حـزب اللـه من 1982 إلى 2011: هكـذا أصبح لاعبـاً أسـاسـياً

تهدف هذه الدراسة الى استعراض تاريخ تأسيس «حزب الله» وتطوره منذ العام 1982 وحتى العام 2011، وكيفية تطور رؤيته الفكرية والثقافية وهيكليته التنظيمية وصولاً الى اليوم حيث أصبح لاعبا أساسيا في حلبة الصراع العربي الاسرائيلي وفي النظام اللبناني بعد أن كان تنظيما سريا يحصر عمله في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي وينأى بنفسه كليا عن لعبة السلطة.

ولعل توقيت نشر هذه الدراسة على حلقتين اليوم وغدا، يفيد المهتمين في التعرف على السياق التاريخي لتطور بنية حزبية لبنانية صارت موضع استهداف دولي، بدليل القرار الاتهامي الأخير في قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري بمدلولاته كافة.
ما قبل 1982: الجذور الإسلامية

شهدت السبعينيات من القرن العشرين حركة علمائية نشطة في الاوساط الشيعية اللبنانية، وذلك من خلال عدد من العلماء الذين قدموا من النجف الاشرف (العراق) أو من ايران الى لبنان وعمدوا لإعطاء الدروس الثقافية في المساجد والحسينيات، وكان من ابرز هؤلاء الامام السيد موسى الصدر وآية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين والمرجع السيد محمد حسين فضل الله والعلامة الشيخ علي كوراني، وقد بدأ هؤلاء بتأسيس الجمعيات والهيئات الاسلامية ونشر الثقافة الاسلامية، ما أدى الى انتشار الوعي الديني في صفوف الشباب المسلم الشيعي بعد ان كان معظم هؤلاء قد انضم الى الاحزاب اليسارية والقومية والوطنية، إضافة الى بعض الاحزاب اللبنانية (كحزب الكتائب وحزب الوطنيين الاحرار). وكان لتأسيس حركة «أمل» والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى دور هام في دعم النشاط الديني الاسلامي، كما لعب «حزب الدعوة» الاسلامية الذي تأسس في العراق على يد عدد من العلماء وابرزهم العلامة الشهيد محمد باقر الصدر دوراً في نشر الوعي الاسلامي، وقد انتقل دور «حزب الدعوة» الى لبنان عبر عدد كبير من العلماء ومن خلال بعض الهيئات الاسلامية واللجان المناطقية.

لكن الحدث الأبرز الذي ساهم في نشر الوعي الاسلامي كان انتصار الثورة الاسلامية في ايران في العام 1979 بقيادة الإمام الخميني.

توزع الشباب المسلم في لبنان بين عدة أطر للعمل. فبعض هؤلاء عمل داخل حركة «أمل» نظراً لدورها السياسي والشعبي والعسكري، إضافة لاهتمامها بالجانب الديني، ومجموعات اخرى كانت مرتبطة بـ«حزب الدعوة» الاسلامية وتنشط باسم «الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين» و«اللجان الاسلامية» والتجمعات العلمائية، إضافة الى بعض المجموعات التي كانت على علاقة مع شخصيات ايرانية أو مع المنظمات الفلسطينية وكانت تنشط في بعض المناطق اللبنانية.
وبعد نجاح الثورة الاسلامية عمد هؤلاء الى إنشاء «اللجان المساندة للثورة الاسلامية في ايران» وبدأوا يتواصلون مع قيادة الثورة ويبحثون عن أفضل الأطر لتنظيم أوضاعهم وإيجاد إطار إسلامي موحد.
حزيران 1982: التأسيس السري

بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان في حزيران 1982 عمد بعض الشباب المسلم المنتمي للجان الاسلامية ولحركة «أمل» بمواجهة الاحتلال الاسرائيلي بالتعاون مع المنظمات الفلسطينية والجيش السوري، ولكن لم يكن هناك اطار اسلامي موحد، وحصل خلاف داخل حركة «أمل» حول المشاركة في «هيئة الإنقاذ» التي شكلها الرئيس الياس سركيس فانشقت مجموعة من قيادة الحركة التي كان يرأسها الرئيس نبيه بري وسمت نفسها بـ«حركة أمل الاسلامية» بقيادة حسين الموسوي.
وقرر المسؤولون عن «اللجان الاسلامية» و«أمل الاسلامية» وبعض التجمعات العلمائية توحيد جهودهم لتشكيل اطار اسلامي موحد قادر على مواحهة الاجتياح الاسرائيلي للبنان ومقاومته فعمدوا لتأسيس لجنة من تسعة مندوبين: 3 من «اللجان الاسلامية»، 3 من «حركة أمل الاسلامية»، 3 من التجمعات العلمائية، وخصوصاً تجمع علماء البقاع برئاسة الشيخ صبحي الطفيلي، وسميت اللجنة بـ«لجنة التسعة» ووضعت وثيقة سميت «وثيقة التسعة»، وذهبت الى ايران حيث التقت الإمام الخميني وأعلنت التزمها بقرار الولي الفقيه والعمل لتأسيس إطار إسلامي جديد، جرت تسميته لاحقا باسم «حزب الله» ولكن لم يُعلن عنه آنذاك، بل جرى الاتفاق على بدء العمل لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي بكل الأشكال السياسية والعسكرية.
وبعد وصول قوات من «الحرس الثوري الايراني» الى لبنان، في أعقاب الاجتياح الاسرائيلي المذكور، عمدت هذه القوات لتدريب الشباب المنتسبين الى التشكيل الاسلامي الجديد، وبدأت عمليات المقاومة في مختلف المناطق، إضافة الى القيام بالانشطة السياسية والشعبية من اعتصامات وإضرابات في بيروت والجنوب والبقاع.

وحصلت مواجهات ايضاً مع الجيش اللبناني الذي كان بقيادة العماد ابراهيم طنوس وكان يتولى رئاسة الجمهورية آنذاك الرئيس أمين جميل.
ولعل أهم تحرك قام به الاطار الاسلامي الجديد وبدون الاعلان عنه هو مواجهة اتفاق 17 أيار، وأُقيم اعتصامبدعوة من تجمع العلماء المسلمين في بيروت في مسجد الامام الرضا في بئر العبد وحصلت مواجهات مع الجيش اللبناني أدت الى استشهاد الشاب محمد نجدي وجرح العشرات.

كما جرى تنفيذ عشرات العمليات ضد القوات الاسرائيلية وكان من أبرزها العملية الاستشهادية في منطقة صور في 11/11/1982 ولم يُعلن عن منفذها الاستشهادي أحمد قصير إلا في وقت لاحق.
وأدت العمليات القتالية ضد الجيش الاسرائيلي الى انسحابه من قسم كبير من الاراضي اللبنانية في العام 1985.

16 شباط 1985:

الإعلان عن «حزب الله»
في 16 شباط 1985 وبمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الشيخ راغب حرب ومع بدء الانسحاب الاسرائيلي من قسم كبير من جنوب لبنان، أُعلن عن تنظيم «حزب الله» وذلك من خلال مؤتمر صحافي في حسينية الشياح تحدث فيه الناطق الرسمي باسم الحزب العلامة السيد ابراهيم الأمين (أصبح لاحقاً رئيس الكتلة النيابية وتم الكشف عن اسمه الصحيح ابراهيم أمين السيد) وأعلن فيه وثيقة الحزب السياسية باسم «الرسالة المفتوحة».

وشكل هذا الاعلان البداية العلنية للحزب وقد تضمنت الرسالة المفتوحة اهم المبادئ التي يؤمن بها الحزب. ومما جاء في هذه الرسالة «نحن في لبنان لسنا حزباً تنظيمياً مغلقاً ولسنا اطاراً سياسياً ضيقاً، بل نحن أمة ترتبط مع المسلمين في أنحاء العالم برباط عقائدي وسياسي متين هو الاسلام»…و»ان الحد الأدنى الذي يمكن ان نقبل به على طريق تحقيق هذا الطموح هو إنقاذ لبنان من التبعية للغرب أو للشرق وطرد الاحتلال الصهيوني من أراضيه نهائياً. واعتماد نظام يقرره الشعب بمحض اختياراته وحريته»… وعلى المستوى التنظيمي تم تشكيل شورى (قيادة) تتولى قيادة العمل السياسي والتنظيمي إضافة لعمليات المقاومة وبدأ الحزب يعلن عن قيادييه ومسؤوليه علنا، بعد ان كان يعتمد الجانب السري.

وبرغم ان وسائل الاعلام المحلية والغربية آنذاك كانت تركز على الدور الذي يقوم به العلامة السيد محمد حسين فضل الله وتصفه بأنه المرشد الروحي لـ«حزب الله»، فإن السيد فضل الله أعلن مراراً انه ليس له أي دور تنظيمي في الحزب مع ان العديد من قيادات الحزب درسوا عنده. وبعد حصول سلسلة عمليات تفجيرية وخطف للرهائن والعمليات التي استهدفت القوات الأميركية والفرنسية، جرت محاولة لاغتيال فضل الله من قبل مجموعة مرتبطة بالمخابرات الأميركية باعتراف مسؤولين أميركيين في 8 آذار 1985، لكن السيد فضل الله نجا من العملية، التي أدت الى استشهاد وجرح المئات من المواطنين.

وتصاعد دور «حزب الله» السياسي والشعبي والعسكري، مما أدى لحصول بعض الصدامات بينه وبين قوى حزبية لبنانية وخصوصاً الحزب الشيوعي اللبناني والحزب القومي السوري الاجتماعي ولكن الصدام الاكبر كان مع حركة «أمل».

معارك أمل ـ «حزب الله»

بدأ الخلاف يبرز بين حركة «أمل» و«حزب الله» بسبب الموقف من «حرب المخيمات» الفلسطينية والتي بدأت في العام 1985، فحركة «أمل» شنت حرباً قاسية ضد المخيمات الفلسطينية رفض الحزب المشاركة فيها لأنها لا تنسجم مع مواقفه وطروحاته، كما تعزز الخلاف بسبب الموقف من القرار 425 حيث إن الحزب كان يعتبر أن هذا القرار لن يحرر الجنوب في حين ان الحركة كانت تعتبره إحدى الوسائل لتحرير الجنوب الى جانب المقاومة، وأما الأسباب العميقة للخلاف فكانت تعود لارتباط «أمل» بسوريا وارتباط «حزب الله» بإيران وبروز بعض التباينات في موقف البلدين من التطورات في لبنان وقضية الصراع العربي الاسرائيلي، اضافة للصراع على النفوذ فحركة «أمل» كانت تعتبر انها صاحبة القرار في الجنوب والضاحية الجنوبية، في حين ان الحزب كان يعتبر ان من حقه التحرك والنشاط وخصوصاً على صعيد العمليات العسكرية بدون العودة للحركة وقيادتها.

وقد حصلت العديد من المناوشات والمشاكل في بعض المناطق ولكن كان يتم تجاوزها الى أن حصلت مشكلة في منطقة النبطية قرب بلدة حاروف حيث عمد حاجز لحركة «أمل» الى توقيف سيارة دبلوماسية ايرانية واعتراض المرافقين وبدأت الاشتباكات فقررت حركة «أمل» تجريد مقاتلي الحزب في الجنوب من السلاح في كل المناطق باستثناء منطقة اقليم التفاح وبالمقابل عمد «حزب الله» الى طرد مقاتلي الحركة من معظم مناطق الضاحية الجنوبية باستثناء الشياح.

وقد استمرت المعارك والاشتباكات بين الطرفين لمدة سنتين الى ان نجحت الجهود السورية – الايرانية بالتوصل الى اتفاق بين الطرفين في 9/11/1990 يسمح بعودة الحزب الى الجنوب وعودة حركة «أمل» الى الضاحية الجنوبية.
اتفاق الطائف وانتخاب الموسوي أمينا عاما

شهد لبنان ما بين العامين 1989 – 1991 تطورات هامة ابرزها توقيع اتفاق الطائف وانتخاب الياس الهراوي رئيسا للجمهورية، ومن ثم إنهاء الحالة الاعتراضية التي كان يتزعمها العماد ميشال عون بعد حرب الخليج الثانية وطرد الجيش العراقي من الكويت، وقد كان لهذه التطورات تأثير مباشر على وضع «حزب الله».

فعلى صعيد اتفاق الطائف، عمد «حزب الله» الى إصدار دراسة خاصة قدّم فيها اعتراضه على الاتفاق والملاحظات التفصيلية عليه، لكنه لم يقم بأي عمل اعتراضي على الاتفاق وتعاطى معه كأمر واقع سواء على الصعيد السياسي أو الامني، وكان الحزب قد شهد هذه الفترة بدء التغييرات التنظيمية، فبعد المؤتمر الاول الذي كان قد عقده وانتخب خلاله أول أمين عام للحزب وهو الشيخ صبحي الطفيلي، عقد الحزب مؤتمرا ثانيا في أيار 1991 انتخب بعده شورى (قيادة) جديدة وتولى السيد عباس الموسوي الامانة العامة، إيذانا ببدء مرحلة سياسية جديدة تتمثل في الاهتمام بالشأن الداخلي، سواء على الصعيد السياسي والاجتماعي وتولى السيد الموسوي هذه المهمة حيث قام بسلسلة لقاءات مع الاحزاب والقيادات اللبنانية، كما قام بجولة على المناطق اللبنانية لدراسة احتياجاتها وهمومها.

استشهاد الموسوي والانتخابات النيابية
شكل العام 1992 مفصلا مهما في وضع «حزب الله» بسبب استشهاد أمينه العام الثاني السيد عباس الموسوي في 16 شباط 1992 بعد مشاركته في احتفال الذكرى السنوية لاستشهاد الشيخ راغب حرب في بلدة جبشيت (قضاء النبطية) حيث قامت المروحيات الاسرائيلية بإطلاق الصواريخ على موكب الموسوي فقتلته مع زوجته أم ياسر ونجله الصغير حسين، وقد أدى استشهاد الموسوي وعائلته الى تعاطف لبناني كبير مع الحزب، وعمدت قيادة الحزب الى اختيار السيد حسن نصر الله أمينا عاما ثالثا للحزب، فيما تراجع دور الشيخ صبحي الطفيلي وبدأت تبرز بعض الخلافات في وجهات النظر داخل قيادة الحزب.

وعندما قررت الحكومة اللبنانية إجراء الانتخابات النيابية في شهر آب 1992، حصل نقاش موسع داخل قيادة الحزب بين المشاركة وعدمها، وكان الشيخ الطفيلي ضد هذه المشاركة، فيما كان معظم قياديي الحزب موافقين عليها وجرى الحصول على فتوى شرعية من ولي الفقيه السيد علي الخامنئي الذي أجاز المشاركة في الانتخابات، فيما بقي الطفيلي ضدها آنذاك، رغم انه لاحقا شارك فيها بعد انفصاله عن الحزب.

وأدت الانتخابات الى فوز مرشحي الحزب في البقاع والجنوب وبيروت وجبل لبنان وأصبح لدى الحزب كتلة نيابية من 12 نائبا ترأسها السيد ابراهيم أمين السيد، وبدأت مرحلة جديدة من عمل الحزب على الصعيد السياسي والاجتماعي والداخلي.
حرب الايام السبعة

(يتبع )

السابق
السيد فضل الله.. خادم الناس
التالي
اوغاسابيان: ميقاتي اختار تعطيل المحكمة ومواجهة المجتمع الدولي