مبدئياً، المحكمة “إسرائيلية”!

عندما تستمع إلى الرئيس نجيب ميقاتي وهو يغدق الالتزامات في موضوع المحكمة، تخاله، ولو لبرهة، يقول الحقيقة"، فهو التزم واحترم وتماهى وتابع وحرص، ولم يكتف بذلك، بل اطمأن إلى الهوامش المفتوحة التي منحه إياها حزب الله، ففتش عن كل ما يحويه معجم العربية من كلمات ملتبسة ووضعها في البيان الوزاري، حتى استحق شرف الحصول على الملكية الفكرية للغة ليس فيه لون أسود أو أبيض، ولا تحتوي على كلمتي نعم أو لا.

ولم يعد للالتباس مكان بعد الجلسات النيابية، فالرئيس نجيب ميقاتي عقد اتفاقا مع حزب الله لضرب المحكمة وتعطيلها. وهذا الاتفاق سوف يسير على إيقاع واحد طوال حكم حكومة ميقاتي، ايقاع ينتهي برفض تنفيذ مذكّرات التوقيف والاستعاضة عن ذلك بإبلاغ المحكمة عدم العثور على المتهمين ومحاولة إيهام المجتمع الدولي بأنّ الحكومة بذلت جهدها في تنفيذ مذكّرات التوقيف ولم توفَّق، وبالتالي محاولة القول للعالم إنّ الحكومة تعاونت مع المحكمة، ومحاولة الايحاء للداخل بأنّ ميقاتي لم يفرّط في دم الشهداء.

لقد كان ميقاتي أمام اختبار كبير، فأسقط حكومته في بدايتها، إذ إنه لو تولّى بنفسه الرد على حزب الله الذي رفض تسليم المتهمين، ولو صحّح للسيّد حسن نصرالله ما اتهم به المحكمة بأنها محكمة إسرائيلية، لكان اكتسب صدقية الادّعاء بأنه ملتزم هذه المحكمة. لكن ما فعله أكّد أنه ملتزم اتفاقا مع حزب الله لضرب المحكمة، والتاريخ وحده سوف يكشف قدم هذا الاتفاق وتفاصيله التي ربما تعود إلى ما قبل إسقاط حكومة الحريري بمدة طويلة.

ومن راقب مرحلة ما قبل صدور القرار الاتهامي، لاحظ أنّ ميقاتي كان لديه هامش واسع من المناورة، إذ تعمّد أن يناقش حزب الله لتحسين صيغة المحكمة في البيان الوزاري، لكنّه، وفور تأكد حزب الله من صدور القرار الاتهامي، تخلّى عن الهوامش ورضي بسرعة قياسية أن يضع النصّ الذي اقترحه الحزب، وحاول في الوقت عينه استثمار هذا النص وكأنّه انتصار، في حين أنّ حزب الله الذي لم يكن كلام أمينه العام عن أنّ المحكمة إسرائيلية قد برَد، أعطى وزراءه الضوء الاخضر بالموافقة على نص البيان الوزاري الذي وردت فيه فقرة عن احترام القرارات الدولية، ومن ضمنها المحكمة "الإسرائيلية"، كل ذلك تحت أنظار رئيس الحكومة الذي استطاب تكتيك توزيع الأدوار فترك الضاحية تصف المحكمة بالإسرائيلية، وحاول أن يجعل الرأي العام يصدق أنّ وزيري حزب الله وحلفاءهما قد وافقوا على احترام إسرائيليّة المحكمة.

لكن يبقى سؤال حول قدرة ميقاتي على الاستمرار بالرقص على حبال حزب الله أمام أنظار العرب والعالم، فهل سيستطيع رئيس الحكومة أن يقنع المجتمع الدولي بأنّ حكومة حزب الله التي يرأسها ستلتزم القرارات الدولية، ومنها المحكمة؟ وهل يظنّ ميقاتي أن بروفة توزيع الأدوار غير متقنة الأداء بينه وبين حزب الله في جلسات الثقة، يمكن أن تكون نموذجا لتعاطيه مع المحكمة الإسرائيلية؟

المتابعون لرئيس الحكومة الذي يتابع عمل المحكمة الدولية، يعتقدون أنه بدأ مسيرة اللاعودة، وأن الجسور وراءه انقطعت، ويتوقع هؤلاء أن يكون ميقاتي أكثر طواعية في علاقته بحزب الله، وهذا ليس مدعاة إلى الاستغراب، وتكفي العودة إلى قصّته مع النائب الراحل رشَيْد الخازن "وسنسول" خليج جونيه أيام توليه وزارة الاشغال للتأكد من أن حزب الله بات قادرا على أن يقود الحكومة إلى حيث يريد، على رغم جلوس رئيسها شكلا وراء المقود.

السابق
سوريا أخيراً
التالي
يوم استقلال جنوب السودان