نصر الله: الحكم على المحكمة

اللبنانيون، ليسوا أهل إجماع على شيء. ولا يشذّ موقفهم من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.. منذ اندلاع الاغتيالات، اختلف اللبنانيون على السؤال التالي: «من يكشف الحقيقة»؟

لا أحد يصدّق، إلا إذا كان مشتبها فيه، ان القضاء اللبناني جدير بهذه المهمة. فهو أثبت أنه لا يمت لامرأة قيصر بشبه. ولا أحد يصدّق، إلا إذا كان ذا غاية في نفس يعقوب، بأن القضاء الدولي، هو امرأة قيصر. لقد قبض على المحاكم الدولية، وما يلوذ بها بقرابة، بالجرم المشهود، مراراً وتكراراً. مثلا: ماذا كانت حصة فرنسا في مجازر رواندا؟ لا جواب من قبل المحكمة. فرنسا المتورّطة، خارج الشبهات.. مثل آخر: ماذا حصل في قرار التحقيق بمجزرة جنين؟ لم يجرؤ محقق دولي، على رفع سماعة الهاتف ليطلب إذناً من اسرائيل، ليسأل عن صحة من تبقى بعد مجزرة جنين.. مثل آخر: لماذا تفرّد القاضي الأميركي وحده، لدى استشارة محكمة دولية، ورفض اعتبار جدار الفصل العنصري في فلسطين، مخالفاً للقوانين الدولية؟ مثل آخر على فظاعات «القضاء» الدولي: صبرا وشاتيلا، وهروب بلجيكا من محاكمها، ومحاولة بريطانيا تغيير قوانينها لمحاكمة متهمين بجرائم حرب، بعد العدوان على غزة.

مشتبه جداً إلى حد التواطؤ، من يهرب من دلفة «القضاء» اللبناني إلى مزاريب المجتمع الدولي.. ثم، من هو المجتمع الدولي؟ هل هو دول أفريقيا أم دول آسيا، أم دول جنوب أميركا، أم حتى دول أوروبا؟ المجتمع الدولي، هو الولايات المتحدة الأميركية ومَن، وما معها. الرباعية الدولية، هي واحد لا أربعة. تصريح محمود عباس منذ يومين دليل على ذلك. يريد من الرباعية تمديد مرجعية التفاوض، والالتزام بها. ولا يجوز أن تكون الرباعية خاضعة للفيتو الأميركي. مشتبه ومتواطئ من يؤكد براءة المحكمة. هي متهمة، بالولادة والرعاية. لقد ولدت قيصرياً، برغم إرادة نصف الشعب اللبناني، واستدعيت لجان التحقيق الدولية، قبل إنشاء المحكمة، برغم إرادة «حزب الله»، قبل أن يوضع الحزب في موقع الاشتباه في ارتكاب الجريمة… لقد هرّبت المحكمة وأنظمتها من توقيع رسمي، كان يتمسك به نصف الشعب اللبناني. المحكمة ولدت من رحم لبناني شطر إلى اثنين، لقد جاءت غصباً عن والد من والديها. هذا حصل، عندما كان المناخ السياسي اللبناني ـ الدولي، لدى فريق لبناني، يصوّب أصبعه إلى سوريا.

العدالة مطلب لبنان والمحكمة غير عادلة. فمن يكشف الحقيقة؟
أمس الأول، بلغت مسيرة المحكمة الدولية إلى خواتيمها المعروفة:

فريق يعتبرها الطريق إلى العدالة، وينزّهها عن كل إثم وانحراف، وفريق يعتبرها، متهمة حتى أذنيها، بالسياسة والفساد والارتباط، بأميركا وإسرائيل.

وعليه، لن يجتمع اللبنانيون: 14 آذار، أقرت ببراءة المحكمة، حزب الله تركها تترنح، بين محاكمة غيابية، وتجاهل مطلق.

وإنما، كيف سيترجم الفريقان نهجيهما عملياً؟ السيد حسن نصر الله، وقبله وليد جنبلاط، ومعهما نجيب ميقاتي، سيتصرفون وفق «قواعد الإجراء اللبنانية». التبليغ سينفذ، ولكنه لن يصل إلى نوافذ حزب الله. القضاء سيقوم بواجبه، بلا نتيجة. وزارة الداخلية ستوكل إليها مهمة على قاعدة عدم الاهتمام… أي ان الحكومة ستتصرف وفق مقتضيات الواقع، وموازين القوى الداخلية.

هل تصمد الحكومة أمام الاجتياح الاعلامي المحلي والدولي؟ هل ستقصي مجموعة المتعاونين مع «قواعد الإجراء» الدولية، وفق ما تراه المحكمة ومن معها؟ وهل سيبقى الخلاف منضبطاً داخل المؤسسات، بين موالاة ومعارضة؟ هل تصمد الحكومة، وتحديداً الفريق الوسطي فيها، لابتزازات مذهبية؟

الامتحان النظري سهل. الفوز بالعملي، يحتاج إلى حكماء. وبلدنا يعجّ بالمجانين.

السابق
كلام هادئ عن مواجهة حادّة!
التالي
الجمهورية: 14 آذار استعادت مشهدها وبدأت العمل لإسقاط الحكومة: حملة لإخراج الجمهورية من أسر السلاح