في انتظار كلمة الفصل..نصر الله اليوم

السعودية لا تزال صامتة. الولايات المتحدة تحدد ما على حكومة لبنان و«جميع الأطراف» أن يفعلوه. الاتحاد الأوروبي يعلن موقفاً من القرار الاتهامي، وعينه على قوات اليونيفيل. دانيال بلمار يلوّح بالمزيد من قرارات الاتهام. الأنتربول يستعجل منحه إذنَ تعميم مذكرات عن المطلوبين. سعد الحريري يشكر بان كي مون. فماذا سيقول نصر الله اليوم؟

قيل الكثير أمس عن القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وعن توقيته وأهدافه وتداعياته، لكن الأنظار تتجه إلى ما سيقال اليوم، بل لا مبالغة في القول إن العالم سيضبط ساعته على توقيت محطة «المنار» التي سيطل عبرها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عند الساعة الثامنة والنصف مساء «لتحديد موقف الحزب من القرار الاتهامي» كما أعلنت العلاقات الإعلامية في الحزب في بيان أمس.

وفي وقت انطلقت فيه التوقعات الإعلامية لما سيقوله نصر الله اليوم، قالت مصادر معنية لـ«الأخبار» إنه سيعلن موقفاً واضحاً وصريحاً وقوياً من القرار الاتهامي «غير المفاجئ»، إضافة إلى أنه سيطلق موقفاً من المحكمة عموماً، مجدداً التأكيد أن حزب الله لا يعترف بها ولا بشرعيتها، ويتعامل معها قضائياً وتقنياً كما لو أنها غير موجودة. وأردفت أن ما سيطلقه نصر الله يدخل في إطار «تبيان المخطط السياسي لهذه المحكمة»، وسيضع القرار في سياقه السياسي، بحسب رؤية حزب الله. وكشفت أن حزب الله كان يبحث خلال اليومين الماضيين في إمكان أن يعلن نصر الله «معلومات جديدة» تأتي استكمالاً للمؤتمر الصحافي الذي عقده في آب 2010

وكشف فيه وجود قرائن تشير إلى احتمال تورط إسرائيل بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخصوصاً أنه كان قد أعلن بعد ذلك المؤتمر أنه سيعقد مؤتمراً آخر يكشف فيه معلومات إضافية تتعلق بالتحقيق باغتيال الحريري، إلا أنه لم يحدد موعد ذلك المؤتمر «إفساحاً في المجال أمام الجهود السعودية ــــ السورية التي كانت تسعى الى حل المشكلة السياسية في البلاد». وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس، لم يرشح ما إذا كانت قيادة الحزب قد اتخذت قرارها بشأن الإفصاح عن هذه المعلومات أو لا.

ولفت أمس أن وزراء حزب الله ونوابه تجنبوا إعلان أي موقف من القرار، فتحدث الوزير حسين الحاج حسن عموماً عن أن «أي إرادة دولية أو إقليمية أو محلية وأي مؤامرة لن تستطيع إسقاط إرادة المقاومة في لبنان، وأن تُرجع أيامنا إلى الوراء»، فيما اكتفى النائب محمد رعد بدعوة جمهور المقاومة إلى «التعامل مع الهجمة على المقاومة من خلال المحكمة الدولية والقرار الاتهامي عبر إدارة الأذن الطرشاء لأن المطلوب استفزازنا واستدراجنا إلى الفتنة». وقال «نحن معنيون بإطالة عمر حكومة نجيب ميقاتي حتى الانتخابات النيابية عام 2013»، حتى لو كان الثمن أن «نتحمل صلف بعض الوزراء، الذين من الممكن أن نطلب منهم بعض المطالب ولا يلبّوها» وهذا «حتى نرى جماعة المحكمة وإسرائيل في لبنان إلى أين سيصلون».

وفي انتظار ما سيعلنه نصر الله اليوم، ووسط انشغال المحتفين بالقرار بتوزيع «النصائح» عن ضرورة تسليم «المتورطين» ـــــ كما سمّاهم أحد نواب المستقبل ـــــ الأربعة الذين سرّبت أسماؤهم للمحاكمة، لمّح المدعي العام في المحكمة الدولية دانيال بلمار إلى إمكان تقديم مزيد من قرارات الاتهام لاحقاً، وذلك في بيان إعلامي وزعه أمس، واستهله بالترحيب بتصديق قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين على القرار الاتهامي، مشيراً إلى أن هذا التصديق جرى في 28 من الشهر الماضي، أي قبل يومين من تسليم نسخة عنه إلى القضاء اللبناني.

وإذ أشار بلمار أيضاً إلى أن فرانسين وافق على طلبه «إصدار مذكرات توقيف بحق الأشخاص المدرجة أسماؤهم في قرار الاتهام المذكور، وطلب إلى السلطات اللبنانية تنفيذ تلك المذكرات»، ذكر أنه «عملاً بقرار قاضي الإجراءات التمهيدية، يبقى مضمون قرار التصديق وقرار الاتهام سرياً ولا يعلن عنه إلا بقرار منه». ووصف بلمار القرار الاتهامي بأنه «تقدم مهم لأنه يمثل أول مراجعة قضائية مستقلة لعمل مكتب المدعي العام»، معتبراً أن تصديق فرانسين عليه يعني «اقتناعه بوجود أدلة كافية لإحالة المتهمين إلى المحاكمة». لكنه لفت إلى أن الأشخاص المتهمين يبقون «أبرياء حتى تثبت إدانتهم بدون أدنى شك معقول أمام غرفة الدرجة الأولى لدى المحكمة»، ليصل إلى القول إن تصديق القرار «ليس إلا خطوة ثانية في الإجراءات القضائية. فالتحقيقات ما زالت مستمرة في مكتب المدعي العام، وكذلك العمل استعداداً للمحاكمة. وبإمكان المدعي العام أن يقدم قرارات اتهام إضافية الى قاضي الإجراءات التمهيدية في أي مرحلة».

ولم تخل آخر 3 فقرات من بيان بلمار من السياسة، إذ بعدما نوّه بجهود فريق عمله رأى أن القرار «هو في المقام الأول ثمرة التزام الشعب اللبناني التزاماً ثابتاً بوضع حد للإفلات من العقاب في لبنان»، مستخدماً الجملة المفضلة عند عدد من المسؤولين الغربيين وقادة 14 آذار. ثم شكر «الشعب اللبناني وأسر الضحايا على ما تحلّوا به من صبر»، آملاً أن يجدد تصديق القرار «ثقتهم في عزمنا على كشف الحقيقة». ليختم بالقول إن تقديم المتهمين إلى القضاء «يتطلب التمسك بسيادة القانون، والتعاون المتواصل من السلطات اللبنانية، والدعم من المجتمع الدولي».

وبدت الشرطة الدولية «الأنتربول» مستعجلة للحصول على معلومات عن المشتبه فيهم، إذ أعلنت في بيان أمس، أنه لا يمكنها تفسير سبب عدم إصدار المحكمة إذناً لها لتعميم مذكرات على 188 بلداً عضواً في الأنتربول بـ«أسماء المطلوبين وتواريخ ميلادهم وصورهم»، مشيرة إلى أنه لا يمكنها «اعتقال أشخاص خطيرين أو منعهم من عبور الحدود أو منع فرارهم من العدالة إلى دول أخرى، استناداً إلى معلومات في وسائل الإعلام، فالشرطة تحتاج إلى إذن من سلطات قضائية وحكومية

في هذا الوقت، لفت استمرار الصمت السعودي تجاه القرار، وكذلك تواضع حجم ردود الفعل الغربية التي اقتصرت حتى الآن على بضعة مواقف، أبرزها أمس لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي دعت الحكومة اللبنانية إلى تنفيذ واجباتها تجاه القانون الدولي ودعم المحكمة الخاصة، كذلك دعت «جميع الأطراف إلى التشجيع على أجواء سلمية والتعاون مع المحكمة التي تقوم بواجباتها في صورة مهنية وغير مسيّسة»، معتبرة أن القرار الاتهامي «مرحلة مهمة تقدم للبنان فرصة الابتعاد عن تاريخه الطويل من العنف السياسي».

أما الاتحاد الأوروبي الذي تشارك معظم دوله الكبرى في قوات اليونيفيل، فقد اكتفى ببيان صادر عن مكتب مسؤولة العلاقات الخارجية فيه كاثرين أشتون، يعلن أن الممثلة العليا للاتحاد «أخذت علماً بتسليم القرار الاتهامي إلى السلطات اللبنانية»، ويؤكد التزام الاتحاد تجاه المحكمة «كمحكمة مستقلة أنشئت بموجب القرار 1757 وبموجب أعلى المعايير القضائية»، مشدداً على أن «تستمر المحكمة في عملها بتعاون كامل من السلطات اللبنانية».

ومن مكان وجوده في الخارج، اتصل الرئيس سعد الحريري بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وشكره بحسب ما ذكر مكتبه الإعلامي «على الجهود التي بذلها والأمم المتحدة عموماً في دعم المحكمة الخاصة بلبنان، وصولاً إلى إصدار القرار الاتهامي».

وفي بيروت، زارت السفيرة الأميركية مورا كونيلي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وخرجت دون أي تصريح ودون أن يتبعها بيان من عوكر عن اللقاء، وذلك بعكس السفير السوري علي عبد الكريم علي، الذي تحدث للصحافيين في السرايا، معلناً أنه زار ميقاتي مهنئاً بتأليف الحكومة، وأن الدعوة مفتوحة له «لزيارة سوريا في أي وقت»، مشيداً بخطابه بعد صدور القرار الاتهامي. وقال إن التسريبات عن مضمون هذا القرار أفقدته «الكثير من صدقيّته، وخصوصاً أن الإعلام الإسرائيلي كان أول من رحب به، وذكر مضامينه قبل الإعلان عنه بأيام». ونفى المعلومات عن توجه وفد لجنة التحقيق الدولية إلى دمشق. وأمل علي بعد زيارته أيضاً الوزير عدنان منصور «الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي والتعاطي بمسؤولية وطنية، هذا ما نرجوه للبنان، وأن تكون النتائج خيراً».

ووسط انشغال وكالات الأنباء الأجنبية بمتابعة الحدث اللبناني ـــــ وتحليله، برز أمس نقل وكالة الصحافة الفرنسية عن وزير الداخلية مروان شربل، أنه «أكد» أن أسماء المتهمين الأربعة في القرار «هي نفسها» التي تداولها الإعلام «وينتمي أعضاؤها إلى حزب الله»، وقال إن «القوى الأمنية ستبدأ عملية جمع المعلومات والبحث عن المتهمين وتحديد أماكن وجودهم تمهيداً لمحاولة توقيفهم». ولاحقاً، أصدر المكتب الإعلامي لشربل بياناً نفى فيه أن يكون قد صدر عن الأخير «أي تصريح بشأن الانتماء السياسي أو الحزبي» للذين شملتهم مذكرات التوقيف، مؤكداً أنه «لم يتطرق إلى مسألة عمليات المداهمة».

في هذا الوقت، استمرت المواقف اللبنانية المعروفة من القرار بين احتفاء المعارضة به، ومهاجمته من الأكثرية الجديدة. فيما خصص له النائب وليد جنبلاط مؤتمراً صحافياً، لفت في مستهله إلى انسجام مضمون القرار مع ما كان «قد سرب مراراً وتكراراً»، ورأى تزامناً مريباً وغريباً بين تسليم هذا القرار وتسريب الأسماء وتأليف الحكومة، لافتاً إلى أن التزام البيان الوزاري وكذلك رئيس الحكومة بالتعاون مع المحكمة «معاكس تماماً لما روّجته المعارضة في كل المرحلة السابقة من أن الحكومة تريد وضع لبنان في مواجهة المجتمع الدولي». وقال إن الأمر الأساسي «هو التلازم الحتمي بين الاستقرار والعدالة»، مستشهداً بما قاله الرئيس الراحل رفيق الحريري «لا أحد أكبر من بلده»، ليضيف إنه لو كان الأخير «موجوداً بيننا اليوم ومرت البلاد في حالة مشابهة لكان اتخذ موقفاً ينسجم مع هذه الرؤية ويجنّب البلاد الفتنة».

وشدد على «أن تحقيق العدالة بالنسبة إلى رفيق الحريري ورفاقه الشهداء لا يكون بجرّ البلاد الى التوتر والانقسام، ولا يكون بالسقوط في فخ لعبة الأمم التي كنا أول من حذر منها وأول من نبّه الى رفض الكيدية والانتقام والثأر»، مجدداً تأكيده اعتماد الحوار «وهو الوحيد الكفيل بتجنيب البلاد مخاطر الانزلاق الى الاقتتال والفتنة والتوتر». وختم بالدعوة الى «ترك الأمور تسير بهدوء، والحكومة تقوم بواجباتها»، وكذلك القضاء والقوى السياسية والمؤسسات الأمنية «لتفادي الوقوع في المحظور»

ولفت قول جنبلاط إنه لا يستطيع الإجابة عن سؤال عما إذا كان القرار الاتهامي «صدر بناءً على أحكام وإثباتات أم أنه مسيّس». ورداً على سؤال آخر شدد على ضرورة «أن يكون التخاطب السياسي عقلانياً، فوق العاطفة وفوق التجييش، وفوق الذين يريدون من هنا أو هناك أن يجعلوا من لبنان ساحة تجاذب أو تصفية حسابات إقليمية ودولية حتى لا ندخل في لعبة الأمم»، وطمأن إلى عدم وجود فتنة
وعلى ضوء ما سيقوله نصر الله اليوم، يمكن توقع طبيعة المواقف في الجلسة النيابية العامة التي دعا الرئيس نبيه بري إلى عقدها في 5 و6 و7 من الشهر الجاري، لمناقشة البيان الوزاري والاقتراع على الثقة للحكومة.

السابق
معركة الإلحاد في الريجنسي!
التالي
نقولا: لن نسمح باستباحة السيادة لإرضاء 14 آذار والمجتمع الدولي