هل تكون قرارات حكومة اللون الواحد وسطية؟

 من سوء حظ لبنان ان بعض حكامه اتوا في وقتهم وذهبوا في غير وقتهم وبعضهم اتوا في غير وقتهم ولم يذهبوا في وقتهم. وكذلك الحكومات التي تكون استثنائية في ظروف استثنائية وعادية في ظروف استثنائية كما حكومة ميقاتي الحالية، فعندما كان مطلوباً تشكيل حكومة عادية من اكثرية 14 آذار وهي منبثقة من انتخابات ديموقراطية حرة نزيهة رفضت اقلية 8 آذار وأصرّت على ان تشارك فيها تحقيقاً لما سمته "الشراكة الوطنية"، وبحجة عدم استئثار فئة في اتخاذ قرارات من دون فئة اخرى، فكان لها الثلث الذي سمته "ضامناً" واذ به كان الواقع ثلثا معطلاً لكل قرار لا يعجبها، وعندما اصبحت الظروف الاستثنائية تفرض تشكيل حكومة انقاذ استثنائية تحت اي مسمى، أصرّت قوى 8 آذار عندما أصبحت اكثرية على تشكيل حكومة اقل من عادية لمواجهة تحديات هذه الظروف، سواء كانت محلية ولها علاقة بسلاح "حزب الله" وبالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، او كانت عربية واقليمية ودولية لمواجهة تداعيات المتغيرات والتحولات في المنطقة علماً ان اكثرية 8 آذار ليست منبثقة من الانتخابات كأكثرية 14 آذار انما منبثقة من ضغوط سياسية وامنية كادت تهدد السلم الاهلي.
ويبدي وزراء يعتبرون انفسهم مستقلين وغير منتمين الى احزاب او كتل انزعاجهم عندما يوصفون مع آخرين بوزراء اللون الواحد، وهم في الواقع كما يقولون مستقلون ووسطيون، يشكلون مع المحسوبين على الرئيس ميشال سليمان والرئيس ميقاتي والنائب جنبلاط "الثلث الضامن" فعلاً وليس الثلث المعطّل.. بل الثلث الذي يشكل صمام امان داخل مجلس الوزراء ولاجم لمواقف المتطرفين الذين يحاولون ممارسة سياسة انتقامية وكيدية ضد الطرف السياسي الآخر. وهذا الثلث الضامن يتألف مبدئياً من: الرئيس ميقاتي والوزراء محمد الصفدي واحمد كرامي ونقولا نحاس وغازي العريضي ووائل ابو فاعور وعلاء ترو ووليد الداعوق وحسان دياب وسمير مقبل وقد ينضم اليهم آخرون بحسب الموضوع المطروح.
لكن هذا "الثلث الضامن" لم يثبت وجوده وفاعليته عند درس البيان الوزاري عندما اكتفى بتسجيل ملاحظاته او تحفظه عن بعض الالفاظ الواردة في البيان مثل لفظة "مبدئياً" في الكلام على انشاء المحكمة الدولية ولفظة "احترام القرارات الدولية" عوض التزامها.
والسؤال المطروح هو: ماذا في استطاعة هذا الثلث ان يفعل في مواجهة الثلثين المقررين والمعطلين في آن واحد عند طرح موضوع تسديد مساهمة لبنان في تمويل المحكمة الدولية، اذا اكتفى وزراء هذا الثلث، بتسجيل تحفظهم ثم التسليم بما تقرره الاكثرية او عند طرح ملف شهود الزور اذا ما تقرر احالته على المجلس العدلي، وكذلك في موضوع القرار الاتهامي الذي صدر وما سيليه من قرارات اذا كان مطلوباً من الحكومة اتخاذ موقف منها، فضلاً عن مواضيع اقتصادية ومالية ومشاريع انمائية قد تتباين في شأنها الآراء عند درس الموازنات المتراكمة حتى سنة 2012؟
ومعلوم ان اهم ما يستأثر باهتمام حكومة اللون الواحد هي التعيينات الادارية والديبلوماسية والامنية والعسكرية لملء الشواغر الكثيرة في اسلاكها، فهل ستتقاسم الحكومة التعيينات وتتوزعها حصصاً كما فعلت عندما تقاسمت المقاعد الوزارية والحقائب وعلى اي اساس سيتم ذلك حتى وان اعتمدت الآلية المقترحة لهذه التعيينات؟ هل يكون للعماد ميشال عون ثلث هذه التعيينات كما يطالب والثلثان الباقيان لسواه وهل يكتفي "الثلث الضامن" بأخذ حصته، ولا يحسب حساباً للاحزاب والكتل غير المشاركة في الحكومة مع انها تمثل نصف الشعب اللبناني واكثر؟ وهل ستسكت هذه الاحزاب والكتل عن تعيينات لا حصة لها فيها بحيث تصبح ادارات الدولة ومؤسساتها من لون سياسي واحد؟ وهب ان "الثلث الضامن" أراد ان يثبت وجوده ويجعل التعيينات بألوان سياسية متعددة ارضاء للجميع فهل يقبل الثلثان القادران على التقرير والتعطيل بذلك؟
حيال هذا الوضع الشاذ تتساءل اوساط قوى 14 آذار لماذا بات يحق لاكثرية 8 آذار وهي اكثرية غير منبثقة من الانتخابات النيابية كتلك التي حصلت عليها قوى 14 آذار ان تستأثر في اتخاذ القرارات ولا سيما المهم منها مثل المحكمة وسلاح "حزب الله"، وتفرض قراراتها على قوى 14 آذار بما تمثل ومن تمثل؟ ولماذا بات يحق لهذه الاكثرية الظرفية والمركبة ان تشكل حكومة منها وبلون سياسي واحد في ظروف محلية وعربية واقليمية ودولية دقيقة وحساسة. ولم يكن يحق ذلك لقوى 14 آذار عندما كانت الظروف دونها دقة وحساسية؟ افلا يعلم اللبنانيون على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم ان لبنان لا يحكم بسياسة الغالب والمغلوب، لانها تولد الحروب ولا سياسة يفرضها فريق على فريق آخر بل سياسة الوفاق والتوافق والتسويات". 

السابق
المسألة ليست سنّة وشيعة
التالي
لعبة الكلام