معركة الإلحاد في الريجنسي!

منذ أن فتحت شهيتي للقراءة واقتناء الكتب كانت المساجلات والمناظرات تستهويني لما فيها من روح التحدي والمبارزة الفكرية وتحقيق المتعة من خلال الوقوف على مهارات العقل في تفنيد قول الخصم واستظهار المناظر والأدلة على أقواله… وفي مكتبتي كتب متخصصة من جميع المناظرات قديماً وحديثاً، في موضوعات متنوعة ومن أشهرها كتاب أنور الجندي (المساجلات والمعارك الأدبية في مجال الفكر والتاريخ والحضارة واللغة «57» معركة اشترك فيها عباس العقاد ومصطفى الرافعي وطه حسين وزكي مبارك وفريد وجدي وكرد علي ومحمود شاكر وأمين الخولي وشبلي شميل وسلامة موسى وفيليب حتي ويعقوب صروف وأحمد أمين وتوفيق الحكيم ويوسف عوض… وغيرهم.

وهناك كتب في (النقض والنقد) ومن أشرس هذه المعارك ما كتبه الرافعي ضد العقاد في كتابه (على السفود) أما أسوأ ما قرأت فكتاب المسامير ضد أبوالهدى الصيادي وآخر ما دخل مكتبتي كتاب (سوف يدري… رحلة الطلاسم من الشك الى اليقين) لطلال العامر، جمع فيه القصائد المعارضة والمناقضة لقصيدة الشك المشهورة (بالطلاسم) لشاعر المهجر الكبير إيليا أبوماضي المعروفة بـ (لست أدري) مع دراسة وافية من 415 صفحة بستة فصول.
ورغم قناعتي بأن المناظرات والمعارك الفكرية جزء لا يتجزأ من الثقافة الإنسانية في فاعليتها المتجددة في الحياة المعرفية إلا أن النتيجة التي اخترتها أخيراً ترجيح مصطلح (المدارسة) حول موضوع البحث المختلف فيه، لأن المناظرة تجعل كل طرف مسكوناً بهاجس الانتصار واذا كان هناك جمهور فإن أجواء تحرر العقل من هوى النفس يكون صعبا…

ماذا حدث في فندق الريجنسي مساء الخميس الماضي وفي تمام الساعة الخامسة مساءً وفي قاعة الابتسام وبحضور جمع من الشباب ذكوراً واناثاً من المهتمين بالمعرفة والمتعطشين للعلم، وكان ضيف ريجنسي هو الدكتور عمر شريف رئيس أقسام الجراحة بكلية الطب جامعة عين شمس، اختير المدرس المثالي على مستوى جامعة عين شمس عام 1984 والطبيب المثالي على مستوى الجمهورية عام 1988، من أهم كتبه كتاب (المخ ذكر أم أنثى) وتناول فيه الفوارق التشريحية والوظيفية بين مخ الرجل ومخ المرأة وانعكاس ذلك على اسلوب تفكير ومساعي وسلوك كل من الجنسين، ولما سألت الدكتور لقد أزعجني تجني الطبيبة العلمانية المتطرفة نوال السعداوي قبل عشر سنوات عندما قالت في قناة «الجزيرة» إنها شرحت مخ الرجل والمرأة على السواء فلم تجد فرقاً!! فقال الدكتور: تصدق قولها هذا هو سبب تأليفي لهذا الكتاب.

وكتاب الدكتور الثاني هو (رحلة عقل، العلم يقود أشرس الملاحدة للإيمان) والمقصود بالملحد السير أنتوني فلو من جامعة كيمبرج بعد 60 عاماً من الإلحاد، وقد طبع هذا الكتاب المترجم مع دراسة عمرو شريف عليه أربع مرات في سنته الأولى، وقمت بعرضه في رمضان العام الماضي على شاشة «الراي» في برنامجي (بيني وبينكم) فكان ذلك سبب تواصلي معه أما كتابه الثالث فصدر في أسابيع الثورة المصرية وهو (كيف بدأ الخلق) مجهود علمي متين جعل أُستاذ الفلسفة الدكتور خالد فرج يقول لو كان بيدي لقررت تدريس كتبك يادكتور شريف في الجامعة، حيث لم أقرأ في المكتبة العربية من تناول هذه الموضوعات بهذا العمق في حدود علمي.

هذه الزيارة الأولى للدكتور عمرو شريف للكويت، فلماذا زارها وما طموحه من المشروع العلمي الذي يتبناه، وماذا دار من حوار في قاعة الابتسام بالريجنسي مع الحضور، وماذا خرجت أنا شخصياً – وكنت مقدم الدكتور في محاضرته – من طرحه وتفاعل الشباب معه، وأين يقع موضوع معركة الالحاد من تلك الساعات الممتعة والحوار الثري. هذا ما سأعرضه برؤية تحليلية في المقال التالي… ختم الدكتور رحلته من الكويت بعد أن حضر ليلة سفره الاثنين الماضي حفل توقيع كتبه في مكتبة (آفاق) بمجمع التلال المجاور لسيتي سنتر بالشويخ وهناك كان حوار من نوع آخر!

السابق
ما سرّ المصادفات بين التسريبات والاتهام؟
التالي
في انتظار كلمة الفصل..نصر الله اليوم