كيف ستترجم الحكومة شعار كلنا للوطن وللعمل؟

المهم في جلسات مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي خروج قوى 8 آذار من الشارع الذي لجأت اليه لسنوات لمواجهة الحكومات السابقة بالتظاهرات والاعتصامات واحيانا بالعنف والارهاب الى المكان الشرعي ألا وهو مجلس النواب، وخروج هذه القوى ايضا من بدعة "الديموقراطية التوافقية" الى حقيقة النظام الديموقراطي الذي بموجبه تحكم الاكثرية وتعارض الاقلية، فلا تظل حكومة ما يسمى "الوحدة الوطنية" مفروضة بحجة منع الاكثرية من الاستئثار بالقرارات من دون مشاركة الاقلية… فعسى ان تظل قوى 8 آذار على موقفها هذا اذا عادت اقلية، ويظل مجلس النواب هو مكان المواجهة بين الموالاة والمعارضة وليس الشارع.

أما المهم عند الناس فهو ما بعد جلسات المناقشة ونيل الثقة، وكيف ستترجم الحكومة شعار "كلنا للوطن، كلنا للعمل" كي لا يظل الوطن وطنين واكثر ولا يظل العمل للجزء وليس للكل ولفئة من دون اخرى، ولا يظل اللبنانيون منقسمين بولائهم للخارج وليس للوطن. ولكي نكون "كلنا للوطن" ينبغي العودة الى مقدمة الدستور الميثاقية ونصها: "لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع ابنائه، واحد ارضا وشعبا ومؤسسات في حدوده المنصوص عنها في هذا الدستور والمعترف بها دوليا".

الواقع ان لبنان لم يصبح بعد كذلك، اذ انه لم يصبح وطنا سيدا حرا مستقلا ما دام الخارج النافذ هو الذي يقرر عنه، ولم يصبح وطنا نهائيا لجميع ابنائه ما دام ثمة من لا يزال غير مؤمن بنهائيته ويتطلع بولائه الى ما وراء حدوده ليستقوي بخارج على الداخل، ولا اصبح الوطن واحدا أرضا وشعبا ومؤسسات إنما الارض موزعة بين لبنانيين يخضعون للدستور والقوانين، ولبنانيين لا يخضعون لهما ولهم دستورهم وقوانينهم… ولا الشعب واحد، فهو منقسم بين موال لشرق وموال لغرب، ولا المؤسسات واحدة لأن القوي له مؤسساته لا بل له دولته…

ومع ان دستور الطائف حسم الجدل حول هوية لبنان فأكد عروبة هويته وانتمائه، فإن ثمة من لا يزال يثير الجدل والخلاف حول هذه الهوية وحول اي عروبة، عروبة الاعتدال ام عروبة الممانعة… ولا يزال يثير الجدل والخلاف حول "التزام مواثيق منظمة الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان" بابدال كلمة "التزام" بكلمة "احترام".

ولم يعد لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين من دون تمايز او تفضيل، لان بين ابنائه من يريده ان يكون جمهورية غير ديموقراطية وغير برلمانية ولا احترام للحريات فيه ولا للعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بل التمييز بين مواطن ومواطن في كل المجالات. ولا يريد ان يكون الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية، إلا اذا كانت هذه السلطات له ليمارسها عندئذ عبر المؤسسات الدستورية وإلا فانه لا يعترف بأي سلطة ليست سلطته ولا بمؤسسات إن لم تكن مؤسساته. ولا يريد ان "يقوم النظام على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها"، بل يريد ان تتحكم سلطة بأخرى ولا تتعاون معها الا بشروطها. ولا يريد انماء متوازنا للمناطق كي تظل مناطق تنعم بالازدهار والاستقرار ومناطق تشكو من الحرمان واللااستقرار…

كما يريد الغاء الطائفية على اساس ان تسيطر طوائف كبرى على الطوائف الصغرى، كما انه لا يريد ان تكون ارض لبنان "ارضا واحدة لكل اللبنانيين" بل يريد فرز الشعب على اساس انتماءاته، كي يصير في الامكان تجزئته وتقسيمه توصلا الى تحقيق التوطين… ويريد اخيرا وليس آخرا ان "لا تكون شرعية لاي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك" الا عندما تكون السلطة سلطته ويعتبرها شرعية وان كانت تناقض ميثاق العيش المشترك…

وهذا ما جعل الرئيس حسين الحسيني يقول في كلمته خلال ندوة "الفريق العربي للحوار الاسلامي – المسيحي" عن وثيقة الوفاق الوطني "ان هذه الوثيقة هي وطنية وليست حزبية او طائفية، وهي وثيقة رسمية ذات قيمة قانونية قبل ان تكون ذات قيمة معنوية او اخلاقية، وهذا هو معنى تصديقها في مجلس النواب وغايتها العليا اعادة بناء الدولة اللبنانية. وهي وثيقة نالت موافقة المجتمعين العربي والدولي وتأييدهما. ويجب تطبيقها كلا واحدا لا استنساب فيه". ويختم بالقول: "إن المسألة الحقيقية هي ان اتفاق الطائف لم يطبق، وان اي تطبيق فيه استنساب او فيه مخالفة للغاية ليس من التطبيق في شيء".

الى ذلك، فإن ترجمة شعار "كلنا للوطن" تتطلب المراجعة لتحقيق ذلك كي لا يظل الوطن اوطانا، وشعارنا "كلنا للعمل" يتطلب وضع جدول زمني لتنفيذ ما يهم الناس، كل الناس، فلا يظل كل مشروع ينتقل تنفيذه من حكومة الى حكومة ومن عهد الى عهد، او لا يتم تنفيذه الا اذا كان للسماسرة حصة وللرشاوى مكان، وللفساد مقام، ولكل اثراء غير مشروع، مشروع في هذه المنطقة او تلك… فالمطلوب اذاً اتفاق اللبنانيين، كل اللبنانيين، على العمل من اجل الوطن كل الوطن، ومن اجل المواطنين كل المواطنين، وليس العمل ضد الوطن وضد المواطنين ولمصلحة الخارج، اي خارج…

السابق
السفير: الكمين لا يصيب الثقة.. ولا يهز ميقاتي وبان ينتقد إطلاق النار في مارون الرأس.. وإسرائيل تحتج
التالي
اللبنانيون الى صناديق الاقتراع قبل الأوان!