كامل جابر: البلديات تمتنع عن شراء كتاب يبّرز وجه الجنوب الحضاري

"العين تنسج مقامات الجمال" كتاب صدر مؤخرا في 99 صورة و23 نصاً، موزّعةً على 72 صفحة من الحجم المستطيل لكامل جابر، المبدع الجنوبيّ الذي حمل صليبه (كاميرته) على كتفه ومشى، مشى لوحده دون مساندة من بلدية أو جمعية أو مؤسسة، نقل بشفافية جمالا لا زال مدفونا ليس تحت التراب، بل أمام نظر البلديات التي لا تتذكر، ولو في بياناتها الانتخابية، من ضمن برنامجها الممل والمنسوخ غالبا، فقرات تدافع فيها عن حق فوزها من خلال ادعاء بحبها وانتسابها للثقافة والفن والجمال.

انها بلديات الرصف والحجر والزفت وحيطان الدعم واحتفالات التكريم. غاب الجمال من قواميس بلديات الجنوب واستقر في الخطابات الرنانة، الا ان كامل جابر نفض الغبار الكثيف، واعلنها للملء علّ المشاهدة تفتح بعض الاذهان عن كنز مدفون في حنايا القرى الجنوبية التي ما عادت تتكلم إلا لغة السياسة الاقليمية. فقد اعتاد الجنوبي ان يشدّ رحله حين يبحث عن فسحة راحة واستجمام الى بلاد الشقيقة، ويغيب عن باله ان كنوزا مدفونة تحت غبار أرضه التي حررها بدمه ما زالت خفية ومجهولة. لا أحد يسأل أو يهتم الا من يملك المعرفة، معرفة ما يمتلك من هذه الكنوز. فهل من يتعظ من مسؤولين في وزارات معنيّة؟ ومتى يُناط اللثام عن جماليات وتاريخ وحضارة تخصنا؟

في هذه الزاوية كان لشؤون جنوبية لقاء مع الفنان كامل جابر، هنا نصها:

الإصدار الرابع

1- وصولا الى هذا الكتاب، كم يبلغ عدد اصداراتك؟
هو الكتاب الرابع بعد:"ذاكرة الجنوب، عين وأثر" الصادر عام 2005 عن "الجنوب للأعمار"؛ "إقليم التفاح، العين ترصد الذاكرة" الصادر 2006 عن الاتحاد الأوروبي؛ "لبنان الجنوبي، عين تحاكي الجمال" الصادر 2008 عن وزارة السياحة اللبنانية.

2- عما يتحدث هذا الكتاب؟
يتحدث الكتاب عن إقليم التفاح جملة وتفصيلاً، عن المشاهد الجمالية، الطبيعية والبيئية، الأثرية والتراثية، المغاور والكهوف، منابع المياه والثروة الحرجية، الكروم والبساتين، الربى والوهاد والحقول، وعادات الناس ومعايشهم، مأكلهم ومشربهم، هي نماذج موجزة تحكي عن إقليم التفاح، بالصور المقترنة بالمعلومات والتعليقات.

3- وما هو الهدف من إصداره؟
الغاية من هذا الإصدار، قولبة هذه المشاهد المنتقية بدقة في أوقات ومناسبات مختلفة في كتاب ينقل للمشاهد والقارئ أهمية هذه المنطقة العزيزة من جنوب لبنان ويدلل على المواقع فيها، حتى يكاد تشبه الدليل السياحي والمعرفي، لأن الكتاب لم يقتصر على الصورة فقط، بل ترافق مع معلومات مدروسة عن البلدات ومصادر المياه وغيرها من العادات والمواقع، وترافق كذلك مع تعليقات هي بمثابة قراءة نثرية شبه شعرية رؤيوية للصورة.
نقص الامكانيات المادية

4- ألا ينوي كامل جابر إقامة معرض خاص بأعماله؟
يجب بالمعرض الخاص ان يكون معرضاً شاملاً، يبرز مختلف وجوه الصور وعناوينها، فكيف بي أن أختصر أكثر من 300 ألف صورة مثلاً تتنوع بين المشاهد الطبيعية والتراثية، الشروق والغروب، الظلال والانعكاسات والضوء، المواقع الأثرية، الوجوه، الشؤون الحياتية والعادات والتقاليد والأدوات، فضلاً عن توزع هذه الصور بين عدة مناطق لبنانية؛ في معرض واحد، الأمر يحتاج إلى عدة معارض خاصة لها أوجه مختلفة، لكن ذلك يحتاج إلى إمكانات مادية مرتفعة.
على مرأى من المرجعيات

5- ما هي الخفايا التي لم تلتقطها عين كامل جابر، وظلت تختبئ برأيك خلف هذه الصور؟
مع أنني أشعر أن ثمة اكتمالاً في تأطير الصورة وتحويلها إلى لغة من اللون والظل والضوء، حتى يكاد المشهد يخرج من الصورة ليقول كلاماً ما، لكن، ربما كان ينقص المشهد الحياة الموجودة فيه، ليت أن العدسة الفوتوغرافية لها القدرة على نقل صوت خرير الماء من جدول او شلال أو حفيف شجر، أو حتى هذا الصمت المطبق الذي يجلل الكثير الكثير من المواقع التراثية والأثرية، بانتظار لمسة تأهيل أو ترميم، لكن السائد الغالب في معظم الأحيان أن اليد التي تمتد، تمتد لتقتلع أو تقطع أو تدمر، على مرأى من المرجعيات المفترض منها حماية هذه الثروة، من مختلف الوزارات، وفي مقدمتها البلديات سببه تقصير هذه الجهات المسؤولة.

6- ماذا تقول لبلديات الجنوب بشكل عام، ولبلديات الإقليم بشكل خاص على صعيد السياحة والثقافة السياحية؟ وأين يترّكز تقصيرهم؟
أني أعتبر أن مسؤولية البلديات مضاعفة، حتى لو كان التقصير من وزارة ما، لأن البلدية هي المرجعية الأهلية التي يجب أن تحمي ما لها من ثروات. مع أنه يمكن أن تتحول هذه الثروات المختلفة إلى مصدر طاقة اقتصادية، يمكن استثمارها في السياحة وغير السياحة وجعل المنطقة محمية جمالية تُقصد من كل حدب وصوب.

غياب الإهتمام بالصورة

7- ما هي الصعوبات التي واجهتك خلال مسيرة عملك الطويلة، مع الإضاءة طبعا على صعوبات الإصدار الاخير؟
الصعوبة التي تبرز دائماً، هي كيفية حماية المشهد، أي مشهد، من غزو العبث والتدمير والتشويه والأسلاك والأنابيب، وكذلك من عدم وجود ثقافة تُعنى بالصورة، إذ يتم التعامل دائماً مع الصورة من منطلق حاجة وليس غاية، لذلك يصبح الاهتمام بالصورة موسمياً ومزاجياً، أي "وقت الحاجة". إن ما يظهر بعض الخلل، بوضوح في كتاب الإقليم، هو اختصاره بعدد قليل من الصفحات على سبيل المثال، لأن ما رسمته من خطة للكتاب، لم تنفذه الجهة الممولة بالكامل، من حيث عدد الصفحات والغلاف وبعض الضرورات التقنية التي تبرز أهميته، وهنا تدخلت شخصياً وعلى نفقتي الخاصة لتعزيز هذه الضرورات بإضافات ما.
شخصياً، لديّ إمكانات تقنية ومعلوماتية لإصدار عشرات الكتب، لكنها جميعها يحتاج إلى تمويل، وهذه صعوبة ليست قليلة.

8- لا زالت بعض المناطق السياحية الاثرية في الجنوب مجهولة (مغارة النفاخيّة مثلا)، هل ترى ان هذا الإهمال سببه وزارة السياحة؟ أم أن ثمة أسباب أخرى؟
إن الإهمال أولاً وأخيراً من عدم وجود ثقافة مواطنية لحماية هذه المواقع، إذ يستسهل المواطن تدمير المواقع لغايات شخصية. في عدلون الساحلية ثروة تاريخية وأثرية نادرة، تعود إلى العصر الحجري، ماذا فعلنا بها؟ استغل المواطنون الفوضى خلال الحرب الأهلية وتم البناء على الصخور المنحوتة وفوق المغاور، فضلاً عن استخدام حجارة القلاع لمآرب خاصة، حماية هذه الرموز تحتاج إلى ثقافة تبدأ بالتربية. هذا الأمر لا ينفي كذلك مسؤولية وزارات الدولة المختلفة، وفي مقدمتها الأجهزة الأمنية والمحلية، أي البلدية، التي تشرّع القوانين تدخّلها الصارم من أجل حماية أي موقع كان، وبرأيي من هنا يبدأ التقصير.

الهدر المالي في الوزارة

9- ولما لا توزع كتبك واصداراتك داخل المؤسسات السياحية الجنوبية بشكل خاص واللبنانية بشكل عام؟
قبل الحديث عن توزيع كتبي التي لم أزل أمتلك مجموعات كبيرة منها في الصناديق، وتحتاج إلى تسويق، داخل المؤسسات السياحية الجنوبية واللبنانية، أريد أن أسال البلديات الجنوبية، كل البلديات الجنوبية، لماذا لا تمتلك واحداً من كتابين نادرين عن الجنوب، "عين وأثر" و"عين تحاكي الجمال" فيهما الكثير من الصور الرائعة والنادرة والمعلومات الوافرة؟ تدفع هذه البلديات مبالغ طائلة أحياناً من أجل إعداد لوحة خشبية تقديرية لمؤسسة أجنبية أو محلية، لا تمت إلى الحياة والجمال بصلة، وتتمنع عن شراء كتاب هو بالتأكيد أقل كلفة، ويبرز الوجه التاريخي والحضاري للجنوب.

في كتاب "عين وأثر" أكثر من 24 صورة عن بلدة حولا وصورة الغلاف عين مياه بلدة الطيبة التراثية، ومجموعة كبيرة من العناوين والصور عن بلدة الخيام، وكذلك الأمر في كتاب "عين تحاكي الجمال" ولا تقتني أي من بلديات هذه البلدات كتاباً واحداً في مكتبتها أو على رفوفها؛ ولا أريد التحدث عن مدن صيدا وصور وجزين وبنت جبيل وحاصبيا التي لها حيّز كبير من صفحات الكتابين!

عين خاصة

10- من ينافس كامل جابر؟
لن أتحدث عن منافسة طالما لي عين ترسم من خلال الضوء واللون هذه المشاهد التي باتت تتمتع بعناصر توسم صوري، وهذه ميزة كل مصور فوتوغرافي أن له عيناً خاصة به. أما في المناطق الجنوبية، فأكاد أكون الوحيد الذي يدأب على تصوير كل ما يجب تصويره، بأسلوب خاص وشامل، فضلاً عما تشمله صوري لمناطق البقاع والهرمل.

11- متى انطلقت بالعمل؟
كنت في سنّ السادسة أو السابعة يوم امتلكت كاميرا تصور بواسطة أفلام الأسود والأبيض، لكن الظروف لم تسمح بالحفاظ على الكاميرا والصور، ثم أتت سيادة الأفلام الملونة لتدوّن نتفاً من ذاكرة. وكانت مرحلة العمل الصحافي، منذ العام 1987 هي المرحلة الانتقالية نحو الجدّ، خصوصاً أن العمل في صحيفة عريقة في لبنان، جريدة "النهار" مدة 13 عاماً، وفي وكالة "رويترز" جعل الاهتمام بالصورة من أولى الاهتمامات.

-12ومن وجهّك الى مهنة التصوير؟
كانت معاينة المواقع التراثية وهي تتعرض للتدمير الممنهج من قبل آلة العدو الحربية، وضياعها بين مطرقة الاهمال وسندان الزحف الاسمنتي، هي الحافز نحو صور الذاكرة، في محاولة لتسجيلها قبل زوالها أو تشوهها، بدأت كذلك، ثم راحت ألوان الأرض، من خضرة موشومة بصنوف الزهر، تستقطبني، فركنت إليها مدة لا بأس بها.

صادق وطارق

-13هل تدّرب أحد ما اليوم على هذه الهواية المهنة؟
أقرب الناس إليّ في التصوير هما ابناي: صادق (15 سنة) وطارق (10 سنوات) اللذان يرافقانني في بعض رحلات التصوير، وباتت لهما صور مميزة ويحاولان تقليدي في الأسلوب والقراءة.

-14هل وجدت ان ثمة تغيّرا أو تشويها ما، حصل لمعلم تراثيّ بعد تصويرك اياه سابقا؟
في كتاب "لبنان الجنوبي، العين تحاكي الجمال"، عرضت أكثر من مقارنة بين صور لموقع ما قبل التدمير وأخرى بعد التدمير؛ في قلعة شمع وفي بنت جبيل وفي معتقل الخيام والمستشفى الإنكليزي في الخيام. في كتابي الأول "ذاكرة الجنوب عين وأثر"، هناك الكثير الكثير من الصور التي لم تعد موجودة، تمت إزالتها أو تشويهها إما بفعل التدمير (ليس من قبل العدو الإسرائيلي فحسب، بل من قبل الأهالي والبلديات) أو بفعل الإهمال. هذا التدمير يطال ليس المعالم التراثية فقط، بل يتعداه إلى المواقع الأثرية.

السابق
ماروني: الحكومة أمام امتحانات خطيرة والكيدية في التعيينات بدأت تظهر
التالي
مباراة دخول الجامعات هاجس آخر