لبنان ومهلة الثلاثين يوماً

لم يكن أحد يتوقع رداً مختلفاً من «حزب الله» على القرار الاتهامي للمحكمة الدولية. فهو شن حملة لتشويه صدقية لجنة التحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري فور مباشرة عملها واتهمها بالتسييس وبأنها «أميركية – إسرائيلية»، قبل أن يوجه هذه الحملة نحو المحكمة ما إن بدأت الحكومة التي شكلها فؤاد السنيورة في 2005 بمشاركة الحزب نفسه تتحدث عن نيتها الطلب من الأمم المتحدة تشكيلها لعجز لبنان عن ذلك، ثم سحب وزراءه من الحكومة في 2006 احتجاجاً على هذا التوجه حتى قبل أن يتضح بعد فترة طويلة أن الدلائل الاتهامية تشير إليه. وكان يومها يتذرع بالدفاع عن سورية المتهمة بإصدار أمر الاغتيال، بينما يتضح اليوم انه كان يدافع عن نفسه أيضاً.

وهناك من يقول إن تسببه بحرب مع إسرائيل في ذلك العام كان هدفه الأساس تعطيل هذا التوجه، وإيجاد معطيات جديدة في لبنان والمنطقة، لكن من دون نجاح.

كذلك لم تقنع أحدأً لاحقاً محاولات الحزب المتكررة وملفاته التلفزيونية الساذجة لاتهام إسرائيل باغتيال الحريري وسائر الاغتيالات التي تلت وشملت شخصيات سياسية وصحافية لبنانية ذات اتجاه سياسي واحد، ذلك أن المعطيات التي توافرت على مدى سنوات من التحقيق المكثف والمتشعب، والذي لا يزال مستمراً، استبعدت هذه الفرضية، مع أن سجل عدوانية وجرائم إسرائيل لا يساعد إطلاقاً على تبرئتها.

وعلى رغم حملة التضليل الواسعة والمحنكة التي مارسها الحزب بالتنسيق مع سورية عبر تدفق مريب لشهود الزور على لجنة التحقيق، ظلت هذه ملتزمة القواعد والأصول المهنية التي أفشلت مسعاهما وفضحت من يقف وراءه إلى أن اختفى أي ذكر لهؤلاء الشهود وتوقفت المطالبات الملحة بمحاكمتهم.

لكن ماذا بعد؟ هل يستطيع الحزب أن يواصل «تجاهل» المحكمة مثلما يقول انه فعل حتى الآن وتأكيد أن اتهامه جزء من «المؤامرة» إياها على المقاومة؟ أم يقرر كما فعل اكثر من مرة أخذ لبنان رهينة يحتمي بها، مثلما تشي بذلك تصريحات المقربين منه والمتحالفين معه والتي تركز على أهمية الحفاظ على السلم الأهلي وتغليب التعايش على الفتنة الطائفية والمذهبية؟

لكن المواجهة هذه المرة ليست بين «حزب الله» ومعارضيه في الداخل فقط، بل هي بينه وبين العالم كله ممثلاً بالعدالة الدولية ومجلس الأمن. ولهذا جاءت دعوة سعد الحريري وتصريحات قادة المعارضة اللبنانيين إلى التهدئة، لتؤكد الحرص على السلم الأهلي والاستقرار، ولتفوت الفرصة على الراغبين في مقايضة الأمن بالإفلات من العقاب، من دون أي تراجع عن المطالبة بضرورة التزام لبنان القرارات الدولية والتعاون مع المحكمة.

وإذا كان قرار دمشق و»حزب الله» بتسريع إعلان الحكومة الجديدة والتعجيل بولادة بيانها الوزاري شكل محاولة لاستباق صدور القرار الظني واحتواء مفاعيله، فإن مهلة الثلاثين يوماً لتنفيذ مذكرات التوقيف الدولية، والتي ستنقضي حتماً من دون «العثور» على متهمي الحزب الأربعة، سيُدخل هذه الحكومة المترنحة في اختبار حاسم مع المجتمع الدولي قد لا تقوى على تجاوزه، لأن لبنان لا يمكنه التحول جزيرة معزولة ومطوقة وخارجة على القانون ومعرضة لعقوبات مثل ليبيا والسودان، ولأن نشر نص القرار الاتهامي سيفضح الكثير من الخفايا ويجعل محاولات التهرب من الحساب صعبة للغاية.

السابق
نصر الله: لماذا انتظروا تشكيل الحكومة؟ لأنهم يريدون منع الثقة
التالي
إسرائيل والربيع العربي