم باقامة الدولة في حدود عام 67، وبدون احياء البعد العربي للقضية، واستخدام الثقل العربي لايجاد تحرك دولي فاعل ومساند للشرعية الدولية والسلام، يساعد في اخراج الأمم المتحدة من حالة الاستحواذ المؤيد لمواقف اسرائيل.

قرار ايلول المرتقب، محاولة التفافية اخرى بعد فشل خيار المفاوضات، تقودنا الى حقيقة مرة: ان كافة الطرق الالتفافية تقودنا الى الاصطدام بموقف الاحتلال الاسرائيلي ، المتشبث بتهويد الأرض وتعطيل خيار السلام .

السابق
حوران البداية والنهاية!
التالي
الحوار السوري: في المنهج