أركوندشن

 لم أشتر مكيفاً، على الرغم من وفرة عروض التقسيط المريح منذ شهر أيار وتناقص الأسعار كلّما توغلنا في الصيف. قلت: لبنان بلدٌ معتدل المناخ ما عدا بعض الاستثناءات التي لا تدوم سوى بضعة أيام، ثمّ أنّ البحر على مسافة "فشخة" والجبل على مسافة "فشختين"، والليل أرقّ من النهار. وأما إذا "زَرَدَتْ" الحالة، فإيجار الغرفة في الأوتيل (صنين – روم – بعقلين – الأرز إلخ…) لا يتجاوز العشرين دولاراً في الليلة، وعند أبو خليل في صنين أقلّ من ذلك، وسوف تُضطّر إلى أن ترتدي كنزة أو جاكيت هناك و… "الدفا عفا ولو في عزّ الصيف"… ويقولون لك في نشرة الطقس على التلفزيون: الحرارة تتراوح، في بلدان الخليج، بين 40 و50 درجة، وأما في الجحيم العراقي فأضف إليها عشر درجات أخرى.
ماشي الحال وأصبحنا في مطالع آب وبدأت غيوم مشتّتة توشح السماء أحياناً. الغيوم التي كان يطاردها الرسامون الانطباعيون من مكانٍ إلى آخر. إلى أنْ تورّطت أمس في نزلة شارع "سبيرس" حيث الحفريات تستهلك نصف الطريق ويزدحم النصف الآخر ازدحاماً خانقاً بالسيارات، في تمام الظهيرة وفي سرفيس ما ينفكّ "نيتّع" ويحاشر سائر السيارات، بينما تنطلق من "الكاسيت" بأعلى صوت ردّيات جوقة زغلول الدامور الزجليّة، والموضوع هو: هل الصيف أجمل أم الشتاء؟
حوالى ساعة حتّى نفدنا إلى منطقة "برج المر"، كانت كافية لكي يرشح العرق من جميع أنحاء جسمي ورأسي ونفسي. وصلتُ إلى البيت وقد عزمتُ عزماً أكيداً على تقسيط مكيِّف.
الأسانسور مشغول في الطابق السابع، وجاري منتظر مثلي على الباب، فوجب تبادل بعض المجاملات ثم بعض الكلمات عن الطقس:
– شوب اليوم!
– يعني. هذا هو الموسم
– بعد لقدّام؟
– أبعد… هذا مجرّد تمرين على الشوب العظيم… الشوب الأكبر. سكتُّ حائراً. ماذا يقصد الجار؟ فأردف:
– هناك في جهنّم. هذه رحمةٌ من ربّنا أنْ يتيح لنا بعض التمارين. تماماً أستاذ. مثل النّوم الذي هو تمرين على الموت.
– لا حول ولا قوّة إلا بالله. الموتُ حقّ ولكنْ جهنّم معمولة للعصاة والكافرين.
– لا أحد يستطيع أن يضمن نفسه.
– إن الله غفور رحيم.
– ولكنّه شديدُ العقاب
– يعني ما عندك مكيّف؟ وأنت تتمرّن على الشوب العظيم؟
– أبداً. لا أشتري مكيّفاً أبداً، والحمد لله على كلّ حال.
– ولكنّ الله سخّر لنا التكنولوجيا لكي نستمتع بها.
– كلّ واحد "ذنبو على جنبو". توجد أشياء كثيرة تُلهي الإنسان عن ذكر الله.
وصل الأسانسور. فسألت الجار: ما رأيك بالأسانسور؟
– لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها. معي ضغط وإلا كنتُ صعدتُ على الدّرج.
دخلت البيت وتخفّفت من ثيابي – انتظاراً كي يجفّ العرق، ثم إلى "الدوش". استغفرت الله مراراً وطلبتُ نمرة المحل:
– أريدُ مكيفاً إذا سمحت.
– تكرم أستاذ… في الحال.
واتفقنا على المواصفات.
بعد نصف ساعة تصاعد الطّرْقُ داخل الأسانسور في الطابق الثاني. انقطعتْ الكهرباء كالعادة. ندهْتُ على ناطور البناية وتعاونا على إخراج الجماعة. إنهما عاملان في محلّ الأدوات الكهربائية، ومعهما المكيّف والعدّة.
قال العامل: لم يعدْ باستطاعتنا أن نركّب الآن. الكهرباء مقطوعة.
– معليش. بلاها. ما عادت محرزة. ولا بأس بالتمرين على جهنّم… ما حدا بيضمن حالو… ثمّ إلى صنين. حيث الأركوندشن طبيعي لا يحتاج إلى كهرباء. أركوندشن الله.
 

السابق
طفل صيني حاول تقليد “سوبرمان” فقضى
التالي
“الوطن”: المعارضة تشـكل وفوداً الى الخارج للضغط حكومة ميقاتي