محكمة دولية ضد من؟

ما الذي ستجلبه المحكمة الدولية للبنان؟ العدالة أم الفتنة؟

السؤال مطروح على اللبنانيين بإلحاح قبل أن تغرقهم طوفانات التدخلات الدولية، وتتجاوزهم بقوة. العرب هذه المرة لا وقت لديهم لفض اشتباكات 8 و14 آذار، والسعي في جولات مكوكية لترتيب صفقات وسطية ترضي جميع الأطراف. ثمة ما هو أكبر وأهم. اليمن يحترق، سوريا تهترئ، فيما ليبيا غارقة في دمائها، ومصر وتونس لا تزالان في مرحلة تضميد الجراح.

قرار المحكمة الذي يوجه أصابع الاتهام إلى كوادر من حزب الله يحمل لبنان ما لا طاقة له به. الحزب يرفض التهمة، ويعتبر فريق المحكمة الدولية «كتيبة قضائية ضمن الجيش الإسرائيلي». الأمين العام للحزب يرفض الاحتكام إلى محكمة يرأسها أنطونيو كاسيزي الذي يصفه بأنه «صديق عظيم لإسرائيل». أكثر من ذلك، وزع الحزب وثيقة يقول إنها تؤكد نقل المحكمة الدولية 97 جهاز كومبيوتر – تعود جميعها للمحكمة – إلى إسرائيل عبر الحدود اللبنانية، فيها كم هائل من المعلومات المخزنة من لبنان وعنه. للحزب رواية متكاملة لإثبات أن المحكمة مجرد مؤامرة دولية عليه. فريق 14 آذار لا يرى في الأمر أكثر من تهرب، ويصر على المضي في المحكمة حتى الرمق الأخير.

ثمة من يلطف اللهجة مثل النائب عقاب صقر، معتبرا أنه لا يصدق بأن حزب الله هو من ارتكب جريمة الاغتيال ولا حتى سعد الحريري يصدق، ولعل المتهمين مجرد أفراد تم اختراقهم. لكن هناك من يذهب بعيدا ويرى أن التهمة لبست حزب الله مثل النائب في تيار المستقبل هادي حبيش الذي قال صراحة إن «البعض يحمل السلاح بحجة مقاومة العدو ويرتكب الجرائم».

الهوة تكبر بين الطرفين ومناصريهم. وجود حكومة نجيب ميقاتي، المحسوبة في غالبيتها على حزب الله، في هذا الظرف الحساس يزيد الأمر تعقيدا. الأيام المقبلة ستكون عسيرة على الحكومة والمواطنين معا.
لا أحد يعرف من الذي ارتكب الجريمة، وربما أننا لن نعرف أبدا، فالقبض على المتهمين، لاستكمال التحقيق، أمر شبه مستحيل، لا في ظل حكومة لسعد الحريري، ولا لغيره. فالأربعة المطلوب القبض عليهم لا بد أنهم غادروا لبنان من زمن بعيد. فالأراضي السورية مفتوحة أمامهم، والسفر منها إلى طهران ميسور. وهو ما جعل الأمين العام لحزب الله يقول متأكدا إن مذكرة التوقيف لن تنفذ لا بسنة ولا بـ300 سنة. وهو محق في ذلك، ويعرف عما يتكلم.

ما هو أكيد إذن أن المواطنين اللبنانيين العاديين هم الذين سيدفعون الثمن، وليسوا المتهمين الأربعة، الذين كفلت لهم حرياتهم حتى قبل صدور القرار الاتهامي.
النبرة ترتفع بين الطرفين المتصارعين، والأيام التي خصصت في المجلس النيابي لمناقشة البيان الوزاري وإعطاء حكومة نجيب ميقاتي الثقة قدمت نموذجا بينا عن السخونة التي ستشوب الأيام المقبلة. علما – وهذا مهم للغاية – أن القرار الاتهامي لم يطلع عليه أحد بعد، ولا نزال في مرحلة التسريبات الصحافية.

حزب الله لن يرضخ إذن، ولن يسلم رجاله للمحكمة، ولكن ماذا لو تم تحريك البند الثالث من قانون المحكمة الذي ينص على مسؤولية الرئيس عن مرؤوسيه؟ هذا يعني أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله سيكون المستهدف المقبل. عندها لن يهرب قائد المقاومة عبر الحدود بطبيعة الحال. الحزب يقول إنه لن يسمح للفتنة أن تتسرب إلى البلد. والمعلومات تبين أن تعليمات أعطيت من الحزب لمناصريه لتفادي أي احتكاك أو أي شرارة يمكنها أن تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
لكن المشكلة لم تعد داخل لبنان. المجتمع الدولي بات بمقدوره أن يشعل البلد حين يشاء. فالمحكمة أنشئت تحت الفصل السابع، مما يعطي مجلس الأمن حق اللجوء إلى خيارات عسكرية ضد لبنان لتنفيذ قرار المحكمة، أو محاصرته اقتصاديا، وربما فرض عقوبات من أنواع مختلفة.

مع ارتفاع وتيرة المظاهرات في سوريا، وازدياد عدد الضحايا، يبدو أن التعاطف مع حزب الله يخفت في لبنان بسبب ما يرتكبه حليفه السوري ضد المدنيين. هذا لن يرغم حزب الله على التنازل عن أي شيء في الوقت الراهن. لكن في المقابل، لن يكون اتخاذ أي عقوبات ضد لبنان أمرا مقبولا شعبيا، وفي صالح فريق 14 آذار. والاقتصاص من حزب الله ليس بالأمر السهل، كما يصوره لنا فريق 14 آذار. وبالتالي فالثمن الباهظ سيدفعه المواطن المسكين، الذي ما عاد له لا ناقة ولا جمل في قضية هو رهين مقصلتها منذ عام 2005. والسؤال الجدي بات على النحو التالي: كم من التضحيات على الشعب اللبناني أن يدفع كي يعرف من قتل رفيق الحريري؟ هذا إذا كانت معرفته ممكنة

السابق
هرطقات
التالي
حجر ..ورقة ..مقص