جلسات الثقة بالحكومة…برميل بارود

لم تنتظر معركة «المحكمة والحكومة» مطرقة رئيس البرلمان نبيه بري صباح اليوم لانطلاق الماراتون السياسي الأعنف على مدى ثلاثة ايام، بلياليها ونهاراتها… فالمواجهة «انفجرت» في الساعات الماضية مع البيان الذي يشبه «الرقم واحد» لحركة «14 آذار» التي حاصرت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بمعادلة قد لا ينجو منها فـ «اما الالتزام بالقرار 1757 (المحكمة الدولية) واما ارحل»، والرد الاستباقي العالي النبرة لميقاتي الذي اوحى بأنه لن يكون لقمة سائغة في محاولة «احراجه لاخراجه».

وهكذا اكتمل «النصاب» لحرب سياسية تنطلق اليوم بلا هوادة… فالمحكمة الدولية كانت اصدرت يوم الخميس الماضي مذكرات توقيف بحق أربعة من «حزب الله» في «دفعة أولى» تعقبها دفعات قد تشمل سوريين وايرانيين. والامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله اطل السبت الماضي رافضاً تسليم اي من «المجاهدين الشرفاء»، بعدما كرر اتهامه للمحكمة بأنها «اميركية اسرائيلية».

حركة «14 آذار» اطلقت يوم الاحد من «البريستول» حملة «محاكمة الحكومة دفاعاً عن المحكمة»، وأمس الاثنين «انتفض» ميقاتي تحسباً لما ينتظره اليوم تحت قبة البرلمان. مسرح المواجهة اليوم في القاعة العامة للبرلمان وفي ممراته يأخذ الشكل الآتي:

* حكومة ثلاثينية في مرمى النار «يناصرها» بري ومطرقته، ومعها نحو اكثر من نصف البرلمان بقليل (68 نائباً من اصل 128)، يتوسطها ميقاتي «الهدف السهل» في حكومة «يشد أزرها» الثنائي «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون، ولسان حالها «بيان وزاري» يختصره البند 14 الذي اعتمد صيغة ملتبسة في الموقف من المحكمة الدولية تتيح لها «التنصل» من الالتزامات حيالها عندما تقتضي الحاجة.

* معارضة برلمانية لكن «شرسة» تنتشر في أرجاء القاعة وتُحوّل «الميكروفون» المفتوح على الهواء مباشرة منصة لاطلاق النار السياسي في غير اتجاه… 60 نائباً يتقدمهم ما يمكن وصفه بـ «رئيس حكومة الظل» فؤاد السنيورة، رأس الحربة في الدفاع عن محكمةٍ ارتبط اسمه بـ «كل شاردة وواردة» في انجازها، ومعه «صقورٌ وحمائم» يتوزعون الهجمات على ميقاتي «الرمادي» والحزب «الانقلابي» (حزب الله)، ولسان حالهم طلب «العدالة ولو من لاهاي»، ووضع حد لـ «الافلات من العقاب».

ومن الصعب عشية هذه المواجهة في واحدة من اكثر اللحظات اللبنانية حساسية وخطورة، التكهن بمجرياتها، فرغم القدرة الفائقة للرئيس بري كـ «مايسترو« في ضبط ايقاع «المنازلات البرلمانية»، تتجه الانظار الى معركة «الايام الثلاثة»، كونها تتم في ظل «احتقان مكتوم» سببه ان ما اوحى به القرار الاتهامي في دفعته الاولى يؤشر الى ان رفيق الحريري الزعيم «السني» الأبرز اغتيل على يد مَن ينتمي الى الحزب الشيعي الأبرز.

وهكذا انهمكت القوى السياسية امس باعداد «العُدة»، عددياً وكلامياً لـ «الجلسات المشهودة» التي تنطلق اليوم لمنح الحكومة الثقة، حيث بدا ان الغالبية الساحقة من نواب 14 آذار الـ 60 سيتحدثون على ان «يصوّبوا» على السلاح غير الشرعي والحكومة الانقلابية رافضين اي مساس بالمحكمة، علماً انه نُقل عن مصادر قيادية في قوى المعارضة أنّ «أولى ثمار اجتماع البريستول يجب أن تتجلى في خوض معركة ضروس في جلسات الثقة بالحكومة وصولاً الى حد مطالبة رئيسها بالاستقالة من منطلق عدم شرعية حكومة تضم في صفوفها ممثلين لمشتبه بهم مطلوبين للعدالة»، وان كانت هذه المصادر استبعدت (لموقع ناو ليبانون) اقدام ميقاتي على هذه الخطوة من تلقاء نفسه «انما سيستمر في سياسة «ضربة على الحافر وضربة على المسمار» قياسًا على ما جاء في «كلمته الرمادية» بعد صدور القرار الاتهامي».

وفي حين كان الرئيس بري يلوّح بانه سيدير الجلسات على قاعدة الجمع بين الحق الديموقراطي وبين التزام الضوابط التي تمنع التعرض للآخر والتهجم عليه، موضحاً انه سيتدخل لتصويب المسار كلما شعر بان ثمة خروجاً على هذه الضوابط، كان نواب 8 آذار يرسمون خطة صدّ الهجوم المتوقّع من نواب المعارضة وذلك على قاعدة الردّ على الصفعة بـ «صفعة» بازاء «كل تجاوُز للسقف المعقول في الخطابات»، ووسط توقعات بان تسعى قوى الاكثرية الجديدة الى «تحييد» حزب الله عن مسرح المواجهة الدفاعية عبر جعل نواب آخرين ولا سيما من كتلتي العماد ميشال عون وبري ونواب الحزب السوري القومي الاجتماعي والبعث يتصدّرون مهمة «التصدي» لفريق 14 آذار.

وفي محاولة لرسم خطوط دفاع «هجومية»، خرج رئيس الوزراء اللبناني عن صمته موجّهاً انذاراً الى قوى 14 آذار بأنه لن يكون «هدفاً سهلاً» في جلسات الثقة. وفي بيانه الشديد اللهجة رداً على ما أطلقته المعارضة في اجتماعها الموسعة في «البريستول»، رأى ميقاتي ان «الحملة شعواء» التي شنّتها 14 آذار على الحكومة وعليه «ارتكزت الى مغالطات متعمدة».

وقال ميقاتي: «ادعى المجتمعون في «البريستول « بأن حكومتنا «تتنكر لمطلب العدالة التي التزمت به الدولة اللبنانية «، في حين ان الفقرة 14 من البيان الوزاري تؤكد على احقاق الحق والعدالة في جريمة الرئيس الحريري انطلاقا من احترام الحكومة للقرارات الدولية، وحرصها على جلاء الحقيقة وتبيانها من خلال المحكمة الخاصة بلبنان»

اضاف غامزاً من قناة الرئيس سعد الحريري: «(…) يعرف القاصي والداني مَن عمل في وقت من الاوقات على «تسوية»، حتى لا نقول اكثر، على حساب دم الشهداء وقضيتهم للتمسك بموقعهم في السلطة. ولعل في العودة الى تلك المرحلة ما يكفي من معطيات ومستندات تثبت كيف كانت أوراق الاقتراحات، مطبوعة حيناً، ومكتوبة بخط اليد احياناً، تتنقل من مكان الى آخر داخل لبنان وخارجه، مستدرجة العروض المباشرة وغير المباشرة».
واكد «ان الحكومة ليست في حاجة الى شهادة من أحد، لا سيما ممن يستحضرون دماء الشهداء في المناسبات التي يحتاجون فيها الى رافعة»، مشدداً على «ان المعارضة حق مشروع ولكن التخريب على الوطن جريمة (…) أما الطلب من الحكومات العربية والمجتمع الدولي عدم التعاون مع هذه الحكومة، فهو أمر يعكس حال الاضطراب ونوبات الغضب الشديد التي يعيشها المجتمعون في «البريستول» الذين هالهم ان تتشكل الحكومة».

وكانت قوى 14 آذار اعلنت في البيان النداء الذي تلاه الرئيس السنيورة بعدما خضعت مسودّته لنقاش مستفيض استمر نحو ثلاث ساعات بغياب الرئيس الحريري ورئيس الهيئة التنفيذية لـ «القوات اللبنانية» سمير جعجع (توجّه الى الامارات العربية المتحدة في زيارة رسمية)، ان «العدالة هي ضمانة الاستقرار والاستقلال»، معربة عن «رفض وضع اللبنانيين أمام معادلةٍ ظالمة وغير أخلاقية، مفادُها أن العدالة تهدّد السلمَ الأهلي وأنها لن تطبّق في لبنان ولو بعد قرون»، في رد غير مباشر على اعلان الأمين العام لـ حزب الله» السيد حسن نصرالله أنّ الدولة اللبنانية لن تستطيع تنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الدولية «لا في 30 يوماً ولا في 300 سنة».

واذ شددت 14 آذار على أنّ «العدالة لا تشكّل تحدّياً الا للمجرمين»، لفتت الى أنّ «موجات الاغتيال السياسي وأعمال القتل والتفجير والارهاب التي شهدها لبنان ما كان لها أن تبلغ هذا المدى الخطير من العنف الا من خلال بيئة ترعرع فيها استخدام السلاح غير الشرعي». ودعت من موقعها «في المعارضة الوطنية والديموقراطية وبعد ما سمعناه من منطق يعتمد غلبة السلاح والقوة على كلّ اللبنانيين ما أكّد ارتهان الحكومة لهذا المنطق»، الرئيس ميقاتي الى «اعلان التزامه أمام المجلس النيابي صباح الثلاثاء بالقرار 1757 بشكلٍ صريح ومباشر واعلان التزامه الخطوات التنفيذية لهذا القرار أو فليرحل هو وحكومته غير مأسوف عليهما (…) لأن هذه الحكومة برئيسها ومجموع أعضائها وكل من يجلس الى طاولتها هي حكومة انقلاب على اللبنانيين الذين انتصروا للعدالة والحرية»، معلنةً في المقابل «مباشرة العمل لاسقاط هذه الحكومة ابتداءً من الثلاثاء ما لم يعلن رئيس الحكومة التزامه تنفيذ الـ 1757».

وأعلنت التزامها «مواجهة المسار المُدمّر للعيش المشترك وللدولة وللنظام السياسي الذي بدأ بالاستيلاء المسلّح على العاصمة عام 2008»، كاشفة في هذا الاطار أنها بصدد «اطلاق حملة سياسية عربية ودولية لاخراج الجمهورية من أسر السلاح، والطلب من الحكومات العربية والمجتمع الدولي عدم التعاون مع هذه الحكومة في حال عدم تنفيذها مندرجات القرار 1757»، ومعلنة انها ستقوم «بكل الخطوات السلمية التي تراها مناسبة حفاظاً على دماء شهداء ثورة الأرز ومستقبل العدالة والأجيال الصاعدة في لبنان».

وبعد ترؤسه اجتماع كتلته البرلمانية استثنائياً يوم امس، لفت اعتبار العماد ميشال عون ان المعارضة رفعت شعار «كلنا على الوطن»، معتبراً «ان ما اعلنت عنه من حملة باتجاه المجتمعين العربي والدولي لمقاطعة الحكومة هو تحريض، وهذا عمل اجرامي، وأي دولة تتخذ اجراءات ضد لبنان سنحمل المسؤولية عن ذلك الى المعارضة وعندها سيكون هناك «ONE WAY IN (الى السجن)»، مضيفاً: «لو كانت هناك دولة لأوقفتهم على خلفية هذا التحريض».
وتوجّه الى نواب 14 آذار لأن «يضبوا ألسنتهم» غدا (اليوم) ويبقوا ضمن الاصول الديموقراطية، لأنهم ولو «انفتقوا» لن يستطيعوا القيام بمشكلة على الارض ولن يهزوا الاقتصاد اللبناني، لافتا الى أن هناك «اموراً كثيرة مهمة اكثر من المحكمة الدولية التي هي شيء ظرفي والاولوية هي لبناء الدولة».

وعن الاغتيالات، رأى عون ان الكلام عن الاغتيالات «طق حنق»، معلناً «البحر امام الخائفين من الاغتيالات».

بدوره، دعا رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط لاخراج موضوع المحكمة الدوليّة من التداول السياسي الداخلي «بما يتيح تثبيت الاستقرار السياسي»، معتبراً ان «الجرائم والاغتيالات التي وقعت كانت سياسيّة بامتياز، والاتهام الذي عبّر عنه القرار الظني سياسي بامتياز أيضاً»، ومشيراً الى «ان الكلام المتشنج لفريق المعارضة سيعيد انتاج التوتر الذي لا يخلو من الاعتبارات الطائفية والمذهبية».

السابق
العلّامة اللاطائفي.. السيّد محمد حسين فضل الله
التالي
آليّة من الإيطالية لتنظيف شوارع رميش