من لعبة الثقة الى معركة القرارات

 اللعبة الديمقراطية انتهت، حسب السيناريو المرسوم، من دون أي تأثير لكل ما قيل على مسرح المجلس النيابي من نص المسرحية ومن خارج النص: الممثلون من أهل الحكومة منحوها الثقة، والممثلون من أهل المعارضة انسحبوا قبل بدء التصويت وسدل الستار. لكن المعركة السياسية التي قادت الى تأليف هذه الحكومة مفتوحة ومستمرة بعد الثقة بأشد مما كانت عليه قبلها. فلا شيء تبدل في المواقف المتناقضة من الموضوعين اللذين تركزت عليهما الكلمات والأضواء ويراد لهما التحكم بمستقبل لبنان ومصيره: المحكمة وسلاح حزب الله. ولا أحد يتصور أن هناك خارطة طريق الى مصالحة وطنية أعيد التذكير بالحاجة اليها في جلسات المناقشة.

ذلك أن المناخ السياسي في البلد مقلق وخطر بأكثر مما جرى التعبير عنه في المجلس بالهدوء أو بالصدام الكلامي. فالطريق مسدود الى تسوية بين مَن يرى أن المحكمة هي (الطريق الى العدالة) وان سلاح حزب الله هو المشكلة، وبين مَن يرى أن المحكمة ضد العدالة وان السلاح هو (مجد لبنان). والمصالحة لم تحدث أيام (السين – سين) والنجدة التركية – القطرية – الفرنسية التي توصلت الى ورقة قيل ان منها نسخة مطبوعة وأخرى بخط اليد. وهي ورقة قال السيد حسن نصرالله ان الرئيس سعد الحريري وافق بموجبها على التخلّي عن التزامات لبنان تجاه المحكمة مقابل البقاء في السلطة، وقال الحريري ان ذلك كان في اطار مصالحة وطنية شاملة برعاية عربية ودولية. والسؤال ليس لماذا جرى رفض التسوية والورقة، فالجواب ملموس في الرهان على الحكومة الحالية، بل هو كيف يمكن التوصل الى مصالحة تخسر فيها قوى 14 آذار المحكمة والسلطة معاً.
أكثر من ذلك، فان ردّ الرئيس نجيب ميقاتي على انتقادات المعارضة بقي في منطقة وسطى بين الوضوح والغموض. فلا هو أقنع نواب المعارضة بأن (احترام) القرارات الدولية أقوى من (التزامها). ولا هم أقنعوه بأن موقفه المعلن من المحكمة لن يصمد أمام موقف الرفض الكامل للمحكمة من جانب حزب الله وحلفائه وهم الأكثرية في الحكومة. هو بدا واثقا من نفسه وقدّم وعوداً وعهوداً باسم حكومة يراها حكومته، لا حكومة برئاسته. وهم تصرفوا على أساس ان هذه هي، (مبدئياً) حكومة الرئيس ميقاتي، وعملياً حكومة برئاسته لصاحبها حزب الله.
والمسألة في النهاية ليست مناظرات أكاديمية بل خطوات عملية تضع الجميع على المحك في قرارات مطلوبة. وهي قرارات لها حسابات في الداخل وحسابات مع الخارج في مرحلة حافلة بمفاجآت ودروس لكل الذين يتصوّرون انهم يقفون على أرض ثابتة في منطقة تحولات هائلة. 

السابق
الأنوار : الحكومة تستعد ل توزيع التعيينات وتحيل المشاكل على هيئة الحوار
التالي
الشرق : نالت ثقة المجلس الضعيفة فهل تنال ثقة الشعب