اللواء: السنيورة يحجب بإسم “المستقبل” ثقة الرئيس الشهيد.. وبهية الحريري تحذّر

 في 7 تموز 2011 نالت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثقة، لتكون اول حكومة بعد اتفاق الطائف، لا تتمتع بشيء من مواصفات حكومة الوحدة الوطنية، التي كانت حكومة الرئيس سعد الحريري، التي سقطت بالثلث المعطل في 25 كانون الثاني 2011، آخر صيغها، حرصاً على العيش المشترك والاستقرار، ومواجهة التحديات والازمات.
بهذه المحصلة، مضت حكومة الرئيس ميقاتي الى قدرها، بـ68 نائباً (او 56 نائباً كما قال الرئيس امين الجميل) اي بفقدان 42 نائباً عن حكومته الاولى عام 2005. وهذا العدد هو ما يشكل كتلة <لبنان اولاً>، التي عمودها الفقري نواب تيار <المستقبل> والتي حجبت الثقة على لسان نوابها، في جلسات المناقشة، وهي ثقة التي وصفها الرئيس فؤاد السنيورة بأنها <ثقة الرئيس الشهيد رفيق الحريري>.

ومع ان الرئيس ميقاتي، أضاف الى بيانه الوزاري التزامات صريحة وعلى رؤوس الاشهاد بالمحكمة الخاصة بلبنان، اضافة الى 15 تعهداً ازاء كل القضايا المطروحة من التعيينات الى الامن والاقتصاد والادارة والقضاء، فإن كتلة <المستقبل> ومعها حلفاؤها من 14 آذار رفعت الغطاء بصورة كلية عن حكومة اعتبرتها <حكومة حزب الله وحلفائه>، عبر مفاجأة رئيس المجلس ومباغتة رئيس الحكومة ونواب 8 آذار بالخروج من الجلسة على نحو جماعي، في سابقة هي الاولى من نوعها في الحياة البرلمانية اللبنانية، وفي شكل من اشكال الاعتراض النيابي والشعبي لفريق كبير من اللبنانيين، يشكل نصف الشعب اللبناني او يزيد، وايصال رسالة الى من يعنيهم الامر، ان فريق 14 آذار يرفض بصورة قاطعة تغطية <الانقلاب والانقلابيين> والشق الثاني من الرسالة، اعلان بدء المعركة السياسية لاسقاط الحكومة.

وبقدر ما خرجت الحكومة متثاقلة الخطى بالثقة الهزيلة، فإن مصادر نيابية محايدة، قرأت بين تجديد الرئيس ميقاتي التزاماته بالمحكمة والمطالعة ذات البنود الثلاثة حول حجم التزامه، واعلانه <انه لن يقبل بالتراجع عن احقاق الحق والعدالة، فكيف الحال اذا كانت دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري شهيد كل لبنان>، وكذلك اعلانه صراحة التزامه بالقرار 1757 الذي انشأ المحكمة، وما ذهب اليه رئيس كتلة <الوفاء للمقاومة> النائب محمد رعد، من رفض موصوف <للمحكمة وما يصدر عنها>، والتي وصفها بأنها <لا تصلح اصلاً لتسلم منصة الحكم القضائي>، واعتبارها <تجاوزاً موصوفاً للقانون الدولي ومصادرة للسيادة اللبنانية و<فاقدة للصدقية والموضوعية>، و<اداة سياسية في يد الديكتاتورية الاميركية والحركة الصهيونية>، واصفاً القرار الاتهامي بأنه <اتهام سياسي ظالم>، داعياً <لوقفة تاريخية> تسهم في احباط ما وصفه بالمشروع التآمري، مشروع ازمة مرشحة للانفجار في اي وقت كلما اقتربت استحقاقات المحكمة واجراءاتها وتطور الموقف.

اذاً، تمضي حكومة الرئيس ميقاتي إلى قدرها بثقة متصادمة وفقدان التغطية النيابية والسياسية من اولياء الدم، دم الشهداء الذين سقطوا بعد الجريمة المروعة التي ذهب ضحيتها الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

وبانتظار جلاء الموقف العربي والإقليمي والدولي والأوروبي من أداء حكومة الرئيس ميقاتي، فان العبرة تبقى في وضع ما التزمت به في بيانها الوزاري، أو في ما التزم به هو شخصياً في رده على النواب، ميزان التبصر في المواقف اللاحقة، والتحدي الاول: هل تنجح الحكومة في التخفيف من حدة الانقسام وصولاً إلى زواله، كما تعهد رئيسها، ألم تأخذ البلد إلى تعميق الانقسام، في غمرة تحولات تزلزل دول المنطقة كيانات وأنظمة؟.

الانسحاب من الجلسة ترقب وانتظار، فماذا في طيات يوم الثقة الغائبة والمتصادمة؟ وماذا عن ورشة الأفعال، بعدما أطلق رئيس الحكومة سلسلة من الوعود والالتزامات ستبقى عناوين المرحلة ومحور المنافسات السياسية والمواجهات التكتيكية بين الحكومة والمعارضة.

ويستفاد من الأجواء المحيطة بالفريقين الموالاة والمعارضة، أن كل طرف سيتربص للاخر لتصيّد اخطائه وينطلق منها لشن حملته لكشف نقاط ضعفه، لأن طبيعة المرحلة تستبعد إمكانية حسم المواجهة بالضربة القاضية.

وأكّد مصدر في كتلة <المستقبل> لـ <اللواء> التعامل الجدي مع الالتزامات التي أطلقها رئيس الحكومة حول موضوع المحكمة بحيث لن يتورع نواب <المستقبل> وجمهوره عن دعم رئيس الحكومة في حال تنفيذ هذه الالتزامات وتصديه لمعارضي التعاون مع المحكمة، رغم الموقف الذي ترجمه نواب 14 آذار بالانسحاب من جلسة التصويت على الثقة، تعبيراً عن رفضهم تكريس الانقلاب الذي حصل، ورفضهم ان يكونوا شهود زور.

ولاحظ المصدر أن الانسحاب بشكل جماعي كان قراراً متخذاً من اجتماع البريستول، الا انه زاد الاقتناع به نتيجة عدم اقتناع النواب برد الرئيس ميقاتي الذي لم يتحدث إلى مسألة تمويل المحكمة، فضلاً عن أن دفاعه عن كلمته <مبدئياً> في فقرة المحكمة، لم يكن موفقاً، بعدما تبين أن وزير الخارجية السابق علي الشامي اشتغلها بتحريك من وزير الخارجية السوري وليد المعلّم، أثناء اجتماع وزراء الخارجية العرب، من دون أن يطلع عليها لا رئيس الجمهورية ولا رئيس حكومة تصريف الأعمال آنذاك سعد الحريري، لافتاً إلى رقم الثقة الذي تحقق وهو 68 صوتاً لم يسجل بتواضعه منذ حكومة الرئيس عمر كرامي في العام 2004، حيث نالت حكومته يومذاك 59 صوتاً ضد 29 وامتناع 20 وغياب 20 نائباً.

أما مصادر الموالاة التي لم تخف ارتياحها لهذه النتيجة المرصودة، فقد أكدت العمل من جهتها على الاسراع في إطلاق ورشة المشاريع والانجازات، وبت مجموعة من الخطوات، في مقدمها ملف التعيينات الحساسة خاصة في حاكمية مصرف لبنان ورئاسة الأركان في الجيش وملء بعض المراكز الأمنية الشاغرة، على أن تكون الخطوة التالية فتح ملف الإدارة، بدءاً من تعيين المحافظين وصولاً إلى ملء الشواغر في الإدارات والمؤسسات العامة. اليوم الثالث

وكانت وقائع جلسة اليوم الثالث والأخير، والتي انتهت بالتصويت على الثقة، عند الرابعة إلا ثلثاً من بعد الظهر، قد تميّزت، خلافاً لأجواء اليوم الثاني، بجو سياسي ديموقراطي راقٍ وحضاري، خلت من مناكفات وسجالات، وظهر أن منسوب الحدة والتوتر تراجع إلى حدٍّ كبير مما كان عليه الحال في اليومين الماضيين، رغم احتفاظ نواب المعارضة بالتصويب على رئيس الحكومة والسلاح والدفاع عن المحكمة، في مقابل دفاع نواب الاكثرية عن الرئيس ميقاتي والسلاح ونعت المحكمة بنعوت متعددة.

وسبق رد الحكومة، على لسان الرئيس ميقاتي، مداخلات لثمانية نواب، سطع من بينهم نجم النائب سامي الجميّل من خلال تصويبه المباشر على سلاح <حزب الله> وانتقاده اللاذع لموقفه من المحكمة والقرار الاتهامي، وتشكيكه بالقرائن والأدلة التي عرضها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وهو ما استدعى رداً من النائب علي عمار الموصى بضبط النفس، مصوباً بعض المعلومات التي جاءت في مداخلة الجميّل، في حين ذهب زميله النائب نواف الموسوي أبعد من ذلك، حين كشف ما اعتبره اسراراً تثبت تعاون الحزب مع المحكمة ومع لجنة التحقيق الدولية، من خلال وجود مكتب للجنة في الضاحية الجنوبية، وذلك قبل الوصول الى اخذ القرار بوقف التعاون معها واعتبارها بمثابة عدوان على المقاومة، كما ذهب الموسوي الى حد تقديم اخبار للنيابة العامة، عندما اتهم رئيس شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي العقيد وسام الحسن بتسريب مضمون القرار الاتهامي الذي اتهم اربعة عناصر من الحزب الى احدى وسائل الاعلام، كاشفا بأن أحد هؤلاء (مصطفى بدر الدين) كان له دور في تنظيم مقاومة الاحتلال الاميركي في كل من الكويت والعراق.

كما تميزت الجلسة، بمداخلة مطولة للنائب السيدة بهية الحريري، حذرت من خلالها الحكومة من ادخال لبنان في اعراض المنطقة، ولما وصفته بـ <لعبة الامم>، وتساءلت في سياق مخاطبتها الرئيس ميقاتي: <هل نحن من قايض على دماء الشهداء من اجل رئاسة الحكومة>، مذكرة بأنها كانت قد سمت الرئيس ميقاتي لترؤس الحكومة بعد جريمة اغتيال الرئيس الحريري، ومؤكدة بأن تيار <المستقبل> يريد ان يتسامح وان يتصالح على اساس كشف الحقيقة.

اما الرئيس فؤاد السنيورة فقد كانت له مداخلة مطولة، كانت بمثابة مرافعة سياسية في تداول السلطة والوسطية والقوة في مواجهة الحق، ورفض معادلة الاختيار بين العدالة والاستقرار باعتبارها معادلة غير اخلاقية، وختم مخاطبا الرئيس ميقاتي: ان الرئيس رفيق الحريري يحجب عنكم الثقة، بسبب اختياره الابهام والالتباس في فقرة المحكمة في البيان الوزاري وتغطية الانقلاب على المحكمة والتنكر لحق الشهداء.

واعتبر ان ما اقدمت عليه الحكومة في موضوع المحكمة لم تقدم عليه اي حكومة اخرى، وهي في ذلك كحال رجل حمل بيده اليمنى قلماً وفي اليسرى ممحاة يكتب باليمين ويمحو باليسار. وهو ما رد عليه لاحقاً الرئيس ميقاتي قائلا: بأنه يكتب عادة بقلم حبر، في حين انه (اي السنيورة) يكتب بقلم رصاص.
 

السابق
القرار الاتهامي والربيع العـربي يحاصران حزب الله؟
التالي
براغماتية السلاح··· أيهما يتحكم بالآخر: البندقية أم المبدأ؟