شعره جاب صحراء الحجاز وتعدّى حدود الهند محمد كامل شعيب

الشاعر محمد كامل شعيب (1887 – 1980) ولد في قرية الشرقية، ناحية النبطية، تلقى علومه في المدارس المحلية وعلى يد الشيخ مرتضى قبيسي ثم درس في المقاصد في صيدا. ولشدة ولعه وحبّه للعلم والمعرفة توجّه عام 1913 إلى الآستانة من أجل متابعة دراسته غير أنه ما لبث أن عاد إلى وطنه في العام التالي إثر اندلاع الحرب العالمية الأولى. فسمّي رئيساً لجمعية الاتحاد والترقي في صيدا إبان تلك الحرب.

الشاعر محمد كامل شعيب، يعرفه جبل عامل والشرق وبلاد العرب، وكان من المقاومين شعراً ونثراً للانتدابات الأجنبية ومن المتحمسين في المقابل للتيار العربي الناهض آنذاك مع الشريف حسين ونجله الأمير فيصل الذي أصبح ملكاً للعراق بعد أن أخرج بالقوة من سوريا إثر معركة ميسلون الشهيرة عام 1920.
في تلك المرحلة وفي ظل الاحتلال ومصارعته تألق محمد كامل شعيب ابن قرية الشرقية نجمهُ أديباً وشاعراً ثائراً وصحافياً مقاوماً فأصدر جريدة “العروة الوثقى” عام 1924 التي ما لبثت سلطات الانتداب أن أقفلتها في العام نفسه وأمرت بنفيه إلى الآستانة (اسطنمبول)، ولكن تدخّل الرئيسين شارل دباس وحبيب باشا السعد أعاده إلى الوطن.

الكاتب العدل و”الأستاذ”
لكن ذلك لم يقعده عن جهاده المعرفي والشعري فاتصل بالشريف حسين مادحاً برغم الغضب الفرنسي عليه، ولم يزده هذا الغضب إلاّ قوة وشكيمة وعزماً خصوصاً بعد أن عيّن كاتباً للعدل في صيدا مُؤَمّناً دخلاً ثابتاً ومريحاً علماً أن همته كانت تتطلع لما هو أعلى من ذلك وهو الذي لقّبَهُ جمهور جبل عامل بـ”الأستاذ العاملي” بسبب تجواله المستمر في ربوع الجبل وإلقائه للخطب النثرية والقصائد الشعرية الوطنية القيّمة في زمن عزَّت فيه المدارس وقلّت. فكان رسولاً للعلم يقارع الجهل والتخلّف مقارعته للاحتلال الفرنسي وأذنابه الذين كانوا يحاولون الولوج إلى دساكر جبل عامل وقراه ترغيباً وترهيباً لفرض سياساتهم والالتزام بها.

مالئ الدنيا
وعندما استتبت الأمور السياسية في البلاد في بداية الثلاثينات والأربعينات من القرن الفائت وليتحقق الاستقلال في نهاية المطاف، قام الشاعر محمد كامل شعيب بالسفر إلى بعض البلدان العربية ومدح أمراء الحجاز وإمام اليمن وبعض سلاطين الهند من المسلمين وذهب إلى مصر فاتصل بأمير الشعراء أحمد شوقي الذي عبّر عن إعجابه بـ”الأستاذ محمد كامل شعيب” وشعره كما أشاد به الأديب المصري الكبير عباس محمود العقاد وقد تبارت الصحف المصرية في نشر نتاجه الشعري والنثري بعد أن تبيّن أنه ينثر بجودة ما ينظم فيها الشعر فكتب في “الأهرام” و”الشورى” و”المقطم” و”المنار” و”المقتطف” و”الهلال” و”النيل” و”الدفاع المصري”، و”البلاغ” ثم كتب لـ”لسان الشعب” التونسية وغيرها. وكان مواظباً على الكتابة في “العرفان” اللبنانية التي أسسها الشيخ أحمد عارف الزين في صيدا عام 1909.

كلاسيكي متجدّد
حافظ الشاعر محمد كامل شعيب العاملي على القديم روحاً وشكلاً، فكان شعره كلاسيكياً بامتياز، مصقولاً صافياً يتسم بطول النفس وحدّة الذكاء في انتقاء المعاني المتجدّدة، فأشرقت بذلك ديباجته واشتدت ألفاظه، حتى إذا ما طالعت شعره خلته أنه إلى العصر العباسي هو أقرب مذهباً من عصرنا الحالي.
فقد نظم قصيدة مدح فيها الملك فيصل وقال بمناسبة الوفد الذي ترأسه الملك ونجم عنها معاهدة كليمنصو – فيصل عام 1920 ونشرتها جريدة “الشورى” في مصر في ذلك الحين:
آساد غيل أم كماة بواسل لها الأعوجيات الطوال معاقل
تشذ الحفاظ المرّ عنها جحافلاً مضمخة بالطيب منها الشمائل
مشى في حواشيها النضال مخضّباً كما خضبت فيه الجدود الأوائل
تواصل فيه الزحف بالزحف للعدى وتنقض تحت الدرع فيها المفاصل
أغارت لظى الشهباء منها تألّقاً معارك ذاك أهلها والخصائل
كأن الثريا بسمة من شفافها تشوب السما جنداًً لها وجحافل
يود هلال الأفق رؤية وجهها ليشبه بدراً في السما وهو كامل
فوق الطروس دونها حرب داحس وما عانت الأهوال بكر ووائل

آفاق شعره
ثم بعد ذلك يخلص إلى مدح الملك بمعانٍ ملحميّة فيها من البطولة والعزة والإباء والفروسية ما يذكّرنا بقصائد المتنبي في مدح سيف الدولة مع إضافة ما يلزم من معدات حربية حديثة ومدافع وقنابل ثقيلة:
وبأس تشب النار في عزماته إذا ما غلت في الروع منه المراجل
تتوق إلى الهيجا بخمرٍ معتقٍ لبعض الندامى أو لساق يناضل
وتشتاق شوق الروض للنيل والندى لجمع شتات العرب والروض ذابل
ولم يزل وادي الزناد كأنما صغار يعينه العوادي النوازل
يذوذ كآساد الشَرَى عن عرينه ولا مسعف إلاّ حسام وذابل
وللحاصب القذاف في قبضة العدى دوي كقصف الرعد في الجوّ هائل
كطير أبابيل بسجيلها غدت تصوب للشامات منها القنابل
والقصيدة طويلة تزيد على مئة بيت ولا يخفى ما فيها من براعة في اختيار الألفاظ وحسن في التخلص، حيث النسق التقليدي القديم يجتمع مع حداثة الموقف في مشهد مؤثر قلّ نظيره لا يتقنه إلاّ شاعرنا “الأستاذ العاملي” محمد كامل شعيب الذي ملأ الدنيا وشغل الناس لأكثر من نصف قرن قضاه في النضال والجهاد شعراً ونثراً ومواقف سياسية حادّة مشرفة ووطنية لم ينطفئ وهجها إلاّ عندما أسلم الروح بعد عمر مديد في 2 أيار عام 1980.
فإن نهضت لعمري مثلما نهضت في سابق العهد رومان ويونان
وإن عثرت على رغم غداة قضت عليك بالنفي أحقاد وأضغان
فتلك باريس فيك اليوم معجبة كذاك مصر فبغداد فعمان
وهذه صحف التاريخ بعدئذ تنبي وتخبر عما كنت أو كانوا
فإنما مصر ما أبصرت عن كثب عمد وأنت لها نصل وميزان
بشرى لعينيك لا يحزنك صنعهم فأنت أنت لعين العرْب إنسان
نهضت بالقوم إذا أوسعتهم خطباً والشرق في ظلمات الجهل سكران
فإن هم حاولوا وثبا خلاك فقد نسوا بأنهم آلاك صبيان
وإن تباعدت عن كثبان مصرفكم عجت لبعدك أمصار وكثبان
فاصبر على البعد أياماً وأزمنة وإن نبت فيك أيام وأزمان
وهكذا الحر منصور ومنكسر من عادة الدهر أرغام وإحسان
وهكذا تسمع في قصيدة العامي صليل السيوف وجلبة الخيل.. وتلحظ تصادم الأبطال.. على عادة الشعراء العرب القدماء..

أبو تمام القرن العشرين!
آراءٌ في الشاعر محمد كامل شعيب:
رامز سركيس صاحب جريدة “لسان الحال” اللبنانية: “هو أحد رجال دولة الأدب العامليين في ميدانها الفسيح ومن الشعراء المبرزين الذين يشار إلى عملهم وفضلهم بالبنان.
جريدة “البيرق”: “شاعر مجيد له مكانته الشعرية وشهرته الواسعة وأدبه الغزير”.
“المعارف”: “الأستاذ السيد محمد كامل شعيب العاملي ينظم القصيدة بين الضجيج المتواصل وفي عزلة عن الناس وله أسلوب خاص في شعره شهد له به قراء العربية الذين يطالعون أمهَّات الصحف، وقد نشرت أكثرها طرفاً من أقواله ومنظوماته.
الأديب الشاعر السيد صدر الدين الحسيني:
لآل غوالي أم قواف شوارد أضاءت بوجه الدهر فهي فرائد
أعد نظراً يا رائد الشعر أنه هو الشعر لا ما نمقته الولائد
فكم زينت فيه المحافل دستها وكم شهدت فيما أقول المشاهد
الشاعر علي مهدي شمس الدين:
ذي أبحر بالدر قذافة يسعد من حاول منها التقاط
من سرح الفكر فيها رأى دلائل الإعجاز فيها تناط
الشاعر حليم دمّوس: “ينظم القصيدة بجلسة واحدة وعلى نفس واحد لا ينقطع، أما شعره فملء المسامع والمجامع وله في عالم الأدب مقامه الرفيع المنيع، حتى قال فيه خليل بك مطران أنه كاظميُّ سوريا ولبنان”، أي شاعر العرب الشيخ عبد المحسن الكاظمي.
جبر ضومط: “نابغة من نوابغ الشعر يوشك أن يكون أبا تمام هذا العصر”.
فرح أنطون: “شاعر متين التركيب، سريع الخاطر يعد من نوابغ القريض في العصر الحاضر”.

السابق
الشاعر عصام العبدالله: أمشي مستقيماً في الشارع وفي الحياة
التالي
الفقيه المجدِّد محمد جواد مغنية 1904 – 1979 صاحب المؤلفات الفقهية والأدبية والبحثية