البناء: نصرالله يرفض المقايضة بين العدالة والاستقرار ويَعِدُ بمزيد من الوقائع وجلسة هادئة للثقة تُعزِّز موقع الحكومة

خيّمت أجواء هادئة وغير متشنجة على اليوم الأول من جلسة الثقة أمس على عكس ما أثير خصوصاً من قبل أوساط المعارضة من تهويل كان القصد منه استكمال مسلسل الضغط على الحكومة ورئيسها.
ولم تنجح المعارضة في إحراز أي نقطة في مرمى الحكومة والأكثرية الجديدة، بل كررت نفسها واستحضرت خطابها إلى ساحة النجمة الذي كانت عممته في الأيام الماضية وفي بيان مؤتمر «البريستول».
تحولت الجلسة أمس إلى جلسة عادية استطاعت فيها الحكومة والأكثرية احتواء الهجوم المعارض تارة بالرد الدقيق وتارة أخرى بالتزام الهدوء والتهدئة، ولم تنجر إلى بعض الاستفزازات مستعينة بالإدارة المحنكة للرئيس نبيه بري الذي ذكّر المعارضة في ختام جلسة الأمس بمناقشة البيان الوزاري، ملاحظاً أنهم يناقشون المحكمة أكثر من البيان.

23 كلمة
وتكلم على مدى الجلستين الصباحية والمسائية أمس 23 نائباً، وبقي على جدول طالبي الكلام 24 نائباً، أبرزهم اليوم «مايسترو» المعارضة الرئيس فؤاد السنيورة الذي لوحظ أنه كان يتابع الشاردة والواردة، خصوصاً تحرك نواب كتلة المستقبل، موزعاً الأدوار ومدوناً الملاحظات مثلما كان يفعل عندما كان رئيس حكومة، تحضيراً لمداخلته التي ستكون المداخلة الثانية بعد استهلالية النائب مروان حمادة أمس، التي رسمت سقف لهجة المعارضة، وبدا أن المكتوب قد قرئ من عنوانه وبالتالي تبخرت التوقعات بالمفاجآت والتصعيد لتحل محلها أجواء طبيعية بل ورتيبة في بعض الأحيان.

وإذا ما سارت الأمور على هذا المنوال فإن جلسة الثقة يمكن أن تنتهي ليل اليوم أو قبل ظهر الغد برد الرئيس ميقاتي قبل الاقتراع على الثقة المضمونة التي يتوقع أن تكون 69 صوتاً.

وفي جلسة الأمس، ركز المعارضون حملتهم على البند المتعلق بالمحكمة الدولية مكررين انتقاد صوغ هذا البند، مركزين على استبدال كلمة الاحترام بالالتزام بالقرارات الدولية، ومطالبين بحذف كلمة مبدئياً بالنسبة للمحكمة.
وبرز في هذا المجال مداخلة النائب حمادة الذي قال: إن قلقنا من هكذا حكومة على البلد أعمق بكثير من تحفظنا على بعض أعضائها، أو اعتراضنا على بعض ما تقدمت به لمجلسنا. وطالب الرئيس ميقاتي بالتخلي فوراً عن الصيغة المعتمدة في البيان الوزاري حول المحكمة والعودة إلى ميثاق الوفاق الوطني وتسوية الدوحة.
عمار
ورغم التوصية بالتهدئة فقد كان للنائب علي عمار مداخلة مفصلة سأل فيها هل أن نجيب ميقاتي وسمير مقبل قدما طلب انتساب إلى حزب الله ولا ندري؟
وهل رأيتم ميقاتي ومقبل وليون يلبسون القمصان السود؟ وأكد أن فريق «14 آذار» ليس عدونا، وعدونا الوحيد هو الأميركي و«الإسرائيلي».

وذكّر المعارضة بأن كل الحكومات منذ 1992 إلى 2005 شكلت بالتكامل والتكافل والرضى مع الوجود السوري. كما ذكّر بالعديد من الذين هم في فريق «14 آذار» اليوم وبحملاتهم على الرئيس رفيق الحريري.

بزي
أما النائب علي بزي فقد رد مباشرة على اتهام المعارضة للحكومة بأنها خارجة على الشرعية الدولية، مؤكداً أن مراقبتها للقرارات الدولية ومتابعتها لها هما حق شرعي. ولاحظ أن فريق «14 آذار» حوّل نفسه إلى مجموعة تكفيرية في الفقه الدستوري يصدر فتاوى التكفير فتصبح الحكومة كافرة بالشرعية الدولية وبالوسطية وبالعدالة وبالحقيقة وبالديمقراطية.

فارس
وتكلم باسم الكتلة القومية النائب مروان فارس فقال: إن ما يجري الآن في لبنان من محاولات مستمرة لتجريد المقاومة من سلاحها يدفع بنا إلى التأكيد على الأمور التالية:

1 ـ ان سلاح المقاومة إلى جانب سلاح الجيش اللبناني هو شرط أساس من شروط الحرية والسيادة الكاملة في لبنان (…).
2 ـ ان الحقيقة في الكشف عن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عملية هامة بالنسبة الى جميع اللبنانيين (…).
3 ـ ان المحكمة الدولية قد أنشئت خارج الأصول، فلم يوافق عليها في حينه رئيس الجمهورية ولم تقر في المجلس النيابي.
4 ـ ان كل الدلائل، إلى الآن، تشير إلى أن المحكمة مسيسة، وهي تخدم أغراضاً لا تمت إلى الحقيقة بصلة.

قيادي أكثري
ولاحظ قيادي بارز في الأكثرية الجديدة أن مداخلات نواب «14 آذار» في اليوم الأول من الجلسة كانت أشبه «بحفلة زجل» تكراراً لما يردده هذا الفريق من كلام سياسي ممجوج حول تشكيل الحكومة وبيانها الوزاري والموقف من المحكمة الدولية.
أضاف المصدر ان ما أعاد نواب «14 آذار» تكراره يظهر أن مشكلة هذا الفريق هي في خروجه من الحكم، واستعداده لاستخدام كل الوسائل للعودة إلى تسلم مقدرات البلاد، وتالياً بدا واضحاً أن الحملة الأساسية تركزت على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لأنه قرر عدم الاستجابة للمطالب الفئوية، لهذا الفريق وسعيه الدائم لاستثمار المحكمة الدولية خدمة لهذه المصالح.

وكشف المصدر أن السياق السياسي لمواقف نواب «14 آذار» يظهر مدى الإرباك والتخبط الذي يعيش فيه هذا الفريق نتيجة حساباته الخاطئة خلال الفترة الماضية والتي أنتجت له هزائم دائمة بحيث أن المكابرة لم تعد تنفع ولا يمكنها أن تخرجه من المأزق الذي وضع نفسه فيه، مشيراً إلى أن استعداد السنيورة للطلب من نواب تكتله عدم الإكثار من المداخلات يؤكد أن هناك قناعة لدى هؤلاء بأن هذا الفولكلور السياسي لن يفيده في شيء، بل سيزيد من ضعف هذا الفريق وتراجعه شعبياً، وخصوصاً أن المواطن لم تعد تقنعه كل هذه الشعارات حول المحكمة والحملة على سلاح المقاومة، بل إن ما يريده المواطن هو الاهتمام بشؤونه والتخفيف من الضائقة المعيشية التي يعاني منها.

لذلك، رأى المصدر أن مسار الجلسة النيابية وحملة «14 آذار» لن يؤثرا في انطلاقة الحكومة وسعيها اللاحق إلى بدء معالجة العديد من الملفات والاستحقاقات الداهمة.

حزب الله يرفض المقايضة
سياسياً أيضاً، وعلى صعيد آخر، رفض الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله المقايضة بين العدالة والاستقرار لأن فيها نوعاً من الاتهام، ونحن نقول «بضرورة أن تتحقق العدالة لأنها شرط الاستقرار».

وأكد «إننا قلنا بعض ما لدينا، ولدينا أمور أخرى يمكن أن نقولها في أي وقت»، مشدداً على أن كل التضليل سيذهب هباء منثوراً وفي نهاية المطاف الحق منتصر وغالب، لافتاً إلى أن المسألة هنا ليست غلبة سلاح بل غلبة منطق وحق.
… ويردّ على بلمار

في السياق ذاته، رد حزب الله أمس على رد المدعي العام في المحكمة الدولية دانيال بلمار واشار في بيان إلى أن هذا الرد جاء جرياً على عادة بلمار، عامّاً وإجمالياً ولم يتطرق إلى أي من الأدلة المقدمة حيث لم يستطع أن ينفي أياً من الحقائق الثابتة التي أوردها الأمين العام السيد حسن نصرالله.

وأورد في جردة سريعة لإخفاقات بلمار في توضيح موقف المحكمة التالي:

ـ مسألة الشهود الزور، وملف محمد زهير الصديق الذي عمل بلمار شخصياً على تسوية وضعه مع الأنتربول الدولي.
ـ رفضه التحقيق بموضوع احتمال التورط «الإسرائيلي» في جريمة الاغتيال.
ـ إهمال السيد بلمار قصة سجن الضباط الأربعة والظلم الذي لحق بهم طيلة سنوات دون أن يحصلوا على التعويض المعنوي اللازم.
ـ عدم نفيه موضوع الكومبيوترات التي مُرّرت عبر فلسطين المحتلة مع ما يثيره ذلك من أسئلة كبرى.
ـ تجاهله لموضوع العملاء الذين هربوا، والذين كانوا موجودين في مسرح جريمة الاغتيال والذين عرف منهم غسان الجد على الأقل.
ـ إغفال الرد على موضوع عميل الـ»سي.آي.إيه» روبرت بير ودوره في التحقيق وفي المحكمة، وغيره من المحققين التابعين لأجهزة مخابرات تناصب المقاومة العداء بشكل علني.

الوضع في سورية: المعلم ينفي

أما على صعيد الوضع في سورية، فقد نفى وزير الخارجية السوري وليد المعلم في حديث لـ(C.N.N.) ما روجت له وسائل الإعلام المحرضة التي باتت معروفة الأهواء والأهداف وجود «أي هجوم عسكري في حماه»، مشيراً إلى أن «لا صحة للتقارير التي تقول بوجود الجيش السوري في الضواحي، فربما تكون بعض الوحدات العسكرية قد تحركت باتجاه إدلب وفي هذه الحالة عليها أن تمر بالقرب من حماه».
وكانت «رويترز» وكعادتها قد ذكرت أن «ستة مواطنين قتلوا في حماه وأن الجيش السوري دخل بلدة كفرنبل صباح أمس من دون إطلاق رصاص».

الحوار الوطني
وعلى صعيد آخر، أشارت صحيفة «الوطن» السورية إلى أن هيئة الإشراف على الحوار الوطني السوري تجهد كي تجمع حول الطاولة نصف الدائرية في مجمع صحارى في العاشر من تموز الجاري كل أطياف المجتمع السوري سلطة ومعارضة وما بينهما، للخروج بتفاهم على ثلاث مسائل جوهرية بالنسبة الى مستقبل سورية؛ وهي تتعلق بوضع أسس مؤتمر وطني شامل يضع تصوراً لمستقبل سورية السياسي والاقتصادي والاجتماعي لأعوام تأتي، والاتفاق على التعديلات الدستورية المطلوبة ومداها، كما إقرار ثلاثة مشاريع قوانين ستؤثر في الحياة العامة السورية وتغير وجه الدولة وربما جوهرها.

وخطت الهيئة بحسب الصحيفة من باب «إثبات المصداقية» خطوة أخرى تجاه المعارضة بتوجيه دعوة لـ»هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديمقراطي في سورية» المعارضة، والتي تشكلت الأسبوع الماضي ويرأسها المحامي حسن عبد العظيم وتضم أحزاباً كردية وأخرى معارضة وشخصيات وطنية.

هيغ والفيصل
وفي المواقف الدولية، اعترف وزير خارجية بريطانية وليم هيغ في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السعودي سعود الفيصل أمس بمحاولات بلاده السابقة استصدار قرار في مجلس الأمن ضد سورية. وأعلن تكرار المحاولة لتمرير قرار يطالب بوقف ما سمّاه «استخدام العنف ضد الشعب السوري وبحرية الدخول على الإنترنت».
من ناحيته، رأى الفيصل أن المطلوب من الرئيس بشار الأسد «وقف العنف وتنفيذ الإصلاح».

فيلتمان أيضاً وأيضاً
في موازاة ذلك، ورغم الفشل الذريع الذي منيت به سياسة بلاده في لبنان، أعرب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان عن «غضب بلاده لما يجري في سورية»، رافضاً ما تقوم به الحكومة السورية، ولافتاً إلى أنه وفي النهاية فإن «المسؤولية تقع على عاتق الشعب السوري في تقرير نوع الحكومة التي يريد ونحن ندعم ذلك».

ولتأكيد كلام فيلتمان الذي يتوجه به إلى الشعب السوري، نعيده بالذاكرة إلى الأمس القريب وكلامه الداعم والمحرّض لفريق «14 آذار» في لبنان وما آل إليه مصير هذا الفريق.

السابق
من الأكثر: السنة أم الشيعة؟
التالي
النهار: 14 آذار تُحاكم الحكومة: الاغتيال لم يكن مبدئياً ونصرالله عند مواقفه والمحكمة تردّ عليه