لا تنظر خلفك بغضب! ..بل إلى الأمام بأمل!

 إذا أردت أن تعارض خدمة لسورية فلا تنظر خلفك بغضب بل بعقل له عينان، لا عين واحدة بل اثنتان! الغضب والانفعال لن يخدما سورية بل أعداء سورية: إسرائيل وأميركا! إذا نظرت إلى الماضي بغضب فسوف يطاردك بسخط أكبر في المستقبل فيفرض ذاته عليك ويتكرر الماضي في الحاضر والحاضر في المستقبل وتستمر دوامة الغضب ونقذف جميعاً ثقافة وحضارة وشعبا خارج التاريخ. لقد آن الأوان لدوامة العنف والغضب وما يستتبعهما أن يتوقفا! قال لي أحد طلابي «أريد أن أقتل من عذب أبي في المعتقل». فقلت له «ثم ماذا؟» فقال «بذلك أحقق العدالة». فقلت له «ثم يأتي ابن من عذب أباك وقتلت أباه فيقتلك، ثم ماذا؟» فصمت وجلس يفكر.
لا يمكنني أن أقبل رؤية ثقافية، بمعنى الثقافة بدوائرها الكبرى، أو سياسية كحلقة من حلقات الثقافة الإنسانية إذا لم تأخذ في رؤاها المختلفة مقطعا متكاملا للفعل الإنساني قد يبدأ من لحظة طفل يحمل حجرا يكاد يضربه بأي اتجاه كان وليكن باتجاه جيش الاحتلال الإسرائيلي أو باتجاه قوات الأمن الوطنية إلى لحظة تنتهي بنبض وميض صورة يلتقطها قمر صناعي تجسسي في أعلى وأبعد مدار عن الكرة الأرضية. بمعنى آخر إن من لا ير في محاولته لفهم هذا الفعل وهو «رشق الحجر» (*) أو أي فعل آخر وارتباطه العضوي في إطلاق قمر صناعي تجسسي أو فعل لقطة لصورة تجسسية في علاقة جدلية من تبادل التأثر والتأثير فإنه لا يرى أبدا ومحكوم عليه بأن يكرر أخطاء ارتكبها سابقا.
ولأبسط العبارة أكثر: لا حرية كاملة بلا تحرير كامل؛ نحن في حالة حرب وصراع طويل مع الغرب وليس مع إسرائيل فقط– لنتذكر أن أهم حروب الدنيا قد تدور رحاها دون إطلاق رصاصة واحدة فأميركا هزمت الاتحاد السوفييتي دون خوض معركة عسكرية مباشرة واحدة معه (**)- ونحن مكشوفون تماما أمام هذا العدو بأقماره الصناعية بقوة أجهزة مخابراته بتفوقه التكنولوجي وهيمنته السياسية على العالم ومن لا ير هذا ولا يأخذه في الحسبان في فكره نحو الإصلاح وتحقيق واقع سياسي أفضل في سورية يكن كمن يدفن رأسه في التراب. إن الذي لا يرى خيوط المؤامرة على سورية وحزب اللـه كمن لا يرى أن ثمة مطالب شعبية محقة يجب عدم التنكر لها؛ بل يجب القول إنه من الغباء ألا يتآمر الأعداء على سورية ومن الغباء أن ننكر التآمر عليها. يقول الباحث الموسوعي برهان بخاري «والله لو أني مت بالرشح فلن أبرئ إسرائيل من موتي». طبعا لقد تقصّد البخاري المبالغة في قوله هذا ليظهر مدى استهداف إسرائيل لنا وإن مبالغة كهذه من رجل موسوعي كالبخاري لها دلالة كبيرة.
ولذلك فأنا أقول في سبيل تحقيق الدولة المدنية لا أستطيع أن أقبل بإزالة وتفكيك ما يسمى دولة «الأمن» التي أوجدتها متطلبات الصراع مع العدو، ولكن أستطيع أن أدعو وأطالب أجهزة الأمن بالارتقاء والتطور والتطوير والحداثة من ناحية إعداد العناصر البشرية والتقنية في التعامل مع المواطن الإنسان بحريته وكرامته وفق القيم الإنسانية المطلقة ومعايير وروح ومقتضى الدستور والقانون وفي تطوير الأدوات والوسائل والعقول التي تحمي البلد من العبث والاختراق (Infiltration) المخابراتي الخارجي لأن البلد مستهدف ولأننا لا ينبغي علينا أن نغفل حقائق يجب التذكير بها دائماً وعدم نسيانها ولو تحولت إلى أسطوانة قديمة وقد يراها البعض مشروخة فعلينا أن نحدّث شكل تلك الأسطوانة مع المحافظة على محتواها لأنه حقيقة وحق لا ينسى وهو أن قوات العدو الإسرائيلي لا تبعد عن عاصمتنا دمشق أكثر من 50 كم أي مسيرة أقل من ساعة لجيش متطور وحديث ومدرب ومدعوم من القوى الكبرى في العالم وحقيقة أننا وإن كنا جدلاً (***) لم نطلق رصاصة واحدة أو صاروخا مباشراً على إسرائيل لمدة عقود فإننا كل يوم استطعنا فيه ردع العدو وإقناعه بالعدول عن مهاجمتنا وأن يحجم عدوانه عنا في ظل عدم التكافؤ مع قدرات العدو السياسية والعسكرية والتكنولوجية المدعومة عالميا نكون قد أطلقنا صواريخ الأمان والأمن لبلدنا ضد هذا العدو ريثما تتغير معطيات الواقع لنستطيع فعلا عندها إ طلاق صواريخ التحرير والحرية الشاملة الحقيقية الكاملة التي لا يمكن أن تتحقق كاملة في ظروفنا الراهنة هذه.
إن كل يوم نبني فيه مدرسة «حقيقية» وجامعة «حقيقية» تجري أبحاثا حقيقية وتنتج معرفة حقيقية نكون قد اقتربنا به من التحرير والحرية المنشودين ونكون بذلك أطلقنا جملة من الصواريخ على عدونا.
في كل يوم نحرر عقولنا من التبعية للماضي والطائفية والعشائرية ونبني الوطن المدني في ضمائرنا وعقولنا نكون قد اقتربنا به من التحرير والحرية المنشودين.
في كل يوم ينصف فيه قاض ما صاحب حق ما نكون قد اقتربنا به من التحرير والحرية المنشودين.
في كل يوم نبني فيه بيتا وننظم ونرشّد الحياة الأسرية بأن ننجب أطفالا بمقدار ما نستطيع من القيام بعبء التربية والتعليم والرعاية الصحية وتأمين فرص عمل حقيقية لأصحاب أدمغة ولمهندسين وحرفيين وصناعيين واقتصاديين نكون قد اقتربنا به من التحرير والحرية المنشودين.
في كل يوم نطور ونعصرن الشؤون الإدارية ونخلص مؤسساتنا الوطنية من تركة الإمبراطورية العثمانية البائدة نكون قد اقتربنا به من التحرير والحرية المنشودين.
في كل يوم ندعم المنتج الوطني صناعة واستهلاكا لنصل إلى تطوير اقتصادنا الضروري لأي عملية تحرير وحرية لأن للحرية ثمناً ولا حرية بلا مسؤولية وقد تبدأ المسؤولية في شراء المنتج الوطني بدلا من المستورد نكون قد اقتربنا به من التحرير والحرية المنشودين ونكون بذلك أطلقنا جملة من الصواريخ على عدونا.
في كل يوم نحافظ فيه على استقرار سورية المقاومة الوحيدة لخطط إسرائيل لأن عدم استقرارها هو فائدة للعدو نكون قد اقتربنا به من التحرير والحرية المنشودين.
في كل يوم تعقلن المعارضة السورية الوطنية خطابها برؤية واقعية للوطن لئلا ينزلق هذا الوطن نحو السيناريو العراقي نكون قد اقتربنا به من التحرير والحرية المنشودين ونكون بذلك أطلقنا جملة من الصواريخ على عدونا.

مدرس جامعي
(*) فعل القمر الصناعي إما أن يعزز معنى فعل الرشق أو يجرده تجريدا تاما من كل المعاني أو يحمله باتجاه اتهامين خطيرين قد لا يكون ثمة أحد بريء منهما.
(**) إن أهم حروب الدنيا قد تدور رحاها دون إطلاق رصاصة واحدة فأميركا هزمت الاتحاد السوفيتي دون خوض معركة عسكرية مباشرة واحدة وبسبب إيماني بحضارة ثقافتنا القائمة على أسس إنسانية وأخلاقية (قوامها راسخ في جوهر ثقافتنا بما فيها في جوهر كل من الإسلام والمسيحية) وقيام إسرائيل على كل ما لا يمت بهذه الأسس وإنما العكس حيث قامت على أسس من العدوان والقتل والاغتصاب والزيف فإن رهاني أن إسرائيل ستهزم من الداخل وليس بالضرورة عبر حرب شاملة يشنها العرب والمسلمون عليها ولذلك فإن حروبنا معها ليست بالضرورة حروبا عسكرية بل حضارية ولذلك أؤمن أن كل فعل حضاري يثبّت أقدامنا في أرضنا ووطننا نقوم به، كل فعل يبطل مفاعيل مؤامرة أميركية إسرائيلية ضد وجودنا هو فعل أكثر فعالية من معركة عسكرية قد يكسبها العدو لتفوقه المادي وليس لأنه يحمل قداسة الحق الذي نمتلكه نحن في صراعنا الطويل مع الغرب ومع إسرائيل. إن سورية وحزب اللـه لم يبدأا بفعل عسكري مع إسرائيل وإنما قاما دائماً بما هو ردع، مقاومة، ممانعة، إبطال مفاعيل مؤامرات… الخ.
(***) تذكر ما جاء في (**) لئلا أكررها مرتين رغم أهميتها.
 

السابق
براغماتية السلاح··· أيهما يتحكم بالآخر: البندقية أم المبدأ؟
التالي
الحريري يخرج عن صمته الثلثاء ويُطلق “المواجهة السلمية”