طرابلس تكسر الأحادية السنية وتستعيد توازنها السياسي

لم يحتفل أنصار الرئيس نجيب ميقاتي ومعهم أبناء طرابلس بنيل حكومته الثقة في المجلس النيابي، وذلك التزاما برغبة «أبي ماهر» بعدم إقامة المظاهر الاحتفالية في شوارع المدينة «لأن الوقت هو وقت العمل فقط»، فاقتصر الأمر على عدد من اللافتات المهنئة التي رفعت الى جانب لافتات أنصار تيار المستقبل المطالبة بالعدالة الدولية والمنتقدة «الحكومة الميقاتية».

ويمكن القول إنه مع إعلان رفع الجلسة النيابية بعد التصويت على الثقة، أيقن السواد الأعظم من الطرابلسيين أن مدينتهم دخلت مرحلة جديدة من تاريخها، تمثلت بعودتها فعليا الى المعادلة السياسية اللبنانية شريكاً أساسياً في الحكم والقرار بعد طول غياب، لتكسر بذلك عبر ابنها رئيس الحكومة، الأحادية السنية التي بدأت تشق طريقها منذ نحو عقدين من الزمن.

هذه الأحادية تعززت أكثر بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حيث تراجع دور مرجعياتها السياسية المحلية، لمصلحة تمثيل نيابي مرتبط بقيادة سياسية من خارج طرابلس، الأمر الذي أفقد العاصمة الثانية حضورها السياسي على المستوى اللبناني، وساهم في تهميشها اقتصاديا واجتماعيا وتنمويا نظرا لفقدانها أي عامل ضغط على الحكومات المتعاقبة التي كان نواب المدينة يغضون النظر عن تقصيرها حيال مدينتهم، لأنهم كانوا جزءاًً من الأكثرية النيابية الموالية آنذاك…

وبدا واضحا أن نجيب ميقاتي قد أعاد التوازن المفقود، وهو انطلق بعد تشكيل حكومته نحو تأسيس ثنائية في هذا المجال كانت مفقودة على الصعيد السياسي والمناطقي والمذهبي، وقد ترجم ذلك بلهجة حاسمة في خطابه الختامي لجلسات الثقة، ونجح في تسجيل العديد من النقاط على قوى 14 آذار ورأس حربتها فؤاد السنيورة، دون أن يوفر «الأقربين» من أبناء مدينته المستقبليين بعتب مبطن لكنه شديد اللهجة ويتضمن رسالة واضحة تؤكد أنه الطرابلسي الأول المدافــع عن مدينته وحامل همومها والســـاعي لإعادتهـــا الى الخريطة الانمائية، بعدما أمعن الالتزام السياسي السابق في تهميــشها وحرمانها.

يقود ذلك الى استنتاج مفاده أن نجيب ميقاتي المكلف، هو غير نجيب ميقاتي حامل ثقة الأكثرية النيابية، فـ«نجيب الأول» بالنسبة لهم كانت تتحكم بتصرفاته حالة من الحذر والترقب، وهو بالرغم من صموده لجهة تمسكه بالصلاحيات وحفاظه على هيبة الرئاسة الثالثة، وتصديه لجشع وطمع بعض مكونات الأكثرية الجديدة، وخاصة العماد ميشال عون، فقد كان يتلقى الصدمات ويتلقف محاولات استهدافه، متحصناً بالصمت الذي فسرته المعارضة على أنه ضعف جعلها تنام على حرير إمكان استقالته كونه لن يتمكن من تشكيل الحكومة.

أما «نجيب الثاني» بنظر المتابعين من الطرابلسيين، فظهر جليا في الخطاب الختامي لجلسات الثقة، حيث منح الثقة لنفسه قبل أن يحصل عليها من الأكثرية النيابية من خلال الرد المباشر على بيان قوى 14 آذار في البريستول، ومن ثم عبر «نتعة» الزعامة التي يحبها أبناء طرابلس لا بل يحتاجونها اليوم أكثر من أي وقت مضى، وفي الغضب الذي أبداه حيال المسلمات والثوابت، وتصديه العنيف للرئيس السنيورة (أنا أكتب بقلم الحبر وأنت بقلم الرصاص)، خصوصا أن السنيورة لم يكن موفقاً طرابلسياً لا سيما عندما تناسى في كلمته المكتوبة ذكر اسم الشهيد رشيد كرامي بــين شهداء الوطن رغم تذكيره بذلك من قبـــل أحد نواب الأكثرية، فضلا عن هجومه على رئيس الحكومة ووزرائها الأربعة في محاولة لاستغلال المدينة مجددا لتحقيق مكاسب سياسية.

لذلك فإن ميقاتي نجح في تسجيل هدفين في مرمى صديقه فؤاد السنيورة: الأول، من خلال إحراجه برد لم يكن يتوقعه الأخير من «الوسطي» الذي غالبا ما كان يرفض المواجهة ويعمل على تدوير الزوايا، والثاني، بسحب ملف طرابلس من بين يديه، ليؤكد ميقاتي بالتالي أنه يتمتع بكل الصفات التي تؤهله لممارسة السلطة.

أمس تابع الطرابلسيون دخول نجيب ميقاتي الى السرايا رئيسا فعليا للحكومة لممارسة مهامه في يومه الأول بعد نيل حكومته الثقة، وبقدر ما ينتظر أبناء المدينة أن ينجح ابن طرابلس في قيادة بلدهم الى بر الأمان، فإنهم ينتظرون أن تأخذ الفيحاء حقها من التنمية والإنماء والحضور السياسي الفاعل والتعيينات الادارية، لتحقيق شعار الحكومة «كلنا للعمل»، وليكن هذا الشعار في المستقبل القريب واقعا ملموسا بعد أن شبع الطرابلسيون على مدار سنوات خلت من العواطف الجياشة والأعذار المتتالية والوعود التي بقيت حبراً على ورق.

السابق
لقاء عبر الأقمار الاصطناعية بين اليونيفل والأمين العام للأمم المتحدة
التالي
السؤال الذي لم يُجب عنه مؤيدو الحكومة…