لن يربح “نظام الأسد”… ولن يربح أخصامه!

لا يزال الإصلاح الجدي ممكناً في سوريا لأسباب عدة اهمها اثنان. الاول، عدم نزول غالبية الشعب السوري الى الشارع بمئات الآلاف والملايين على رغم ضرورة عدم الاستهانة باحجام التظاهرات التي سارت في شوارع المدن وضواحيها والقرى حتى الآن. وهي احجام تتطور تصاعدياً. والثاني، استمرار سيطرة النظام السوري على البلاد بسبب استمرار ولاء الاجهزة الامنية له والقوى العسكرية وما تبقى من حزب "البعث" و"حلفائه". علماً ان ذلك لا يعني ان "الفرار" من المؤسسات المذكورة لم يحصل. لكنه لا يزال خجولاً. إلا انه قد لا يبقى كذلك على رغم الصعوبات المعروفة وفي مقدمها التركيبة المعقّدة لقيادات هذه المؤسسات وهوية الجهات المسيطرة عليها.

لكن تنفيذ الإصلاح المشار اليه اعلاه يقتضي توافر ارادتين فعليتين مخلصتين وصادقتين. الاولى، ارادة الرئيس بشار الأسد ومن يمثّل وما يمثّل، وهي مهمة، لأن الاصلاح الجدي لا بد ان يؤدي الى تداول في السلطة اي الى كسر احتكار عائلة او فئة او حزب لها. وما يرتبه ذلك على المواقع والاحجام والحقوق في بلاد متخلِّفة بل في منطقة متخلِّفة، كبير ومعروف. والثانية، ارادة الشعب وتحديداً ارادة غالبيته التي تعتبر انها قُمعت وقُهرت عقوداً اربعة على الاقل بسبب انتمائها الديني لا بل المذهبي. وإرادة الجماعات الديموقراطية والليبرالية واليسارية. وهي على وجودها المتنوع لا تشكّل حتى الآن سوى أقلية وإن مهمة شعبياً. وتعني الارادتان المتكاملتان هاتان قبول إصلاح يحقق العدل والمساواة ويؤمِّن الحريات ويحمي حقوق الانسان ويرسي اسس الديموقراطية الفعلية أي لا يؤسس نظاماً جديداً مشابهاً كثيراً لنظام الأسد والبعث و"الفئة"، من حيث القمع والاستئثار والهيمنة والفساد وغياب الديموقراطية، لكن هذه المرة بذريعة الدين وليس بذريعة مواجهة اسرائيل.

هل تتوافر الارادتان؟ لا احد يمتلك جواباً عن هذا السؤال. ففي معسكر النظام لا احد يعرف اذا كان الرأي واحداً في ما يتعلق بالإصلاح، باعتبار انه واحد وإن اضطراراً في حال المواجهة. ولا احد يعرف اذا كان حلفاؤه الاقليميون يرون في الاصلاح نكسة لاستراتيجيتهم. اما في معسكر المعارضة فالآراء متنوعة، منها تصالحي مع النظام ومتمسك بالاصلاح، ومنها موال ضمناً للنظام ويعمل لاحتواء المعارضة باصلاح سطحي. ومنها رافض في المطلق استمرار النظام إما لأنه لا ديني ولأن حكم الشرع يجب ان يسود، وإما لأن لا ثقة كاملة بنياته الاصلاحية.

انطلاقاً من ذلك لا يمكن القول ان الدولة المدنية او العلمانية الديموقراطية الحرة لا تزال حلاً ممكناً للوضع السوري المأزوم. فالسوريون ومعهم العرب كلهم يعيشون مرحلة "الاسلامية" التي قامت على انقاض القومية والاممية غربية كانت أو شيوعية. وهذه المرحلة لا تزال في صعود عند السنّة في حين انها قد تكون بلغت القمّة عند المسلمين الشيعة وبدأت تتحسّب للإنحدار. لكن ما يمكن قوله هو ان تغييراً ما سيحصل في سوريا. لكن احداً لا يعرف موعده. ففي ظل ميزان القوى الداخلي حالياً لن يستطيع الرئيس الاسد القضاء على "الثورة" على رغم امكاناته العسكرية لأن العالم لا يسمح بذلك حليفاً كان او عدواً، ولأن تطور وسائل الاتصال لم يعد يسمح بإخفاء الحقائق الدموية على الارض. ولن يستطيع الثوار قلب الأسد ونظامه وربما الفئة التي ينتمي اليها، وإن صاروا بالملايين، وإن ازداد كثيراً عدد الفارين من الجيش والقوى الامنية، لأن نتيجة ذلك ستكون قطعاً حرباً اهلية نظراً الى التركيبة المعروفة للشعب السوري، والى المذهبية الحادة على رغم تعمّد الجميع عدم الكلام عنها. وفي حرب كهذه قد تتوحّد الغالبية وهي كبيرة، لكن "الاقلية" المعنية قد توحّد الاقليات الاصغر وخصوصاً بعدما اصابتها التطورات الجارية منذ 15 آذار الماضي بالخوف. كما ان دولاً عربية عدة واقليمية واجنبية فضلاً عن العدو الاسرائيلي قد تتحرك "لإذكاء النار بدلاً من اطفائها". وما يجب الانتباه اليه هنا ليس فقط المواقف السلبية لعدد من الدول من نظام سوريا بسبب امتناعه عن الاصلاح وتهرّبه منه على مدى 11 سنة، بل ايضاً مواقف الدول التي يفترض انها حليفة لسوريا الأسد او صديقة مثل روسيا والصين وتركيا. فهذه الدول تحاول حماية "سوريا" هذه، لكنها تقول لها علانية ان ذلك صعب اذا لم تنفّذ اصلاحات جدية.

ماذا يُسيِّر هذه الدول مصالحها أم قيمها؟ وما هو مستقبل الوضع السوري في رأي اصدقائها والحلفاء؟ وهل من عبرة للبنان ولغيره في هذه المنطقة في كل ما تشهده سوريا؟

السابق
الجراح:كفانا قمصان سوداء فلبنان بحاجة الى قلوب بيضاء
التالي
عاصم عراجي: على الرئيس ميقاتي ان يعلن بصراحة ووضوح تام موقفه من القرار 1757 وموقفه من مثلث الشعب والجيش والمقاومة واحجب الثقة عن الحكومة