الأخبار: الثقة لحكومة ميقاتي ولـ14 آذار طول البقاء

 حازت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ثقة مجلس النواب، بأقل الخسائر الممكنة. ما كانت قوى 14 آذار تهدد بفعله، لم يظهر سوى على شكل تكرار للمواقف السياسية التي فاضت بها وسائل الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية. وفي نهاية الأيام الثلاثة، نفّذ نواب المعارضة الجديدة خطوة استعراضية بدت أشبه بـ«العبسة في العتمة». وعلى حد قول أحد الناشطين البارزين في قوى 14 آذار، ربما كان من الأجدى أن يكتفي نواب المعارضة بكلمة النائب مروان حمادة، أول المتحدثين في جلسات الثقة، ثم الانسحاب بدلاً من الاستمرار في تكرار الكلام الذي قيل سابقاً، ثم الخروج فور بدء التصويت على منح الحكومة الثقة. وأمام التوقعات الخيالية التي رسمها عدد من «متطرفي» 14 آذار منذ اجتماع البريستول، رأى أحد «عتات» ثوار البريستول أن أهم ما أنجزته نقاشات الأيام الثلاثة الماضية هو إثبات أن قوى 14 آذار لن تموت بعد الخروج من السلطة، وأن الانهيار لم يمسّها كما أصاب غيرها من معارضات العقود السبعة الماضية. إذاً، صار الحفاظ على الوجود بحد ذاته إنجازاً، بحسب ما يُفهم من الناشط المذكور.
وربما فضلت قوى 14 آذار الانسحاب لأسباب «لوجستية» أكثر منها تسجيلاً لموقف سياسي. فلو أن نواب المعارضة مكثوا في مقاعدهم وأعلنوا «لا ثقة» خلال تعداد أسمائهم، لما كان عددهم زاد على 52 نائباً، بسبب غياب عدد منهم، كالرئيس سعد الحريري والنائبين عقاب صقر وأحمد فتفت والنائبتين ستريدا جعجع ونايلة تويني، ولأن النائبين روبير غانم وعماد الحوت امتنعا عن التصويت.
أما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فقد نفّذ ما كان قد أعدّ نفسه لممارسته، منذ ما قبل مؤتمر البريستول، عندما اشتد الهجوم عليه. فمنذ ذلك الحين، أكدت أوساطه أن «دولته» سيستمع بأعصاب باردة، ويستوعب الصدمات، على أن ينتقل إلى الهجوم عند الحاجة. وهجومه أمس، كان موفّقاً، في المضمون، على حد اعتراف غير نائب معارض بعيداً عن عدسات الكاميرات. كذلك أظهر فريق الأكثرية الجديدة استعداداً طوال الأيام الثلاثة لتلقّي أي هجوم على ميقاتي بدلاً من الأخير، وهو ما نفذه تحديداً الوزير علي حسن خليل الذي كان يتدخل لتحويل مسار سهام الأقلية عن رئيس الحكومة، واستدراج نواب 14 آذار إلى سجال معه هو.
ولعل أبرز موقف كسبته تلك القوى، هو التزام النائب ميشال المر بما أعلنه قبل أيام من على باب الرئيس نبيه بري، حين أكد أنه سيمنح الحكومة الثقة. وكانت خطوة المر لافتة لكثير من المراقبين، لأنه حافظ على الموقف ذاته، رغم صدور القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما تبعه من مواقف أعلنها الوزير السابق إلياس المر، لناحية اتهامه شبه الصريح لحزب الله بتنفيذ محاولة اغتياله.
لكن ثقة أبو الياس لم ترفع الأصوات في سلة الحكومة، إذ إن النائب طلال ارسلان غاب عن الجلسة، فأفقدها الصوت التاسع والستين، مع ما يعنيه ذلك من عجز قوى الأكثرية الجديدة عن حل معضلة استقالته وتعيين البديل منه حتى يوم أمس. ورأى عدد من نواب الأقلية أن خطوة المير مفرطة في سلبيتها، ولا تحافظ على علاقته بفريقه الأكثري، وخاصة إذا ما قورنت بأداء النائب ميشال المر، أو زميله النائب إميل رحمة الذي حضر إلى المجلس النيابي لمنح الحكومة الثقة، رغم وفاة والدته أول من أمس.
جلسة أمس شهدت مداخلات لثمانية نواب، هم: جورج عدوان، أكرم شهيب، بطرس حرب، محمد رعد، بهية الحريري، فؤاد السنيورة، سامي الجميل ونواف الموسوي. وبخلاف ما كان بعض «ثوار الأرز» يمنّون أنفسهم به، أتت كلمة النائبة بهية الحريري هادئة نسبياً، وإن كانت مسبوكة بأسلوب غير معهود منها. وهي تعمّدت القول لرئيس مجلس النواب نبيه بري إنها توجّه كلامها له شخصياً، وهكذا كانت كلمتها. ذكّرته بحق بيروت عليه، منذ الطفولة إلى الشباب إلى المحاماة، ومن كورنيش المزرعة إلى بربور فعين التينة، وفي أيام الانتفاضة. وفي محاولة منها لتسجيل نقطة على بري، تمنّت عليه لو أنه تخلى عن مقعدين إضافيين لتمثيل بيروت بأربعة وزراء. وتوجهت إليه بالقول: «إن حديثكم عن المصالحة في هذه اللحظات بالذات هو إدراك منكم لهول جريمة العزل السياسي، ومجزرة نحر مئات الآلاف من الأصوات التي عبرت عن خياراتها في الانتخابات، في جمهورية برلمانية، الشعب فيها مصدر السلطات». وأكدت أن عائلتها لا تسعى إلى الاستئثار بالسلطة، مستدلّة على ذلك بأن الأعوام الستة الماضية شهدت 7 استشارات نيابية، وخمس حكومات، لم يصل فيها الرئيس سعد الحريري سوى مرة واحدة إلى السرايا الحكومية.
أما رئيس كتلة المستقبل، النائب فؤاد السنيورة، فلم يأت بأي جديد في المطالعة التي انتظرها حلفاؤها وخصومه. تحدث السنيورة كأنه نائب عادي في المعارضة، فأحسن صياغة كلماته ونيشن على السلاح والمحكمة والقمصان السود. وتمسك بنتائج الانتخابات الأخيرة «التي قالت نعم لرؤية 14 آذار ولا لـ 8 آذار»، مشدداً على رفض امتداد انقلاب 7 أيار والخضوع له. وانتقد السنيورة وسطية ميقاتي، معتبراً أنّ لهذه الوسطية «وظائف لجهة تأمين التغطية للانقلاب والسعي إلى تجميل صورته». كما رأى أنّ الاعتدال أصبح «ازدواجاً في الكلام»، لافتاً إلى التباين بين موقف حزب الله وميقاتي من المحكمة. وأعاد السنيورة رفض الخيار بين العدالة أو الاستقرار الأمني، داعياً الجميع إلى الوقوف «وقفة حق»، مؤكداً رفض استباق المحكمة، ومطالباً بفتح المجال أمام الدفاع عن المتّهمين. وقال السنيورة إنه طوال السنوات الماضية أصرّ فريق 14 آذار على جعل ملف سلاح حزب الله «ملفاً داخلياً خاضعاً للحوار». وختم بالقول: «الرئيس رفيق الحريري يحجب عنكم الثقة».
رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، النائب محمد رعد، لم يأت بجديد أيضاً. كرر موقف حزبه من المحكمة الدولية، قبل أن يعد بأن تتابع كتلته مع رئيس الحكومة، ومع الوزراء المعنيين «وفي المجلس النيابي أيضاً كل ما يلزم لتسريع العمل من أجل دفع (ما وعدت الحكومة بتنفيذه) قدماً نحو الإنجاز».
أما النائب جورج عدوان، فدخل في مطالعة مفصّلة عن الفارق بين «قوة الشرعية وشرعية القوة»، مطالباً رئيس الحكومة بالتزام الأولى. وفيما ذكّر النائب أكرم شهيب بكلام رئيس حزبه النائب وليد جنبلاط عن المجتمع الدولي و«لا عدالته»، وخاصة في قضية فلسطين والجنوب اللبناني، وعد النائب بطرس حرب بالعدول عن رأيه الرافض لمنح الحكومة الثقة، فيما لو وقف الرئيس نجيب ميقاتي ليعلن التزام الحكومة بالقرار 1757 وقرارات الشرعية الدولية.
لكن حرب لم ينفذ وعده، رغم أن الرئيس نجيب ميقاتي، في رده على كلمات نواب المعارضة، أكد أن حكومته، «إذ تؤكد متابعتها لمسار المحكمة الخاصة بلبنان، فهي تنطلق من أن الحكم استمرارية، وهي عازمة بالتالي على التعاون في هذا الخصوص، تطبيقاً للقرار 1757 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي الذي أنشأ المحكمة بهدف «إحقاق الحق والعدالة» ـــــ كما جاء في بيان حكومة الرئيس سعد الحريري، الفقرة 13، وبعيداً عن «الانتقام والتسييس» كما جاء في بيان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ـــــ الفقرة 26». ولفت ميقاتي إلى أن كلمة «مبدئياً» التي أثارت جدلاً حول بند المحكمة الدولية في البيان الوزاري، مقتبسة حرفياً مما أقره مجلس وزراء الخارجية العرب في آذار الماضي. وعندما أثار النائبان فؤاد السنيورة ومروان حمادة أن وزير الخارجية حينذاك عرض هذا النص على زملائه العرب من دون الرجوع إلى رئيس الحكومة، الذي كان في فترة تصريف الأعمال، رد ميقاتي سائلاً: هل تقصد أنه (الحريري) لم يكن يقوم بدوره؟
ولفت ميقاتي إلى أن عبارة «احترام القرارات الدولية» التي وردت في البيان الوزاري إنما «توازي بأهميتها، أو هي أكثر أهمية من كلمة التزام، بدليل اعتبارها من التعابير الدستورية الأساسية، كما هو وارد في نص المادة 49 من الدستور التي تنصّ على أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، ويسهر على احترام الدستور…».
كذلك رد ميقاتي على الرئيس فؤاد السنيورة الذي اتهمه بمحو عبارة قائلاً: «أنا لا أحمل ممحاة، وأكتب بالحبر، لكنك يا دولة الرئيس تكتب بقلم رصاص». وختم رئيس الحكومة بالقول: «ليس نجيب ميقاتي من ناور وفاوض على المحكمة والعدالة للبقاء في السلطة، وليس نجيب ميقاتي من يفرّط ويتنكّر لدماء أي شهيد سقط دفاعاً عن لبنان». 

السابق
الحياة: الثقة لحكومة ميقاتي بعد هجومه على «14 آذار»
التالي
القرار الاتهامي والربيع العـربي يحاصران حزب الله؟