إقفال مجلة “نيوز أوف ذا وورلد” بعد 168 عاماً!

بعد فضيحة تورطها في عمليات تنصّت علـى هواتف أقارب الــجنود الذين قُتلوا في العراق وأفغانستان، فضلاً عن اختراق البريد الصوتي لهواتف سياسيين ومشاهير، خرج جيمس مردوخ، نجل امبراطور الإعلام روبرت مردوخ ليعلن، «بكل أسى»، أن مجلة «نيوز أوف ذا وورلد»، التي تطبع أسبوعياً حوالى ثلاثة ملايين نسخة، ستُصدر يوم غد آخر أعدادها، مسدلة الستار على 168 عاماً في الساحة الإعلامية.

البرلمان البريطاني عقد جلسة خاصة لمناقشة تداعيات الفضيحة، في وقت أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أمس، تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في عمليات التنصت غير القانونية التي أجرتها المجلة، وذلك بالتزامن مع تحقيق تجريه الشرطة حول أربعة آلاف اسم كانوا ضمن قائمة «ضحاياها».

«الزلزال الإعلامي» الذي أثارته القضية كان له أثر النار في الهشيم. وهو إن بدأت تداعياته بلجوء الشركات الكبرى (شركات السيارات بشكل أساسي) إلى سحب إعلاناتها من المجلة، بحسب ما نقلت صحيفة «لونوفل أوبسرفاتور» الفرنسيّة، فهي لم تتوقف عند إعادة فتح ملفات «تنصّت» سابقة كانت الصحيفة قد اتهمت بها، وأبرزها التنصت على هاتف الطفلة ميلي داولر التي اختطفت وقتلت في العام 2003. وقد تمّ ذلك في إطار حملة شاملة، كان شارك فيها آلاف القراء على شبكات التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«فايسبوك»، ويرد اليها المحللون سبب «القرار السريع» بالاستجابة لمطالب إقفال المجلة الشقيقة لكل من صحف «التايمز» و«الصن» والصنداي تايمز».

وفي وقت أبلغ جيمس مردوخ، وهو رئيس مجلس إدارة شركة «نيوز كورب»، موظفيه بأن العدد الأخير لن يتضمن أي إعلان، وسيتم «تكريس جميع عائداته للقيام بأعمال خيرية»، أعلن كاميرون تشكيل اللجنة تلبية لمطالب المعارضة وعدد من النواب، كانوا طالبوا أيضا بفتح تحقيق آخر، حول أخلاقيات الصحافة وثقافتها. كما أُعلن أمس عن اعتقال مساعد رئيس الوزراء البريطاني على خلفيّة تورطه.

وفيما تساءلت «لوموند» الفرنسية، في افتتاحيتها، عن آثار مثل هذا الاهتزاز الذي ضرب «امبراطورية تضم العديد من الوسائل الإعلامية التي تساهم في توزيع الدروس الأخلاقية في الصحافة للعالم أجمع»، انشغلت الصحافة البريطانيّة برصد مصير الامبراطورية في مرحلة ما بعد الفضيحة:
صحيفة «الاندبندنت» لم ترَ في إعلان مردوخ إقفال المجلة «استسلاماً»، بل رأت فيه «استجابة لمنطق تجاري بحت يقرّر بتر أي عمل تجاري في اللحظة التي يشعر بأنه بات يهدّد الأعمال الأخــرى»، مضـيفة ان «ما نراه ليس امبراطورية تنهار إنما امبراطــورية تحاول تعزيز منظومتها الدفاعية وحماية أفرادها الرئيسيين. فبهذه الخطوة يحاول الامبراطـور منع التلوث من الامتداد إلى جسد امبراطوريته المترامية الأطراف».

أما «الغارديان»، فقد نقلت عن رئيس تحرير صحيفة «نيويورك ديلي نيوز»، التابعة لمردوخ، مارتن دان قوله إنه «صُعق، كما جميع العاملين مع مردوخ، بسرعة الأحداث وقسوتها».
وبعد أن قامت الصحيفة بجولة على الامبراطورية «التي تصل عائدات صاحبها إلى 32 مليار دولار سنوياً»، تساءلت عمّا إذا كانت الفضيحة الحالية ستشكل خطراً عليها، ناقلة عن كاتب سيرة مردوخ الصحافي مايكل وولف استبعاده أن يقتصر تأثير «الانهيار» على بريطانيا، فـ«الرهان على أن إقفال المجلة سيحد من الأزمة هو رهان خاطئ، والتدبير المتطرف بإقفالها السريع يظهر مدى صعوبة المواجهة وضخامتها».

كما تنقل الصحيفة عن رئيسة تحرير مجلة «فانيتي فير» استغرابها مدى التجاهل الذي كانت تتعامل معه الصحافة العالمية والأميركية تحديداً إزاء الموضوع، على اعتبار أنه شأن بريطاني بحت، إلا انه «مع الكشف عن التنصت على ضحايا أفغانستان والعراق تحولت القضية إلى قضية رأي عام عالمي تطرح تساؤلات حول التنصت وأخلاقياته الصحافية».

وفي النهاية، لقد تخطى فيضان الشارع، الذي بدأ مع الثورات العربية، كل حدود «الممكن» التقليدي مطلقاً العنان لجنونه، و«مردوخ لن يكون أفضل حالاً من بن علي»، وفق صحيفة «الغارديان».
وبعد أن ذهبت الصحيفة إلى حدّ اعتبار الطفلة الضحية ميلي داولر هي محمد البوعزيزي الذي أسقط «الامبراطور»، تستدرك بقولها: «ربما يتخطى مردوخ الأزمة على طريقة الملك السعودي عبد الله بعد أن قدّم عرضا بالتعويض المادي على ضحايا التنصت.. أو أنه قد يستمر في المراوحة القلقة مثله مثل الرئيس الليبي معمر القذافي»، متسائلة في النهاية « بعد الفضيحة، أيهما سيكون روبرت مردوخ؟».

السابق
تُهـدم مـدرسـة لبنـاء مـركـز تجـاري في تبنين
التالي
“شبّاك”: احتفال لندني بربيع الثقافة العربية