دار العز لمّامه

 طبعاً في العشرينات وما قبلها من كان خبزه من الشعير لن يدخل الأرز داره إلاَّ لأمر هام ولحادث غير عادي. وكان شراء كمية منه لا تتجاوز المئة غرام دليل وجود مريض عند الشاري إذ كان يستعمل عند الفقراء خاصة كدواء وليس كغذاء. وكان إذا سئل شاري الأرز عند سبب ذلك كان جوابه: "بعيداً عنكم عندنا مريض، الله لا يدخل الرز لدياركم" ثم أخذ الناس يتوسعون في استعمال الأرز فكانت بعض بيوت الوجاهة في القرى إذا أقامت وليمة تضع فوق صحاف البرغل طبقة من الأرز أمام كبار المدعوين بينما يحرم العاديون من المدعوين من هذا الامتياز العظيم. وكان اللحم والأرز في ولائم الزعماء من أهم الأسباب عند الغالبية لتلبية دعوة هؤلاء لإقامة فرح وعزاء أو استقبال. وكان القلة من المدعوين البارزين يجلسون إلى المائدة على الكراسي. أما الآخرون فكان يؤتى لهم بالقدور وهي ملأى بالأرز واللحم ويقلب القدر على حصير لتفريغ ما فيه يتحلق الناس حوله ويجلسون كما يقال على (ركبة ونص) وتشمر الأكمام وتمد الأيدي وقد انفرجت أصابع الكف ليمكن التناول بها لأكبر كمية ممكنة من اللقم. ويا بلع سلّم على زلط! وبعد أن تمتلئ البطون ترتفع الأيدي ويأخذ كل آكل ناحية من النواحي لاحساً أصابعه ليزيل ما تبقى عليها من دسم ويتبع ذلك بمسح فمه بكمه أو بطرف ثوبه، ويأخذ بعد ذلك بالحديث مع آخر عن وجودة الطعام ووفرته ومدى كرم الزعيم وجوده ويلتفت إلى الجمهور المتجمع ويقول لصاحبه: يا أخي دار العز لمَّامه! وكما أتى الجميع إلى دار الوجاهة يهزجون كذلك يعودون منها إلى قراهم. ومرة كانوا يهجزون بعد أن استقبلوا أحد الجنرالات الفرنسيين وهم راجعون بعد أن أكلوا هنيئاً وشربوا مريئاً بالأهجوزة التالية ولنسم الزعيم (أبو مرعي):
يا دار بومرعي يا دار حوّل فيك الجننار
واللحم مكرس فيك والرز لباب الدار

السابق
قام الدب ليرقص قتل سبعة تمان تنفس
التالي
علوش: “فورة” امس اظهرت العقلية “البلطجية” لـ”8 آذار”