“شبّاك”: احتفال لندني بربيع الثقافة العربية

قليلة هي الأمور التي تبهج قلوب سكان لندن. المؤكد أن أشعة الشمس الدافئة أولها. وتالياً، تعتقد مستشارة عمدة لندن للفنون منيرة ميرزا، "يأتي تذوّق الثقافة والموسيقى".
أول من أمس، الاثنين في الرابع من تموز، كان مبهجاً للعديد من اللندنيين. تحت شمس حارقة لا تشرف على المدينة إلا في المناسبات السعيدة، رفعت عمدة المدينة الستار عن أول احتفال بالثقافة العربية المعاصرة تستضيفه لندن، بعنوان "شبّاك: نافذة على الثقافة العربية المعاصرة". يشارك في المهرجان، الذي يمتد حتى الرابع والعشرين من تموز الجاري، أكثر من مئة فنان من العالم العربي، بحسب مكتب العمدة. تشرح سو دايفيز، من المكتب: "حين بلورنا الفكرة، قمنا بالاتصال بأكثر من ثلاثين مؤسسة ثقافية عربية وأخرى تعنى بالشأن الفني العربي في لندن، وطلبنا منهم اقتراح الأسماء". تستفيض دايفيز بالشرح عن حماستها وتوقعاتها بنجاح المهرجان، وخصوصاً ترقبها لردة فعل الجمهور اللندني على "تنوع الفنانين المشاركين وروعة أعمالهم"، تؤكد بلهجة انكليزية متناسقة بكمال، وبملامح تكاد تتراقص أمام ناظري محدثها.

وتكمل منيرة ميرزا الشرح: "بدأ تعاوننا مع المؤسسات الثقافية العربية في لندن بثلاثة شروط في ما يتعلق باختيار المشاركين: أن تكون انتاجاتهم ممتازة، أن تكون أعمالهم معاصرة، وأن تعرض للمرة الأولى في لندن وفي إطار المهرجان". وهكذا، نتج عن تعاون عمدة لندن مع المؤسسات الثقافية اللندنية، برنامج متنوع مؤلف من حوالى 70 فعالية، من عروض بصرية وأفلام إلى مسرحيات وعروض راقصة وأدب وجلسات نقاش، وعروض فن معماري، موّزعة بين صالات المؤسسات المتعاونة، وأبرزها مركز باربيكان، المتحف البريطاني، مسرح سادلر ويلز، صالات موزاييك للفنون من الشرق الأوسط، مركز ساوثبانك للفنون وغيرها.

افتتح المهرجان بـ"ثورة موسيقية في العالم العربي"، وهو عرض موسيقي شارك فيه كل من رائد الموسيقى البديلة في لبنان زيد حمدان، المؤلف الموسيقي وعازف العود والمغني تامر ابو غزالة من فلسطين، والمؤلفة الموسيقية والمغنية والممثلة مريم صالح من مصر. أراد منظمو المهرجان أن تكون ليلة الافتتاح في الهواء الطلق على ضفة التايمز مناسبة لتعريف الحاضرين على آخر إبداعات الموسيقى العربية الشابة والمعاصرة. وبالفعل، "مجموعتنا (أي زيد وتامر ومريم) نموذج يمكن أن يمثّل شباب العالم العربي والموسيقى المعاصرة الجديدة"، يشير زيد، "ولا سيما مريم، لأنها شابة شاركت بفنها بالثورة في ميدان التحرير، ومن المهم أن يستمع إليها الجمهور هنا"، يضيف. بالنسبة إلى زيد، المشاركة في مهرجان من هذا النوع مهمة لأنه "عم مثل الموسيقى الجديدة ولأن الموسيقيين بمثلوا ثقافة البلد ومهما كانت الفرصة، لازم نحكي ونعبر بموسيقتنا عن اللي عم بصير عنا".

وفي حين أبدى البعض تحفظات وشكوك حول توقيت المهرجان، معللين بأنه أتى كرد فعل على التطورات السياسية في المنطقة العربية في محاولة لاحتواء "الجماهير العربية ومصادقتها"، أو للصلح بين المملكة المتحدة وقراراتها السياسية ومواقفها من القضايا العربية، وأبرزها القضية الفلسطينية، وبين العالم العربي، رأى بعض المتحفظين أن توقيته بعد التطورات السياسية في المنطقة أتى من باب "ركوب الانكليز على الموجة".
وفيما لا أحد، سوى مكتب العمدة وحده، ينفي قطعياً كل هذه الأفكار، لأسباب بديهية، يرى تامر ابو غزالة انه "على الأقل أخذت المبادرة، والأهم الآن هو استمرارية الاهتمام بالثقافة العربية المعاصرة".

من جهته، يجزم فريق عمل "شباك" بلسان ميرزا أن المهرجان يخطط له منذ سنتين، لأن "هذا النوع من الأعمال تتطلب وقتاً"، وتضيف عضو المجلس الاستشاري لمكتب العمدة على مشروع "شباك"، كارن مكلاسكي، أن "توقيت المهرجان كان مصادفة سعيدة. من الرائع أن يشهد الناس الثورة الثقافية العربية فيما تحصل الثورة السياسية في العالم العربي".

وفيما يبقى هذا الكلام في إطار الاستنتاجات المبسطة عن المهرجان ودوافعه، يسلم زيد بالفكرة: "بدن يفتحوا شبّاك على البلدان العربية: شو هني العرب وشو بيعملو. فكرتن عنا ناقصة وكتير أوقات مش مزبوطة. يمكن هيدي فرصة ليحسوا الانكليز انو العرب ناس متلن بيفرحوا وبيسمعوا موسيقى وبثوروا".

يناقش عمر قطان من مؤسسة قطان وصالات "موزاييك" للفنون من الشرق الأوسط في نفس الفكرة: "حتى إن كان المهرجان رد فعل على السياسة، هاي مبادرة منيحة لازم نبني عليها على المدى الطويل". ويذهب ابعد في التحليل: "من أهداف هذا المهرجان، ليس مصالحة الغرب مع العالم العربي بل مصالحة العرب مع أنفسهم، إعادة الثقة بحضارتهم وبجمالهم". وهذه الثقة بحسب قطان، قد ساهمت بإعادتها الثورات الأخيرة، إذ إنها "لفتت النظر إلى أن العالم العربي ليس مجرد رموز دينية وسياسية بل أيضا مجتمع حيوي"، لا سيما أن هذا المهرجان هو اللحظة الأولى منذ وصوله إلى لندن عام 1975 التي يتم الحديث عن العرب كجسم ثقافي. أتى هذا المهرجان، برأيه، دلالة على "أنهم انتبهوا هون انو ما عادوا قادرين يتجاهلوا الجالية العربية بلندن".

هو شبّاك لطيف. إلا أن المسألة أعمق من ذلك. والمتحدثون فيها وعنها لن يتمكنوا من تجنب الدخول في زواريب السياسة من أبوابها المشرعة. بابُ مشرع على الحروب التي شنتها وشاركت فيها حكومات هذه الدولة المتعاقبة على "العالم العربي"، وبابُ آخر مشرع على سكوتها وموافقتها على الاحتلال والحرب المستمرة منذ أكثر من ستين عاماً على فلسطين. شباك مشمس لن يسدّ فجوات التاريخ الطويل الذي أمطر دماً، إلا انه يستطيع أن يهب يوماً من البهجة في لندن… لحظات من اللذة التي لن يفهمها إلا القادم من ذلك العالم العربي، الذي يدرك صوت العود حين يُعزف مع أغاني الشيخ إمام وعيون شابة تنتظر الثورة.. تحت الشمس.

السابق
إقفال مجلة “نيوز أوف ذا وورلد” بعد 168 عاماً!
التالي
…وأشرف ريفي يطارد حزب الله !!