النهار: ميقاتي يثبّت تعهداته مقرونة برفض “حزب الله”

 بغالبية الاكثرية الناشئة منذ 25 كانون الثاني الماضي التي كلفت الرئيس نجيب ميقاتي تأليف الحكومة، نالت حكومته امس ثقة 68 نائباً هو العدد نفسه الذي لم يتبدل بين التكليف والثقة عاكساً دلالة واضحة على ثبات الانقسام السياسي والنيابي الواسع والفرز العميق بين المعسكرين السياسيين الذي كانت جلسات مناقشة البيان الوزاري مرآته الساطعة طوال ثلاثة ايام.
على ان الابعاد البارزة لجلسات المناقشة تلك لم تقف عند التعداد الرقمي وحده بل اتسعت الى الدلالات والمعطيات السياسية التي تركتها احدى كبرى الجولات للمبارزات المنبرية في مجلس النواب. ذلك ان هذه الجولة التي انطلقت بسقوف سياسية مرتفعة من بدايتها وشابتها في اليوم الثاني مشادات عنيفة، رست في يومها الثالث على مداخلات من العيار الثقيل لتفضي مع رد الرئيس ميقاتي على مداخلات النواب الى حقيقة موضوعية هي ان الصراع المفتوح بين الاكثرية والمعارضة ازداد خطورة في ظل انعدام اي افق حواري جدي حتى الآن على رغم كلام خجول عن محاولات مقبلة لإحياء تجارب الحوار. ولم يكن انسحاب نواب قوى 14 آذار من قاعة الجلسات قبيل الاقتراع على الثقة "الأحادية" بالحكومة، في سابقة لم يشهدها المجلس من قبل، سوى انعكاس للخلاف الكبير الذي يظلل الوضع السياسي حول عنوانين يختصران الصراع، هما المحكمة الخاصة بلبنان وسلاح "حزب الله".
وابرزت مصادر سياسية معنية بهذا المناخ لـ"النهار" مغزى انسحاب المعارضة من الجلسة قبيل التصويت، قائلة انه تعبير سياسي جامع لقوى 14 آذار عن رفض "الازدواجية" التي اصرت الاكثرية على ترسيخها في الاقتراع على الثقة، بمعنى ان ثمة معادلة غريبة تمثلت في وجود "التزامين" بالغي التعارض داخل الحكومة نفسها حيال المحكمة: التزام "حزب الله" الواضح والصريح رفض المحكمة وكل ما ينشأ عنها، والتزام رئيس الوزراء تكرار "احترام" القرارات الدولية و"متابعة" مسار المحكمة. وقالت المصادر ان هذا الواقع المزدوج يشكل بذاته الاستحقاق الاساسي الاول والمباشر الذي سيواجه الحكومة في الداخل والخارج، ولم يكن أدل على ذلك من الجهد الكبير الذي بذله الرئيس ميقاتي في رده على المداخلات لاظهار استمرار تمتعه بهامش مستقل ووسطي، وهو يعكس بذلك ادراكه لدقة ما يترصده في ترجمة تعهداته.
والواقع ان ميقاتي شدد في رده على القضايا الخلافية الاساسية، فلفت الى ان الحكومة "لم تتجاهل موضوع السلاح او القلق الذي يحدثه وجوده في المدن والاحياء السكنية، ومن هنا كان تأكيدها ان حفظ الامن هو مسؤولية حصرية للدولة بمؤسساتها الامنية وسلاحها الشرعي"، معلنا ان الحكومة "ستباشر اجراء الاتصالات الضرورية لسحب السلاح الثقيل والمتوسط من المدن والاحياء في ظل اجواء وفاقية". واعتبر الحديث عن ظروف تأليف الحكومة "مجافياً في بعض وقائعه للحقيقة"، ذلك ان "حكومتنا ولدت من رحم الارادة اللبنانية الصرفة ولعلها المرة الاولى التي يكون فيها قرار تشكيل الحكومة مستقلا".
وافرد ميقاتي حيزاً واسعاً للحديث عن موضوع المحكمة، فقال ان عبارة "احترام القرارات الدولية توازي بأهميتها، او هي اكثر اهمية من كلمة التزام"، وكرر ان الحكومة "عازمة على التعاون مع المحكمة تطبيقاً للقرار 1757". واضاف: "عيب ان يقال ان الحكومة تتنكر لدماء الشهداء وفي مقدمهم الرئيس رفيق الحريري، وانا شخصيا ارفض رفضاً قاطعا اي مزايدة في هذا الموضوع".
اما موقف "حزب الله" من المحكمة، فأعاد تثبيته رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" محمد رعد الذي كان بين الخطباء الثمانية الذين اختتموا اليوم الاخير من المناقشات.
وشدد على ان "ما توصلنا اليه في شأن المحكمة هو اليقين بخطرها على لبنان وخدمتها لاعدائه وهي تهدد الاستقرار في لبنان ولن تستطيع أي جهة ان تخدع اللبنانيين وتصادر قرارهم من خلال محكمة مزورة ومسيسة وفاقدة الصدقية والموضوعية".
وفي المقابل، أكملت قوى المعارضة حملتها المنهجية على موقف الحكومة من المحكمة، وبرزت مداخلات في هذا السياق لكل من الرئيس فؤاد السنيورة والنواب بطرس حرب وبهية الحريري وجورج عدوان وسامي الجميل. واتخذت مداخلة النائبة الحريري بعدا مميزا اذ وجهت عبرها انتقادات لاذعة الى كل من الرئيسين نبيه بري وميقاتي، فيما عمد الرئيس السنيورة الى تشريح رؤية "كتلة المستقبل" الى "الانقلاب على السلطة المستند الى وهج السلاح".
ويشار في هذا المجال الى ان النائب ميشال المر منح الحكومة الثقة، فعوض صوته غياب النائب طلال ارسلان عن الجلسة.
اما النائب روبير غانم الذي امتنع عن التصويت، فأوضح لـ"النهار" ان الامتناع هو قانونياً وواقعيا حجب للثقة، مذكرا بأنه اكد في كلمته في المجلس انه سيحجب الثقة وهذا ما فعله بالامتناع عن التصويت لان رأيه كان ألاّ يغادر نواب المعارضة القاعة بل ان يحجبوا الثقة من الداخل. 

السابق
«هستيريا» الانحياز لإسرائيل
التالي
جوبيه: ننتظر من الحكومة أن تتيح للمحكمة القيام بدورها