الشيخ علي مهدي شمس الدين قاوم بيع الأرض للعدو بشراسة

 قام بعدة رحلات إلى فلسطين وسوريا ومصر. له لقاءات عديدة مع الشعراء، ولكن العلاقة المتميزة كانت مع الشاعرين رشيد وأمين نخله. تعرّض للمضايقات السياسية من قبل بعض الزعماء المحلّيين الذين ثار بوجههم منتقداً سوقهم للإنسان العاملي، سوق النعاج، متهماً إياهم صراحة بتجهيل هذا الشعب وبيع أرضه للعدو الصهيوني. كان زاهداً في الدنيا، لا يهتم بمظهره الخارجي، يرتدي عمة بيضاء، وجلباباً متواضعاً، تزوّج ورزق ثلاثة ذكور وثلاث إناث. توفي عام 1954م. ذلك هو الشيخ العاملي علي مهدي شمس الدين.
ولد الشيخ علي مهدي شمس الدين عام (1302هـ – 1884م) في مجدل سلم التابعة لقضاء مرجعيون، من أبوين جليلين، والده الشيخ مهدي، ووالدته السيدة سعدية تاج الدين، نشأ وترعرع في كنف والده، وعليه تلقى علومه الأولية، وبعد أن توقفت مدرسة البلدة، تلك التي أسسها والده، عن العطاء، انتقل إلى مدرسة شقراء، حيث تابع علومه على السيد علي محمود الأمين (1328هـ – 1910م)، في سنة 1922م عين قاضياً شرعياً في محكمة مرجعيون الجعفرية، ثم انتقل بعد مدة وجيزة إلى مدينة صور، ليعود بعد عام واحد إلى مرجعيون، التي استمر مقيماً فيها مع عائلته حتى أواخر عام 1932م حين استقال من سلك القضاء الشرعي، وترك مرجعيون إلى مسقط رأسه مجدل سلم.

لقاؤه مع الشعراء
كان الشاعر وثيق الصلة بالأدباء، غنياً بأصدقائه الشعراء، وكان له معهم جولات في الشعر، زار مصر بدعوة من أمير الشعراء أحمد شوقي. هذا عدا لقاءاته العديدة بالشعراء اللبنانيين على أرض الوطن.

مع الشاعر رشيد نخله
التقى الشاعر رشيد نخله لأول مرة في صور، حيث كان الشاعر نخله يشغل وظيفة قائمقام وهو يشغل منصب قاض شرعي، فتوطدت بينهما عرى الصداقة وتتالت الزيارات، وتشعبت هذه الصداقة، لتشمل المحامي الشاعر أمين رشيد نخله الذي كانت تجمعه بالشاعر شمس الدين محبة خالصة.
أرسل إليه الشاعر أمين نخله، مقطوعة يشكو فيها أحد المشايخ قال:
لنا صاحب يا شيخ رب عمامة كالبرج لكن فوق تلك نفاق
إذا غاب عن عيني تسلل حيّة وإن جاء حيّا خادمي ورواقي
حلفت بمسدول الشهور على منى وسبع سماوات وسبع طباق
لئن كان هذا الشيخ من أمة الهدى فلست بشيعي الغرام مذاقي
وقد بادله الشيخ علي شمس الدين عدة قصائد، منها هذه القصيدة الطويلة، التي تبرهن عن مدى تعلّق الشيخ علي بصديقه الشاعر:
أمين يا فتى الأدب هجرت من غير ما سبب
وكنت معدن النهى وكنت منبع الطرب
بلبل عاف أيكه وطالما فوقه خطب
كلما صاح صيحة رددت صوته العرب
يا هاجر الأقلام كيف هجرتها والعهد أنك سيد الكتاب
والشعر يسأل والقوافي والنهى وطرائف الخطرات والآداب
إلى أن يقول:
إني حملت إليك طيب تحية من (عامل) عبقت به أثوابي
وأخيراً يواصل ذكر مآثره وأفعاله فيقول:
يهنيك أنك من طليعة معشر للمجد ما فعلوا واللأحساب
دم يا أمين لهم بعز ما شدا طير مدى الأيام والأحقاب.

مع الشيخ أمين شرارة
الشيخ أمين شرارة من بلدة "بنت جبيل". شاعر مقل، توفي أثناء الحرب العالمية الأولى، وكان على علاقة وطيدة بالشاعر، فطلب منه الشيخ أمين أن يرافقه إلى قرية "قبريخا" لبيع ماكينة خياطة، وأثناء الطريق "جفل" الفرس بالشيخ أمين فألقاه أرضاً، مكسور الرجل والماكينة، فرجع به الشيخ علي مهدي إلى بلده، وأحضر له مجبراً.
وعندما شفي الشيخ أمين أرسل للشيخ علي بعض أبيات منها:
يا معيني وناصري ومجيري وعمادي في كل أمرٍ عسير
وحساماً أعددته لخطوب مفعمات كمثل يوم الهرير
ومن أجل المداعبة يتهم الشيخ أمين الشيخ علي بالتآمر عليه:
أنت أرشدته لكسر قوامي ولتلك الآلام والتجبير
أعلى ما لكم سطوت فقولوا أم قتلنا منكم رعاة الحمير؟
فأجابه الشيخ علي مهدي بهذه القصيدة، بالوزن والقافية نفسها
من معيني وناصري ومجيري من دعاة "الخنا" وأهل الفجور
وكلام قد زوّرته أناس ما أعيبوا بغير كذب وزور
وأخذ يبرر التهمة، من أنه لم يكن على علم بما يصيبه، والدليل على ذلك، أنه أقامه عن فطوره من أجل مرافقته.
وهو مذ حلّ حيناً حلّ فيه الشؤم حتى أقامني عن فطوري
طمعاً منه في بيع مكينا نبذتها تجار صيدا وصور
أظهر الزهد في الطريق رياء والرياء قد يجر للتدمير
علم الله منه سوء نوايا ه فأوحى "المنكر ونكير"
أن أقيما على طريق أمين فاجعلاه من بعض أهل القبور
ويذكر هنا بأنه يستحق مثل هذا الكسر وإن الله يريد تعذيبه
ولأجل العذاب أبقاك حياً ولكسر الأعضاء والتجبير
ويسخر منه بأن يرد إليه تهمته (رعاة الحمير) بأن يقول:
فاذكر السطل يا أمين وحمـ ـل الصحن مني وقلة التطهير
وتذكر مجبراً لكل بدويّ علم "الكار" في عراج الحمير

مع آل الأمين
تعود العلاقات بين السادة آل الأمين، والشيخ علي وأبيه وجده إلى علاقة أدب ونسب، فقد تعلم جده لأبيه (الشيخ علي حسين شمس الدين) (1328هـ – 1910م) على العلامة السيد علي محمد الأمين (1249هـ – 1833م) ثم تزوج السيد محمود الأمين (1327هـ – 1909م) بابنة الشيخ علي المذكور فتخلفت بالسيدين علي محمود (1328هـ – 1910م) ومحمد (1344هـ – 1925م) وبذلك يكون الشيخ علي مهدي، قد تلقى علومه على ابن عمته السيد علي محمود الأمين. وكذلك تعلم السيد محسن الأمين على يد الشيخ مهدي شمس الدين في مدرسة مجدل سلم، قبل انتقاله منها إلى مدرسة بنت جبيل، وبذلك تكون الروابط متوطدة بين العائلتين، بأكثر من ناحية، وقد أرسل الشيخ علي بقصيدة للسيد محسن منها:
إن فاتني شرف المثول أمام من هو في الحقيقة كعبة الإسلام
ما فاتني شرف المثول لمن له نفس أحلّته أجل مقام
ولو استطعت نزول حي ضمه للثمت منه مواطئ الأقدام
نحمِلُ فوق الذي نستطيع ونُحلبُ كالشاةِ وسطَ المراح
كأنا نصيح بواد عميقٍ يرد صداه هبوب الرياح
يسوموننا الخسف في كل آنٍ ونخفض بالرغم منّا الجناح
هوانا للبنان أودى بنا وما الحب إلاّ هوى وافتضاح
فكم عاشق مات في دائه ومعشوقه في هنا وارتياح
أرسل الشيخ علي إلى السيد علي محمود بهذه القصيدة:
شيئان قد جلبا إليّ حمامي دل الحبيب وألسن اللوام
وجوَى لبين الظاعنين أقمته في القلب أوقفني على الأعدام
وأبيت ريان الجفون من الكرى وأبيت محجوراً عليّ منامي
ما كنت أرغب في القريض وصوغه لولا مدائح حجة الإسلام

مع مي زيادة
التقى الشيخ شمس الدين، بالأديبة الشاعرة مي زيادة في شتورة، لبنان، وحصل بينهما تبادل شعري، غير أني لم أوفق في الحصول على سوى نص ردّ فيه الشيخ علي شمس الدين على الشاعرة مي، فقال فيه بعنوان:
"أنا لو تعلمين يا مي شاعر"
عيرتني بالبؤس ميّ وقالت بائس يائس وغر مغامر
قلت أغرقت في ملامك نزعاً أنا لو تعلمين يا ميُّ شاعر
لي نفسُ سَمَتْ إلى الأفق إلاّ على فمن دون شوطها كل طائر
وفي قصيدة ثانية منها:
عجبت مي من مقالي وقالت أنا مما سمعت منك بحيره
ظاهر مزعج وسمت مشين حدوْا بي على اقتحام الجريرة
وثياب رثت عليك ولكن تحت تلك الثياب نفس كبيرة
سخرت بالحياة لما رأتها أنها أن تطل ليال قصيرة
قرأت سفرها فلم تر إلا زجها بعد برهة في حفيرة
فإذا عاش عاش في الناس حراً طيباً ذكره كريم السريرة
وإذا مات قالت الناس خلَّفتَ تراثاً فنم بعين قريرة

مع أحمد شوقي
التقى الشاعر علي مهدي شمس الدين، أمير الشعراء "أحمد شوقي" في القاهرة (عام 1324هـ) بطلب من شوقي، وحضر أكثر الشعراء العرب، وذلك للتداول بالشعر الارتجالي، ويروى السيد علي إبراهيم ما جرى له مع شوقي فيقول: سأله الشاعر أحمد شوقي أن ينظم بمناسبة حرب طرابلس مع الطليان وعين له وقتاً. فقال له كلمته التي طالما رددها على مسامعنا (تأخذها بجيبتك) ثم انتحى ناحية ونظمها في دقائق وقدمها إليه ولكن أمير الشعراء لم يصدق ما رأت عيناه، فظن أن الشيخ يحفظ القصيدة، فحدد له أن يصف له حديقة المنزل، فوصفها، فحدد له مكاناً "محدداً" في الجنينة فنقله إليه شعراً في الحال، فضمه إليه وصافحه .

أما القصيدة التي قالها في حرب ليبيا مع إيطاليا وهو داخال استشهد فيه الكثير من الأبطال:
لا يصدق السيف ما لم تصدق الهمم فالسيف يصدأ والخطي ينحطم
وفي الشبا العزم عن حال الشبا عوض إن فارقت كفك الصمصامة الخذم
فما الشجاعة سيف أنت حامله ولا قناة ولا درع ولا علم
بل الشجاعة أقدام يشيعه حزمٌ تطير به الهامات والقمم
من لي بذي نجدة في ثوبه بطل وفي نفسه شيم في أنفه شمم
لا يرتضي الذل في حل ومرتحل ولا تزل له في موطئ قدم
يا شرق حسبك جهل قد أقمت به أفق ودونك ما ابتزوا وما ظلموا
هل وثبة في ظهور الخيل مرجعة من مجدنا اليوم ما اغتالوا وما التهموا
أم هل ترى ترجع الأيام من يدهم من حقنا اليوم ما ابتزوا وما غنموا
 

السابق
السيد جعفر شرف الدين: الجعفري المشرقي المنفتح
التالي
سعيد الصباح يجمع “طرائف” لتتسّع مساحة الأهل