اللواء: بري يضبط إيقاع اللعبة بالتوازن … وتوصية حزب الله لنوابه: إدفع بالتي هي أحسن

يتفق النواب من فريقي الحكومة ومعارضيها على أن محصلة الجولة الأولى من مناقشات البيان الوزاري بمنح الثقة لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي أو حجبها أو الامتناع عن التصويت، كانت <إيجابية> على وجه الاجمال.
وبانتظار جلاء الترتيبات الذاتية أو الخارجية التي أملت توفير ظروف مؤاتية لتمرير <قطوع> الثقة، على درجة مقبولة من الأداء الديموقراطي والاتزان السياسي، والابتعاد عن الغرائزية العمياء، سواء في تشريح الفقرة أو الفقرات المتعلقة بالمحكمة الخاصة بلبنان، والتي رأت فيها الكتل المنضوية ضمن إطار 14 آذار، تنكراً وخروجاً على التزام لبنان بالمحكمة الدولية، ومخالفة لسياق البيانات الوزارية السابقة، وأيضاً بما ورد في خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس ميشال سليمان، عند انتخابه في العام 2008 من التزام بالمحكمة والقرارات الدولية الخاصة بها من أجل إحقاق العدالة، بدا المجلس النيابي نقطة التقاء كل الكتل لتجاوز المأزق والانتفاع من نصائح دولية وعربية بعدم السماح للقرار الاتهامي بالتأثير على الاستقرار العام في البلد.

ومع هذه النتيجة المطمئنة، يعاود المجلس مناقشة البيان اليوم، ضمن السياق الذي رسم في اليوم الأول، مع خشية لن تؤثر على المسار العام، من أن تشكل كلمات بعض النواب اليوم، حقلاً لتعكير ما اتسمت به جولة اليوم الأول من انضباط وتناغم واحترام لقواعد اللعبة، خصوصاً وأن بعض هؤلاء من النواب الأقطاب أو الصقور من كلا الفريقين.

وقد رسمت مداخلة النائب مروان حمادة التي ألقاها في مستهل الجلسة الصباحية، أمس، حدود سقف المواجهة بين الحكومة والمعارضة، في حين حددت كلمة نائب <حزب الله> علي عمار الموصى بالتهدئة على حد قوله معالم رد فريق الأكثرية، ضمن حدود الإشادة بـ <عملاق البناء والإعمار> الرئيس الشهيد رفيق الحريري، و<عملاق المقاومة> الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، خالصاً الى نتيجة مؤداها أن <الهدف من اغتيال الأول هو الوصول إلى قتل المقاومة>.

نصر الله واللافت أن هذه <التوصية> التي عبّر عنها عمار بوضوح وبطريقته الارتجالية التي لم تخل من تطرية الأجواء، كانت تعبيراً عن توجه في قيادة الحزب، ترجمها عصراً الأمين العام للحزب الذي أعلن رفضه المقايضة بين العدالة والاستقرار، مؤكداً أنه <لا يوافق على مقايضة من هذا النوع لأن فيها نوعاً من الاتهام>، ذاهباً إلى أبعد من هذا الموقف عندما أكد بأن تحقيق العدالة شرط للاستقرار، وهو موقف يلتقي الى حد بعيد مع موقف كتل 14 آذار، وإن كان قد استدرك بأن خلافنا في لبنان مع بعض القوى السياسية، ومع كثير من الخارج هو على المصداقية، متسائلاً هل ما يجري هو عدالة، وهل المحكمة التي يرأسها صديق كبير لاسرائيل تحقق العدالة؟

واعتبر نصر الله الذي كان يتحدث في كلمة ألقاها في احتفال لمناسبة <يوم الجريح المقاوم> أقامته مؤسسة الجرحى التابع للمقاومة الاسلامية في قاعة شاهد على طريق المطار، أن الذين يؤيدون القرار الظني الذي وصفه <بالظالم> هم يدعمون الظلم ويتنكرون للحقيقة والعدالة، لافتاً إلى أن ما يجري أمرين، الأول من خلال المدعي العام للتغطية على القاتل الحقيقي الذي هو إسرائيل، وأن الظلم الأكبر لرفيق الحريري هو أن يقول البعض أن إسرائيل لا تقتل رفيق الحريري ولا علاقة لها بقتل رفيق الحريري، والظلم الآخر أن يتهم بهتاناً مقاومون شرفاء في هذه الجريمة.

وكانت رصدت تحت قبة البرلمان حركة لافتة للرئيسين نبيه برّي وفؤاد السنيورة، بدا انها من نتاج حضور الأخير احتفال الذكرى السنوية الأولى لغياب العلامة السيّد محمّد حسين فضل الله في الضاحية الجنوبية أمس الأوّل، بحيث فُهم أن هذه الحركة هدفت إلى تقليص عدد طالبي الكلام من الطرفين، والحفاظ على سقف محدد للخطاب السياسي، بحيث لا تفلت الامور من عقالها، كما كان قد اشيع من توقعات قبل ساعات من انعقاد الجلسة. وقد نجح الاثنان، إلى حد ما، في تبريد الأجواء وتخفيض عدد المتحدثين، أو على الأقل، الحد من ارتفاع عدد طالبي الكلام، بغية الانتهاء من المناقشات غداً الخميس والتصويت على الثقة.

هدوء مفاجئ وقد أرخى هذا التنسيق المعلن أجواء من الهدوء بين النواب على ضفتي الموالاة والمعارضة، بشكل فاجأ البعض ممن كان يتوقع تراشقاً كلامياً من العيار الثقيل الذي كان من الممكن أن يكون له تأثيره على الشارع الذي يتقلب على صفيح ساخن نتيجة الاحتقان الموجود، فبقيت الجلسة في جولتيها الصباحية والمسائية، هادئة ورصينة، رغم الانتقادات التي وجهت لحكومة الرئيس ميقاتي، وبشكل منظم من قبل المعارضة، التي ركزت هجومها على عناصر عدّة أبرزها الفقرة المتعلقة بالمحكمة في البيان الوزاري، فيما اتسمت ردود فريق الأكثرية بالبرودة لامتصاص الهجوم عليها وعلى الحكومة، الأمر الذي حدا بالرئيس ميقاتي إلى وصف أجواء الجلسة <بالمناخ الديمقراطي الممتاز>، وهو الذي التزم الصمت طوال الوقت حيال الانتقادات، مكتفياً بتدوين بعض الملاحظات على الورق.

وعزت مصادر مطلعة هذا النزوع المفاجئ إلى التهدئة إلى وجود قرار جدي وحازم من أعلى المستويات السياسية والأمنية بعدم المساس بالسلم الاهلي، وعدم تعريض لبنان إلى خضات أمنية غير محسوبة العواقب تحت أي ظروف كانت، سواء كانت تحت شعار إسقاط الحكومة أو مقاومة القرار الاتهامي، لأن هذا التهور لن يخدم أي فريق، في ظل التهديدات الإسرائيلية للبنان واللبنانيين.

ولفتت إلى وجود رهان على وجود الكثيرين من الفريقين الاذاريين يسعون إلى تقريب وجهات النظر وفتح صفحة جديدة من الحوار الهادف والبناء، تحت عنوان فصل الخلاف السياسي عن القرار الاتهامي، وهذا ما بات يحضر له في الكواليس في الداخل والخارج، وهو الذي – ربما – دفع البعض في المعارضة إلى إعادة التفكير في الطريقة التي ستهاجم بها الموالاة، من منطلق الإبقاء على خيط رفيع من التواصل معها.

الجلسة الاولى مهما كان من امر، فإن محك ما حدث في الجلسة الاولى، امس، رهن بما سيبحث اليوم، حيث يفترض ان يتحدث فيها 24 نائباً، وهو رقم قابل للازدياد كما للانخفاض، تبعاً للاجواء، وبين هؤلاء صقور 14 آذار، وفي مقدمتهم الرئيس السنيورة ونواب حزبي الكتائب و<القوات اللبنانية>، الى جانب النائب ميشال عون الذي غاب عن الجلسة الاولى، ولم يعرف ماذا اذا كانت للنائب وليد جنبلاط كلمة وهو الذي كان امسى من أبرز الحضور.

اما نجوم الجلسة، فقد كانوا بلا منازع النائب مروان حمادة، ونائب رئيس المجلس فريد المكاري، والنائب سمير الجسر وعمار الحوري من تيار <المستقبل>، فيما كان النائب علي عمار نجم الجلسة من فريق الموالاة، بعدما اظهر انضباطاً فاق نظيره باعتباره <الموصى>.

ولوحظ ان نواب <المستقبل> فضلا عن حمادة ركزوا في مداخلاتهم على وجدان الرئيس ميقاتي في موضوع المحكمة في البيان، اذ خاطب حمادة رئيس الحكومة قائلاً: <ان صديقك رئيس الحريري لم يستشهد <مبدئياً>، لقد اغتيل فعلياً بطنين من المتفجرات>. وذلك في اشارة الى كلمة <مبدئياً> التي وردت في البيان الوزاري، فيما استحلف النائب الجسر الرئيس ميقاتي: سائلاً إياه: <استحلفك بالله يا دولة الرئيس وبعزة رسوله وبرحمة والديك، هل انت تؤمن بأنه لو قبل الرئيس سعد الحريري بالاغراءات وبضغوط الداخل والخارج وساوم على دم الشهداء، كما تزعم، هل كنت اليوم انت في رئاسة الحكومة وتطرح لك الثقة؟>. في اشارة الى البيان الذي اصدره مكتبه الاعلامي، ردا على بيان لقاء البريستول.

اما في الجهة المقابلة، فقد نجحت قوى الاكثرية في امتحان <ضبط النفس> واثبتت قدرتها على الصبر على هجمات المعارضة، فدافع نوابها عن حكومة ميقاتي التي اكدوا انها تحظى بثقتهم في قدرتها من ادارة شؤون البلاد، اي محض الحكومة الثقة المطلوبة، وظهر هذا الانضباط بأوج صوره في كلمة النائب <الموصى> علي عمار التي تميزت بطابع روحي. فيما اثبت الرئيس بري ان قدرته على ادارة الجلسة لم تتأثر بالتطورات وبغياب المطرقة عن يده لفترة ليست بقصيرة، فكان بمثابة <ضابط ايقاع> نواب الاكثرية، عبر توصياته الى <صقورهم> بتخفيف اللهجة، واظهرت المناقشة ان الاكثرية فوضت بري مهمة الرد على هجمات نواب المعارضة، الامر الذي ظهر من خلال تعليقاته واستيضاحاته لمواقف بعض النواب.

السابق
من عمرو موسى إلى نبيل العربي: الجامعة العربية والثورات …
التالي
الحياة: البرلمان اللبناني يبدأ مناقشة بيان الحكومة بإيقاع «مضبوط» والمعارضة تركز هجومها على بند المحكمة والسلاح