خطوة السفيرين في سوريا هروب إلى الأمام!

تفسيرات عديدة اعطيت لزيارة السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد الى حماه بعد السفير الفرنسي لتبدو الخطوة منسقة اميركيا وأوروبيا، لكن التفسير الذي قدمته مصادر ديبلوماسية عربية إنما يتصل بالقرار الأميركي بتصعيد المواجهة في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ المنطقة التي على ما يبدو أنها تعيش ارهاصات ولادة جديدة محورها النشاط الشعبي الذي تحرك في كل مكان ودفعة واحدة.

ما تشير اليه المصادر نفسها هو أن الموقف السوري الرسمي الذي جاء معبرا عن رفض دمشق لهذه التحركات واعتبارها تحريضا على الفتنة وتأجيجا للحوادث الجارية هناك، قد لا يكون كافيا في ظل تبني الجماعات المسلحة في سورية الذين شعروا لأول مرة بالحماية الدولية لتحركاتهم ذلك أن السفير ومن خلفه دولته كانوا مصرين على تبني دعم التحركات السلمية للمحتجين السوريين لكنهم لم يحركوا ساكنا وهم رأوا بأم العين أن تلك التحركات لم تكن منذ اللحظة الأولى إلا مسلحة تعمل على تخريب البلاد وتقتيل العباد.

الزيارة بحد ذاتها تؤكد في هذا السياق أن الولايات المتحدة تدعم تلك الجماعات ومنطقها المسلح ولو أن الشعار الذي ترفعه هو حماية حماه من تكرار سيناريو سابق في حين أن الحكومة السورية ليست في هذا الوارد وهي أعلنت اكثر من مرة أنها بصدد معالجة الأمور في حماه وفي غيرها بافضل الطرق، ولو اضطرت في بعض المواقف الى الرد على السلاح بالسلاح وهو بات مطلبا لدى معظم الناس بخاصة اولئك الذين اكتووا بنيران سلاح الإرهاب تحقيقا لاهداف سياسية لم تعد خافية على أحد.

تحرُّكُ السفير له دلالات عميقة في إدارة الأزمة داخل سورية وهو إعلان اميركي رسمي عن ذلك، لا سيما وأن الإدارة في واشنطن أعلنت في أكثر من مناسبة أن الحوادث التي تجري في سورية لا بد وأن تنتج تغييرات عنوانها إصلاحي ومضمونها سياسي يخدم المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة وإسرائيل على امتداد المنطقة وتحديدا في الدول التي تشهد مواجهة مع المشروع الأميركي اي لبنان، فلسطين، سورية وإيران حيث لم يستطع المشروع الغربي فرض إرادته بل تعداها الى تسجيل انكفاء ملحوظ في قدرته على تحقيق الحد الأدنى من الشروط التي تتوافق مع متطلبات استمراره فيها وهوالأمر الذي لا تطيقه لا الولايات المتحدة ولا "إسرائيل" التي باتت على استعداد كامل لتحويل المواجهة السياسية الى عسكرية إذا لم تؤد الغاية المرجوة.

ما يتصل بالشأن السوري، فإن اي تسعير للجبهة في الخارج ستكون له انعكاساته الإيجابية على الوضع الداخلي وسيفقد الإدارة الأميركية رصيدا كبيرا لذلك فإن القرار هو بالتدخل في سورية وإدارة ازمتها بشكل مباشر من خلال الاشراف على تحرك الجماعات المسلحة وحمايتها واعتبارها فريقا سياسيا معارضا حتى، من اجل قطع الطريق على خيار الحسم الذي تنفذه الحكومة بسرعة وسرية وهو كان بدا يُؤتي أُكُلَه بعد حوادث جسر الشغور نهاية الشهر المنصرم وخروج مسيرات التأييد للرئيس بشار الأسد لينكشف المشهد من جديد على حوادث دامية في حماه تبين أن وارءها السفارة الأميركية في دمشق وما يؤكده تحرك سفيرها بهذا الشكل المفضوح.

تقول المصادر الديبلوماسية العربية إن ما حصل في لبنان على مستوى الحكومة اللبنانية ونيلها ثقة المجلس النيابي وفشل مخطط إسقاطها الذي تبنته واشنطن ايضا قد يكون من الأسباب المباشرة لهذا الدخول القوي على خط الأزمة في سورية ذلك أن الإدارة الأميركية فقدت على ما يبدو الثقة بأن "جماعتها" في لبنان قادرون على تسليك أمورهم ان في السياسة او في "الشارع"، او حتى إعاقة مسار تقدم المشروع الآخر الذي بدأ تحركه الجدي لأول مرة منذ خمس سنوات تاريخ بدء التحولات في لبنان والمنطقة بعد النتائج التي أفرزتها حرب تموز "الإسرائيلية". إذ ان حزب الله الذي استطاع مواجهة كل الضغوط التي تعرض لها منذ ذلك التاريخ لم يعد بإمكانه السكوت على محاولات النيل منه، وهو فشل في محاولاته اقناع معارضيه أو ربما أعدائه في الداخل بعدم الذهاب الى إصدار قرار ظني ظالم يعتبر أحد مندرجات المشروع السياسي الأميركي – "الإسرائيلي".

وتضيف المصادر أن الأميركيين توجهوا نحو النقطة "الأضعف" أو هم هربوا الى الأمام من خلال تحرك السفير باتجاه حماه بحسب رأيهم، بهدف هزّ الوضع في سورية بشكل قوي، لعل ذلك يمكِّنهم من إعادة الإمساك بزمام المبادرة من هناك بعد تعذر الإمساك بها من لبنان ونيل حكومته الثقة ومباشرتها لأعمالها، وهي بالتالي ستتجه الى تحقيق برنامج الفريق السياسي الذي أنتجها وصولا الى إجراء انتخابات نيابية في 2013 من المفترض شعبياً أنها ستحجّم كل الفريق السياسي الآخر، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تداول السلطة فعليا وليس من خلال منطق التسويات، والدخول في بازارات الأعداد والأحجام التي سيطرت على السجال السياسي لفترة طويلة جدا.

ماذا سيكون رد سورية في الفترة المقبلة بعيدا عن بيانات وزارة خارجيتها بعدما حركت الولايات المتحدة سفيرها كمدير اصيل للجماعات التخربيبية المسلحة؟، وماذا يمكن أن ينتج عن خطوة طرد السفير الذي على ما يبدو قد استغل الفرصة التي منحته إياها دمشق لمعاينة الوضع على الأرض وظهوره بهذا المستوى البشع من التدخل الذي لم يعتد عليه اي سفير في تاريخ سورية بالأقل على امتداد خمسين عاما مضت؟.

تشير الوقائع الأمنية والسياسية الجارية ومنها المهام الجديدة القديمة للديبلوماسية الأميركية الى أن التصعيد سيحكم المرحلة المقبلة على الاقل من الآن والى آخر ايلول، لتتضح صورة الوضع في ضوء خطوة المحكمة الدولية كرد على توليد الحكومة في لبنان وبعد تحرك السفير في دمشق حتى لا يفقد المشروع الاميركي آخر فرصه قبل الوصول الى "أبغض" الخيارات.. "لإسرائيلية".

السابق
الشاعر كامل رضا: الجنوب شاعر يملي قصائده على من يحسن الإصغاء إليه
التالي
سوريا أخيراً