الشياح تايمز..للشياحيين منذ أكثر من عشر سنوات

بدأت القصة بسؤال على البريد الإلكتروني: «كيف فينا نفشّ خلقنا بالشياح». لم يطل الانتظار حتى أتى الجواب على شكل مجلة إلكترونية «الشياح تايمز». هذه المزحة، التي وُلدت صدفة بهدف «التنفيس»، باتت من أكثر المزحات سماجة في المنطقة ومحيطها، وخصوصاً لمن تطالهم بانتقاداتها
راجانا حمية

«ندعوكم، كأعضاء مجلس إدارة مجلة الشياح تايمز إلى لقاءٍ موسّع لمناقشة خطوات توسيع مجلّتكم، الساعة السادسة من مساء (…) في مبنى المجلة الرئيسي في جبل لبنان، شارع واشنطن 710 مقابل مبنى بيترسبرغ». ملاحظة: «للاعتذار، الرجاء إعلام الزميل «أستريكس» قبل موعد اللقاء عبر الاتصال به على الرقم 0014112021441 لحتى ما نحجز كتير طاولات». المرسل: «أوبليكس مع محبتي».

كان كل شيءٍ سيبدو طبيعياً لو أن «أستريكس» نفسه، أو أحد أعضاء المجلة، تسلّم بطاقة الدعوة. لكن، ضلّت الدعوة طريقها ووصلت إلى بريدٍ آخر. وبات السؤال الآن عمّن يقف خلف هذه المجلة. كان لا بد من إيجاد وسيلة للتواصل. كتبنا لأوبليكس عبر العنوان البريدي نفسه، وذيّلنا الرسالة باسم «باناتشيّا»، علّه يثير حماسة المسؤول للإجابة.

بعد ثلاثة أيّام، أتى الردّ مصحوباً بسؤالٍ يتيم «من أي منطقةٍ أنت؟». نجيب: «من الضاحية». إجابة غير شافية، إذ يطرح السؤال مجدداً: «جيّد، لكن بتحديد أكثر… شيّاح أو شو؟». إذاً، هذا هو الشرط الأول. أن يكون الكاتب وحتى القارئ «شيّاحياً منذ أكثر من 10 سنوات»، وربّما سيتبيّن لاحقاً أنّ هذا الشرط ضروري، وخصوصاً لحظة الاطلاع على المجلة، إذ إن غالبيّة أعدادها التي صدرت تتمحور حول ستّة أشخاص من الشياح، هم: «صاحب السموّ المختار قاسم درويش»، «مسؤول الدواجن والتربية توفيق الخليل»، «رئيس المنظّمة العالمية للدواء أبو جميل»، «رئيس مجلس إدارة مصنع الأنابيب والتمديدات الصحّية حسن الياباني»، «مدير الأولمبياد محمد كزما» و«وزير الأوقاف حسن لميا» وكلّهم أبناء الشياح». ثّمّة شرط آخر، وقد لا يقل أهميّة عن «الهويّة الشيّاحية»، إذ يُفترض أن يكون أعضاء المجلّة من محبّي أشخاص سلسلة الكاتب الفرنسي رينيه غوتشيني للرسوم المتحرّكة.

ولئن كان السبب هو استعادة بعضٍ من ذكريات الطفولة، كما يشير أوبليكس، إلا أنّ الأهم هو «التخفّي عمّن قد يعرفنا في المنطقة، وخصوصاً أنّ أهالي الشيّاح يعرفون بعضهم بعضاً، ولا داعي للإحراج أو المسايرة». أما الهدف الثاني، فهو «اتّباع أسلوب أوبليكس والرفاق في العمل، فهم كانوا يُعدِّون خلطاتٍ سرّية لمقاومة الاحتلال الروماني، ونحن نكتب بأسلوب نقدي علّنا ننجح في تغيير الواقع».

وللحفاظ على السرية، يقتصر فريق عمل «الشيّاح تايمز» على ستّة أشخاص يتولّون وظائف التحرير والتصوير، هم: رئيس تحرير أوبليكس، مدير التحرير أستريكس، والمراسلون: باناتشيا وكليوباترا وفيتالستراتستكس ولاترافياتّا.
المجلة التي أصدرت أكثر من 16 عدداً، تعدّ ذلك إنجازاً. فقد نجح الاختبار ولم تعد الشيّاح تايمز «مجرّد فشّة خلق» صدرت صدفة في 22 أيّار 2008، بل باتت مجلّة كغيرها. وربّما أكثر، إذ اتّخذت صفة «الثقافية والعالميّة»، يحكمها الهمّ المعيشي ومحاربة الفساد في المنطقة التي تؤويهم. كلّ هذا، يضع أوبليكس، الذي حاورناه عبر البريد الإلكتروني، أمام تحديّ ابتكار شخصيّات أخرى. إذاً، يحتاج أوبليكس الى صاحب سموّ آخر، غير المختار قاسم درويش الذي كان «بوب ستار» الأعداد الأولى:

«ربّما لأنه الشخص الوحيد الذي يتحمّل مسؤوليّة في الحي». وبالفعل بعد العدد الأوّل، بدأت تتنوّع الشخصيات وبدأت معها متاعب العمل السرّي، وخصوصاً أنّ «عيون المختار فتّحت على بعض الشباب». ولكن، بما أنّ الشباب من المنطقة، فقد كان من السهل تأمين مواد من دون عناء البحث عنها، وتعريض أنفسهم للخطر. كان لا بدّ من «تضييع» المختار، إذ عمد أوبليكس إلى إدخال شخصيّات أخرى مثل «مسؤول الدواجن والتربية توفيق الخليل»، وهو مسؤول «دوبل»، أي أنّه مدير مدرسة ابن خلدون المتوسّطة وصاحب مزرعة الدواجن الملاصقة للمدرسة. ومن إنجازات هذا المسؤول أنّه طمأن أهالي المنطقة للمرّة الأولى الى «أن المستوى التعليمي في الشيّاح يعد من أهم المستويات في العالم»، ناقلاً بشرى «توأمة المدرسة مع جامعة السوربون الثانية في باريس»، وقال إن فكرة «دمج تربية الدواجن مع التعليم لاقت استحسان الفلاسفة الفرنسيين، ولذلك تدرس السوربون إمكان افتتاح محلات السوربون للفخاذ والصدورة والدجاج».

ولكن، ماذا عن إنجازات وزير الأوقاف حسن لميا؟ وزير الأوقاف هذا لا عمل لديه سوى عقد مؤتمراتٍ صحافيّة للاستنكار، و«بنص دين المؤتمر، يستأذن لأنه بدأ دقّ الطاولة عند الحاج رمزي كنج».

في العدد الثالث، انقلب المرح وتحوّلت شخصيّات المنطقة إلى مادّة دسمة لانتقاد الأوضاع التي تعيشها هذه الرقعة من بلاد الله الواسعة. تحوّل المختار إلى ممثّل السلطة السياسيّة، وحسن لميا إلى وزير الطاقة والكهرباء المسؤول عن أزمة انقطاع التيار الكهربائي، وأبو جميل إلى ممثّل وزارة الصحّة التي لا ترى داعياً لإقامة مستوصف مثلاً في تلك المنطقة… كما باتت للقرّاء زاوية خاصّة لتعليقاتهم.
كلّ هذا، قبل أن نصل إلى العدد السادس. هنا، توسّعت مروحة الموضوعات، وخرجنا من نطاق سموّ المختار إلى سموّ النائب عن منطقة الضاحية باسم السبع مثلاً. وبدأت التعليقات حوله، كان أولها عن القاسم المشترك بين باسم السبع والفان. وهو القاسم المشترك الذي لا يخص السبع فقط، بل «كل المسؤولين»، ذلك أن «الواحد منهم بدو 60 ألف صوت كرمال ياخد مقعد واحد، في حين أن الفان فيه 14 مقعداً لـ14 راكباً، والفان بـ500 ليرة بتركبو، بالوقت إنو باسم السبع وغيره راكبنا 4 سنين ببلاش».

هكذا، خرجت الشيّاح تايمز من الشيّاح إلى بلاد الله الواسعة. تجولت في برج البراجنة وحيّ السلّم، وقد تصل إلى أي منطقةٍ هامشيّة في ضاحية العاصمة، لكنّها لن تخرج إلى سواها، وهو ما يؤكّده أوبليكس. لكن، رغم كلّ هذه الانتقادات، لا ينسى أعضاء المجلّة التذكير بأنّ «هدفنا من كل هذا ليس التجريح، بل رسم البسمة على شفاهٍ يئست من الهموم ومحاولة للتغيير من خلال نبش التجاوزات، أقلّه في ضاحيتنا».

السابق
ببغاء تفكر.. وتستنتج
التالي
شوارع مظلمة توفيراً للمال