الحريريون يتخبطون والميقاتيون يتحصنون

يحلو لمرجع سياسي كبير ان يتندر على ما يسميها «الشيخوخة المبكرة» التي بلغتها الحريرية السياسية، فيقول «لم تعد تنفع اية مستحضرات تجميلية في اخفاء «التجاعيد السياسية» التي باتت ظاهرة بوضوح شديد على وجوه البعض».. والمقصود هنا سعد الحريري.

يمتلك المرجع السياسي من الاسباب ما يجعله يذهب باكرا الى اسقاط هكذا استنتاج «واقعي لا افترائي» على الحالة الحريرية، فثمة مسار طويل من السقطات المتتالية منذ العام 2005، ويكشف انه أرسل يوما رسالة بهذا المعنى إلى «مرجع نافذ» في فريق الحريري يقول فيها ما حرفيته «إنكم تقفون على حافة الهاوية.. ويبدو أن احدهم قد قرر أن يسبقنا جميعنا ويذهب إلى التقاعد المبكر».

يقر قيادي في «تيار المستقبل» بوجود ازمة حقيقية ضمن الحالة الحريرية. لكنه يرفض الخوض في تفاصيلها، فيما يشير أحد الكوادر الى أنه ليس خافيا أن ثمة صراعا على النفوذ ضمن الحالة الحريرية منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري حتى الآن، وأحيانا يتقدم هذا وأحيانا يتراجع فلان، والمهم أن الفراغ الحاصل هو الذي يشجع «الطامحين» على محاولة حجز مقعد في الصفوف الأمامية، فهل يمكن تفسير جولات رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الى كل من مصر والسعودية، اذا لم تكن منسقة بالكامل مع زعيم تيار المستقبل، وماذا يفعل بعض النواب المخضرمين عندما يطلبون مواعيد في المملكة العربية السعودية، ويعودون الى بيروت ويحاول بعضهم النطق باسم المملكة العربية السعودية. هذا كله واقع ليس عاديا.

يستند البعض من القيادات الزرقاء، الى وقائع جلسة الثقة «فقد تمكنا من تحقيق مجموعة نقاط لمصلحتنا، وهم منحونا مجموعة نقاط لمصلحتنا، ولا سيما من خلال الثقة الهزيلة التي نالتها حكومة نجيب ميقاتي، وايضا من خلال الارباك والتخبط اللذين تعانيهما والتناقض بين مكوناتها، وفي الخلاصة نحن جسم كامل وهم حكومتان».

لقد اعلن الحريريون ومعهم حلفاؤهم في 14 اذار ان اسقاط الحكومة هو هدف فوريّ، وفي سبيله سيبذل كامل الجهد السياسي والبرلماني والاعلامي بما لا يعطي الحكومة الميقاتية اية فترة سماح او يمنحها اية فرصة لالتقاط انفاسها، الا ان الملاحظ في الآونة الاخيرة هو انتفاء صفة الفورية، وفي المقابل، بدأ يتنامى في اوساط الحريريين الحديث حول ان تحقيق هدف اسقاط الحكومة الميقاتية قد لا يكون قريب المنال. واما السبب فمرده ليس الى وجود نقاط ضعف كثيرة ضمن هذا الفريق تحول دون تحقيقه، بل الى ان هذا الاسقاط هو عملية تراكمية «ولم نقل اننا سنسقط الحكومة بالضربة القاضية، بل سنسقطها بالنقاط، ونحن كما نعتمد على انفسنا في تسجيل تلك النقاط ، فإننا في الوقت نفسه نعتمد على الفريق الآخر ليمنحنا الكثير منها ويوفر علينا التعب والعناء».

من هنا، تندرج اطلالة الحريري عبر محطة «ام تي في» في سياق الهجوم المبكر على الحكومة الميقاتية، الا انها قد تبدو ايضا اطلالة بمفعول رجعي بعد الفجوة الكبرى التي ظهرت بين بيان البريستول وبين خطابات جلسة الثقة، ويراد من خلالها محاولة اعادة تثبيت الحضور في قلب المشهد ومحاولة تعبئة الفراغ الهائل ولو من خلال «الاقمار الصناعية»، عبر الايحاء بأن منهجية الصدام التي بدأت في البريستول واستمرت وان بخفوت في جلسة الثقة ستبقى في ذروة تصاعدها.

لكن اطلالة الحريري بعد طول غياب تضعه في مواجهة الاسئلة التالية:
÷ بعد الانقلاب الدرامي في الميزان السياسي اللبناني، هل ان الحريري يمتلك القدرة والامكانات والمؤهلات لقيادة المعارضة في وجه الحكومة الميقاتية، واسقاطها تمهيدا لاسترداد السلطة التي أخرج منها؟

÷ هل اتاح غياب الحريري له ان يحدد «بنك الاهداف» في الزمن الميقاتي الجديد، وتحديد نقاط الصدام معه ورسم خارطة الطريق ليوميات المواجهة؟

÷ اذا كان الهدف من وراء هذه الاطلالة هو اثبات القدرة على قيادة المعارضة ضد الحكومة الميقاتية، فأي وسائل ستعتمد هذه المعارضة، فهل ستكون عبر اعتماد المشاغلة السياسية للحكومة الميقاتية وتفجير الملفات الواحد تلو الاخر؟

÷ وهل ستكون باعادة استحضار الخطاب التحريضي الذي اثبت في الزمن الحريري انه سيف ذو حدين، وبالتالي تكرار اللجوء الى استخدام الاحتياط الطائفي والمذهبي، ومحاولة دفع الجمهور السني لكي يكون جزءًا من معركة الحريري عبر حمله على التفاعل سياسيا ومذهبيا مع بيان البريستول ومع الجرعة الاتهامية التي وفرها القرار الاتهامي في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟

÷ هل ستستظل تلك المعارضة بالمجتمع الدولي وتتوسل قيامه بخطوات كبرى ضد الحكومة؟
÷ هل ستراهن على خطوات ووعود يقال انها مقطوعة للحريري من قبل الحكومات العربية؟

÷ هل من علاقة بين توقيت اطلالة الحريري واستعداد مجلس الوزراء لاقرار أول سلة تعيينات وهل يريد الحريري أن يضع الحرم على من تسول له نفسه مجرد التفكير بتشكيل عبد المنعم يوسف.
في المقابل، يقول الميقاتيون «ان الفريق الآخر قلق من قدرة الحالة الميقاتية على طي الصفحة السابقة، وعلى التقليل من حضور اصحابها ضمن المشهد السياسي العام، ولذلك نحن ندرك ان الحريريين وحلفاءهم سيحاولون حرف الحكومة الميقاتية عن جدول اعمالها الاساسي، في اتجاه جدول اعمال جانبي جوهره اخذها الى منطقة الاشتباك اليومي والهاؤها عن القيام بدورها».

من هنا، يضيف الميقاتيون، قد لا يتأخر ميقاتي في تظهير ومراكمة الخطوات التحصينية وتصعيب المهمة على المتحاملين على حكومته وبالتالي اعطاء اشارة مبكرة يؤكد من خلالها ان لعبة حصار حكومته لن تكون سهلة. ولعل جلسة مجلس الوزراء المقررة الخميس المقبل ستشكل واحدة من محطات انتاج الطاقة السياسية التي تؤمن للحكومة انطلاقة قوية. وعلى ما يعتقد الميقاتيون فإن النتائج ستظهر سريعا وبشكل متدرج وان المرحلة المقبلة ليست اصعب من المرحلة السابقة.

السابق
رحلة صاحب القلم الأبيض
التالي
الحريري معارضاً: هل سيبقّ البحصة؟