وصارت لحي السلم أغنية ولدت من رحم المعاناة

تقع منطقة "حي السلّم" عند الطرف الجنوبي الشرقي لضاحية بيروت الجنوبية. وهي أفقر أحياء الضاحية وأكثرها اكتظاظاً بالسكان، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 250 ألف نسمة يسكنون في منطقة ضيقة لا تتجاوز مساحتها بضعة كيلومترات مربعة..". هكذا يأتي التعريف عن منطقة حي السلم في مجموعة تحمل اسم المنطقة على موقع "فايسبوك"، تسرد على حائطها قصص الناس اليومية في هذا الحي والمأساة التي يعيشها سكانه.

إلا أن الحديث عن هذه المعاناة لم يقتصر هذه المرة على كتابات في موقع الكتروني أو صحيفة ما، بل استعان بوسائل يراها أصحابها أكثر إبداعا وقدرة على نقل الواقع. هكذا ولدت من رحم معاناة أهالي "حيّ السلم" أغنية على طريقة "الراب"، خاصة بالمنطقة وناسها، هي الأولى التي تتناول الحياة اليومية في مثل هذه المناطق، بعد أغنيات كثيرة سمعناها ونسمعها عن لبنان وعاصمته وجنوبه.

أحمد حيدر، شاب في الرابعة والعشرين من العمر، يعشق غناء "الراب". لم يصل إلى النجومية ولم يخرج إلى الأضواء، لكنه نجح في التعبير عن مأساة أبناء منطقته بأغنية حولت هذه المأساة إلى عمل فني، جسّده بكلمات كتبها ولحنها بنفسه.
لا يحبّذ أحمد أن يناديه أحد باسمه الحقيقي، بل يفضل اسمه الفني، "احمد علي"، تيمنًا باسم والده الذي توفي منذ زمن طويل. شاب طموح يعشق الموسيقى، وخصوصا "الراب"، اختار أن يغني منطقته المكتظة التي تعاني حرماناً يشمل مختلف الأصعدة والقطاعات. وهو كمثيله من شباب المنطقة يظل متمسكا بالحياة والأمل بمستقبل أفضل.

ومن لم يدخل من قبل إلى حي السلم للتعرف على "الدنيا الثانية" هناك، يمكنه اليوم أن يشهد على هذه الحياة بالصوت والصور المركبة في "فيديو كليب" تمّ نشره مؤخرًا على موقع "يوتيوب"، تحت عنوان "حي السلم"، ليسرد رواية الحيّ على إيقاع الراب وعرض الصور.

أحمد علي، الذي يحب الموسيقى ويسمعها منذ سبع سنوات، هو ابن المنطقة وشاهد على حياة الحرمان والفقر فيها، لذا قرّر أن ينقل المشهد إلى الرأي العام ليعرفهم عن "الحظ السيئ" الذي يحالف أبناء الحي، وخصوصًا الشباب منهم، كما يقول. لكن كيف أبصرت الأغنية النور مع ضعف الإمكانات التي يحكي عنها؟ يقول أحمد إنه تمكّن من تأليف الأغنية بمفرده، بواسطة المعدّات الموجودة داخل غرفة نومه التي تحولت إلى استديو متواضع. هناك حيث خصّص في زاوية الغرفة مكانًا للكمبيوتر الذي يحمل برامج موسيقى "الراب" مع آلة بيانو صغيرة و"ميكسير". معدات ساعدت أحمد علي على التخطيط أولا، ثم التأليف فالتنفيذ.

تبدأ الأغنية مع ترداد اسم "أحمد علي" على إيقاع موسيقى حزينة، وسرعان ما تزداد صخبًا مع تكرار كلمة "حي السلم" على طريقة "الراب". وخلافا للمتوقع، لم يصدم أحمد علي المشاهد في بداية الفيديو كليب بمشاهد مؤلمة عن المنطقة، بل فضّل أن يستهله بعرض صور لورود جميلة، قبل الدخول في صلب المعاناة. وبلغة عامية بسيطة، يكمل الرواية:

"من اسم الحي بتعرف لعبة الحية والسلم.. سكان المنطقة عايشين بزواريب معتمة مش محسوبة على المدينة المتقدمة.. مشاكل والدرك ما بيجوا.. مجبورين ندفع للدولة والجابي بقول اسرقوا.. حي الكرامة اسم الدلع للسلم.. والدولة ما بتكارم إلا الناس لي عندهم مصاري وليرات وخدم وسيارات.. عطالة وبطالة والشباب على زوايا الاراكيل شغالة أكيد والشغل خفيف..". ثم يسأل صوت آخر: "أين تحصل كل هذه الأمور..؟"، فيجيب علي غناء: ".. ولك بحي السلم"، قبل أن تتكرر لازمة "يا ويلاه حيات يا ويلاه حي السلم".

وتظهر كلمات الأغنية "معالم" المنطقة بكل تفاصيلها، بدءًا من مشاكل البنى التحتية وصولا إلى التلوث السائد نتيجة كمّ النفايات المرمية على الطرقات. ومن المعالم أيضًا، يذكر أحمد علي بسخرية نهر الغدير الملوّث، في فيغني: "عنا مزار سياحي نهر الغدير شلالات وهدير"، من دون أن ينسى طبعًا فانات حي السلم، التي أصبحت أشهر من النار على العلم.

اليوم، لا تنطلق هذه الفانات من موقفها من دون تشغيل الأغنية الخاصة بمنطقتهم، خصوصًا أن الأغنية تأتي ضمن البوم كامل بعنوان "دراويش"، اقتصر انتشاره بين أبناء المنطقة والأصدقاء فقط. وحده موقع "يوتيوب" روّج لتلك الأغنية، التي سبقتها أغانٍ كثيرة ضمن ثلاثة ألبومات أصدرها أحمد تتناول الحياة بشكل عام، وهي "الدراويش"، "البقاء للأصلح" و"أنوار المعازل"، لكنها ظلت مجهولة، بانتظار أن يحقق حلمه الخاص بإصدار ألبوم يعرّف الناس عليه ويُخرجه إلى عالم الشهرة.

السابق
“حزب الـله” يستأخر الانفجار
التالي
الوحدة الكوريّة تكرّم الإعلاميّين